شُعْبَةٌ
مِنَ التَعَالُمِ وَرَبِّ الكَعْبَةِ
بسمِ
اللهِ، والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وَمَنْ
وَالاه،أمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ
رَأْيتُ ظاهرةً سيئةً يتعمدُ التلطُّخَ بوَسَخِها بعضُ إخواننا من المنتسبينَ إلى
طلبِ العلمِ وهي -باختصارٍ- قولُ بعضِهِم رَدِيفَ مقالِهِ القَصِيرِ أوْ كَلِمَتِهِ
المُقْتَضَبَةِ أو المسروقةِ المُنْتَحَلَةِ ، أنْ يقولَ هَكَذَا:
[كَتَبَهُ
أبو فُلَان فلانُ بنُ فُلانٍ الأثريُّ أو السَّلَفِيُّ]
[نزيلُ
حاضرةِ كذا بمدينةِ كذا]
[في
تاريخِ كذا وكذا]
[عاملَهُ
اللهُ بكذا وكذا]
ولمَّا
يَدْرِ أولئكَ الأحداثُ أن هذا موهمٌ بأنهم من رِجَالاتِ العِلْمِ وأساطينِهِ
وحملتِهِ وأوعيتِهِ، وليتَهَم كانوا كذلك، إذًا لهانتِ المصيبةُ ولذهبت الرَزِيئةُ
وزالتْ مِنَ الصدرِ الحَسِيكَةُ.
ولكنَّهم
للأسَفِ لا يدرونَ من العلمِ إلا قليلًا ولا يطلبونَهُ إلا لِمَامًا، وجُلُّ شُغْلِهِم
في تسويدِ الكَلِمَاتِ القليلاتِ على صَفَحَاتِ المُنْتَدياتِ سالكين في تلك
الكتابةِ مسلكَ التهويلِ والايهامِ والإشعارِ بأنَّهم من حَمَلَةِ العلمِ ورجالِ
الدعوةِ، ولذا تجدُ مقالاتِهِم مَحْشُوةً بقولهم(قلنا، فعلنا، ناصحنا، مقالاتنا،
أوصي نفسي وإخواني، وصيتي للسلفيين...) ونحوها من المُضْحِكَاتِ المُبْكِيَاتِ.
والعجيبُ
أنَّكَ لو سألتَ أَحَدَهُم في مسألةٍ من أُولَيَاتِ مَسَائلِ العِلْمِ فكأنَّه قُنْفُذٌ
وَضَعْتَ في ظَهْرِهِ جَمْرًا لا خَلَاصَ لهُ مِنْهُ، أو كأنَّه ألُقِمَ حَجَرًا
لا مَحِيصَ لَهُ عَنْهُ، أو كأنَّ على رَأْسِهِ طيرًا يَخْشَى أَنْ يُرَوِّعَهُ.
وَكَمْ
ذا بِمِصْرَ مِنَ المُضْحِكَاتِ *** ولكنَّهُ ضَحِكٌ كالبُكَاءِ
وَلَو
كَانَ (جَهْلًا) واحدًا لَقَبِلْتُهُ *** ولكنَّه جَهْلٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ
وبعضُهُم
يَتَشَبَّثُ بِفْعَلِ بعضِ كبارِ العلماءِ لذلك، ولمَّا يَدْرِ ذلكَ المُشْتَبَهُ
عليهِ الأمرُ أنَّ العالمَ الراسخَ الذي يدينُ كَثِيرٌ من الخلقِ بقوله ما فعلَ
ذلكَ إلا تحقيقًا لنسبةِ القولِ إليه لتطمأنَ الأنفسُ وتبرأَ الذممُ ويحملَ تَبِعَتَهُ
ويكونَ عليهِ غُنْمُهُ إنْ كانَ صوابًا أو غُرْمُهُ إنْ كانَ خِطَاءً.
أمَّا
أن يكتبَ المرءُ أسطرًا يستلُّهُا من كُتُبٍ شَتَّى بلا تمييزٍ ولا تمحيصٍ هكذا شَذَرَ مَذَرَ ثمَّ لا يلوي على حياءٍ ولا تقديرٍ
لشأنِهِ فيضعَ تَحْتَها [كتبه فلانٌ بن فلانٍ أبو فلان، ثم يردفَ ذلك بالتأريخِ،
ومَحِلِّ الكتابة ِإيهامًا للغُفْلِ والدَّهْمَاءِ من النَّاسِ – فهذا من التعالمِ
المذمومِ والكذبِ المرذولِ المخالفِ
لطريقةِ الشريعةِ المطهرةِ، وحقيقيةِ المنهجِ السَّلَفِيِّ الوَسَطِ العَدْلِ السَمْحِ
الذي حقيقتُهُ إعطاءُ كلِّ ذي حقٍ حَقْهَ.
ألم
يعلم إخواننا أن من نِعَمِ اللهِ على العبدِ خفضَ الذِّكْرِ، وقلةَ الصيتِ، ومما
روي أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة يذكرُهُ نعمَهُ عليهِ:"ألم أَخْفِضْ
ذِكرَكَ".
وعن
عليٍّ، رضي الله عنه، قال: لا تبدأ لأن تشتهرَ، ولا ترفعْ شخصَكَ لتُذْكَرَ، وتعَلَّمْ
واكتُمْ، واصمت تَسْلَمْ، تَسُرَّ الأبرارَ، وتغيظَ الفُجْارَ.
وقال
إبراهيمُ بن أدهمَ:" ما صَدَقَ اللهَ مَنْ أحبَّ الشُّهْرَةَ".
وقال
أيوبُ: ما صَدَقَ اللهَ عبدُهُ إلا سرَّهُ ألا يُشْعَرَ بمكانِهِ.
وقال
حمادُ بنُ زيدٍ: كنَّا إذا مَرَرْنَا على المجلسِ، ومعنا أيوبُ، فسلَّمَ، رَدُّوا ردًّا
شديدًا، فكان ذلك يَغُمُهُ.
وهذا
واللهِ اليومَ شديدٌ وأنا لا أستطيعُهُ كُلَّهُ، وإنما يؤمرُ العبدُ بالإتيانِ من
ذلكَ بما يطيقُ ثمَّ لِيـبْتَهِلْ إلى اللهِ أنْ يَعْفُوَ عمَّا اقترَفَهُ وارتكَبَهُ
مما استزلَّهُ إليه الشيطانُ.
والله
المستعانُ، وحسبي اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، وصلَّى اللهُ على نبينَا ومولانا مُحَمَّدٍ
وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق