الاستمناء


كلماتٌ نافعةٌ وتفصيلاتٌ بارعةٌ في تحريمِ الاستمناءِ بالإجماعِ
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما زلت أرى كتابات قبيحة لبعض طلبة العلم في مسألة تحريم الاستمناء وإباحته، وكنت قد أعددت بحثًا مطولًا في ذلك ولكنه ضاع وطويت معالمه في ذاكرتي، فالحمد لله على العافية.
وقد أزمعت على كتابة هذه الكلمات في بيان صحة الإجماع على تحريم الاستمناء من عدمها والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.

جولة في أدلة التحريم:
يستند من نص على التحريم أو الكراهة إلى آية المؤمنين ثم يشفعون ذلك بكلام الشافعي رحمه الله في المسألة.
قال ابن كثير([1]):" وقد استدل الإمام الشافعي، رحمه الله، ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}"اهـ
قلت: وهذا استدلال حسن غير أنه معارض بما جاء عن الشافعي في مناقبه للبيهقي من قوله بأن كل حفظ للفرج في القرآن فهو عن الزنا.
وعن ابن زيد: كل ما في القرءان من حفظ الفرج فهو عن الزنى إلا هذا[ ما ورد في سورة المؤمنون وسيأتي] فإنه أراد به الاستتار.
وأخرج([2]) ابن أبي حاتم عن أبي العالية، قال:" كل آية في القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنى إلا قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} فالمراد ألا يراها أحد".

وكذلك يستندون إلى الحديث الذي رواه الحسن بن عرفة في جزئه([3]) حيث قال: حدثني علي بن ثابت الجَزَريّ، عن مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد ، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، فمن تاب تاب الله عليه: ناكح يده ، والفاعل، والمفعول به، ومدمن  الخمر، والضارب والديه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره".
وقال ابن كثير:" هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف؛ لجهالته، والله أعلم"اهـ
ومن تشدد في تحريمه في عصرنا: الألباني!!، وابن باز!، و العثيمين! و محمد الأمين الشنقيطي! في خلق سواهم كثير.

وبعض الفقهاء يرى الإباحة وبعضهم ألف في ذلك كالشوكاني عفا الله عنه في كتابه (بلوغ المنى)، ومن قبله ابن حزم في المحلى قال هنالك:" لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح ، ومس المرأة فرجها كذلك مباح بإجماع الأمة كلها ، فليس هناك زيادة على المباح إلا التعمد لنزول المني، فليس ذلك حراماً أصلاً"انتهى
قلت: وهذا عجيب جدًّا، وفساده مغن عن إفساده وهو لوثة ظاهرية غريبة.

وكذلك ذهب إليه بعض الأحناف، وأحمد في رواية عنه[ولم أحقق صحة نسبتها]، وهو مروي عن  مجاهد وعمرو بن دينار، وابن جريج، وابن عباس. وبعض تلك الآثار ليست بالقوية.
وتوسط أقوام بين الفريقين وفصلوا تفصيلًا حسنًا في ذلك فقالوا بإباحته عند الضرورة وهي خشية الوقوع في الزنا معتبرين في ذلك غلبة الظن.
وقال بعضهم في هذه لحالة: حكمه الجواز، وقال بعض: الجواز مع الكراهة. وقال بعضهم: يجب عند ذلك، نقله ابن عابدين في الحاشية. ومرجع هذه الأقوال الرسائل المطولة، وليس موضع بحثنا الـمٌقصَّر!

وجامع ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية([4]):" و الاستمناء لا يباح عند أكثر العلماء سلفًا وخلفًا سواء خشى العنت أو لم يخش ذلك وكلام ابن عباس وما روى عن أحمد فيه إنما هو لمن خشى العنت وهو الزنا واللواط خشية شديدة خاف على نفسه من الوقوع فى ذلك فأبيح له ذلك لتكسير شدة عنته وشهوته
 وأما من فعل ذلك تلذذًا أو كذكر أو عادة بأن يتذكر فى حال إستمنائه صورة كأنه يجامعها فهذا كله محرم لا يقول به أحمد ولا غيره وقد أوجب فيه بعضهم الحد والصبر عن هذا من الواجبات لا من المستحبات" انتهى

وقال([5]):" وكذلك من أباح الإستمناء عند الضرورة، فالصبر عن الاستمناء أفضل، فقد روى عن ابن عباس:" إن نكاح الإماء خير منه وهو خير من الزنا". فإذا كان الصبر عن نكاح الإماء أفضل فعن الاستمناء بطريق الأولى أفضل  لا سيما وكثير من العلماء أو أكثرهم يجزمون بتحريمه مطلقًا وهو أحد الأقوال فى مذهب أحمد واختاره ابن عقيل فى المفردات والمشهور عنه يعنى عن أحمد أنه محرم إلا إذا خشى العنت .
والثالث: أنه مكروه إلا إذا خشى العنت فإذا كان الله قد قال فى نكاح الإماء {وأن تصبروا خير لكم} ففيه أولى وذلك يدل على أن الصبر عن كلاهما ممكن"انتهى

الإجماع والخلاف في المسألة:
قال الإمام ابن جرير الطبري([6]):" واختلفوا في الاستمناء: فقال العلاء بن زياد:" لا بأس بذلك قد كنا نفعله في مغازينا". حدثنا بذلك محمد بن بشار العبدي قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عنه.
وقال الحسن البصري والضحاك بن مزاحم وجماعة معهم مثل ذلك. وقال ابن عباس: هو خير من الزناء ونكاح الأمة خير منه. وقال أنس بن مالك: ملعون من فعل ذلك. وقال الشافعي: لا يحل ذلك. حدثنا بذلك عنه الربيع، وعلة من قال بقول العلاء: إن تحريم الشيء وتحليله لا يثبت إلا بحجة ثابتة يجب التسليم لها وذلك مختلف فيه مع إجماع الكل، وإن مادة إعماله فيه فحرام عليه الجمع بينهما إلا لعلة، وقد أجمعوا أن له أن يباشر ذلك بما يحل له أن يباشره به، فكذلك له أن يعمله فيه.
وعلة من قال بقول الشافعي الاستدلال بقول الله عز وجل  {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} فأخبر جل ثناؤه أن من لم يحفظ فرجه عن غير زوجته وملك يمينه فهو من العادين والمستمني عاد بفرجه"انتهى

قلت: هذا إشارة إلى الاختلاف في الحكم على مطلق الاستمناء، أما تفصيل الحكم عند الضرورة وعدمها فله كلام آخر.
قال الشيخ تقي الدين([7]):" وأما من فعل ذلك تلذذًا أو كذكر أو عادةً بأن يتذكر فى حال استمنائه صورة كأنه يجامعها، فهذا كله محرم لا يقول به أحمد ولا غيره"اهـ
قلت: هذا نص في حكاية الإجماع على تحريمه حال التلذذ والتعود وتصور صورة كأنه يجامعها.
وقال([8]):" وأما بدون الضرورة فما علِمتُ أحداً رخّص فيه".

حكم المسألة والفتوى فيها:
حكم المسألة تقدم فيما سبق، وأن أصل الاستمناء لا خلاف في تحريمه، إنما الخلاف في إباحته عند الضرورة.
أما الفتوى فلون آخر، فإذا استفتي العالم في المسألة فله طريقان في الفتيا: أولهما: افتاء السائل بما رجحه من الخلاف في المسألة الخلافية السابقة.
الآخر: وهو طريق الشيخ الألباني، قال – رحمه الله –([9]) :" وأما نحن فنرى أن الحق مع الذين حرموه مستدلين بقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون*إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولا نقول بجوازه لمن خاف الوقوع في الزنا، إلا إذا استعمل الطب النبوي وهو قوله صلى الله عليه وسلم للشباب في الحديث المعروف الآمر لهم بالزواج: "فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ولذلك فإننا ننكر أشد الإنكار على الذين يفتون الشباب بجوازه خشية الزنى، دون أن يأمروهم بهذا الطب النبوي الكريم"انتهى
قلت: ولأن الفتيا بالجواز حال الضرورة فتح باب مفسدة على الشاب السائل، لا سيما وهو لا يقدر الضرورة غالبًا، والضرورة تقدر بقدرها، ولذا رأيت أن الفتيا بالجواز حال الضرورة هي من الفتيا الخاصة التي لا تذاع في المجامع ولا تنشر في المآتم، والله أعلم.
وللحديث ذيل، فلعلنا نتابعه – بعدُ – إن شاء الله تعالى.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
كتبه/
وليد بن حسني الأموي
عفي عنه





[1]  - تفسيره(5/463).
[2]  - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي(1/422).
[3]  - جزء الحسن بن عرفة برقم: 41.
[4]  - مجموع الفتاوى ( 10/574).
[5]  - مجموع الفتاوى(10/573- 574).
[6]  - اختلاف الفقهاء: ص 208.
[7]  - مجموع الفتاوى ( 10/574).
[8]  -  مجموع الفتاوى (35/229).
[9]  - التعليق على فقه السنة: ص 420.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق