إِلْزَامٌ مُفْحِمٌ لِمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَ جِنْسِ العَمَلِ بِمُوَافَقَةِ الأَشَاعِرَةِ


إِلْزَامٌ مُفْحِمٌ لِمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَ جِنْسِ العَمَلِ بِمُوَافَقَةِ الأَشَاعِرَةِ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا رد مفحم وإلزام لا مناص عنه لإخواننا الذين خالفونا في مسألة جنس العمل، نلزمهم فيه بتصويب قول الأشاعرة في الإيمان، وقد شرطت على نفسي في هذا المقال ألا أنقل إلا عن إمام من أئمة الأشاعرة وحدهم، ولينظر إخواننا قول أولئك المرجئة ثم يقارنوا به قولهم:

·  قال الغزالي في قواعد العقائد( من إحياء علوم الدين):" فإن قلت: فقد مال الاختيار إلى أن الإيمان حاصل دون العمل .
وقد اشتهر عن السلف قولهم : الإيمان عقد وقول وعمل فما معناه ؟
قلنا: لا يبعد أن يعد العمل من الإيمان لأنه مكمل له ومتمم كما يقال الرأس واليدان من الإنسان ومعلوم أنه يخرج عن كونه إنسانا بعدم الرأس ولا يخرج عنه بكونه مقطوع اليد وكذلك يقال التسبيحات والتكبيرات من الصلاة وإن كانت لا تبطل بفقدها فالتصديق بالقلب من الإيمان كالرأس من وجود الإنسان إذ ينعدم بعدمه وبقية الطاعات كالأطراف بعضها أعلى من بعض وقد قال صلى الله عليه و سلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " والصحابة رضي الله عنهم ما اعتقدوا مذهب المعتزلة في الخروج عن الإيمان بالزنا ولكن معناه غير مؤمن حقًا إيمانًا تامًا كاملًا كما يقال للعاجز المقطوع الأطراف هذا ليس لإنسان أي ليس له الكمال الذي هو وراء حقيقة الإنسانية"اهـ
(قلت): ليس ثمت نص أصرح من ذلك في أن الأعمال عنده كمال وليس يزول الإيمان بزوالها ولذلك جعلها بمنزلة الأطراف من الإنسان لا يزول اسم الإنسان عنه بزوالها، فهل يوافق إخواننا الغزالي فيقولوا إن زوال الأعمال جميعها لا يزول معه الإيمان؟!!!!
وقد رد الغزالي الإجماع الذي حكاه أبو طالب المكي على كفر تارك جميع الأعمال فقال:" الدرجة الثالثة : أن يوجد التصديق بالقلب والشهادة باللسان دون الأعمال بالجوارح وقد اختلفوا في حكمه فقال أبو طالب المكي : العمل بالجوارح من الإيمان ولا يتم دونه وادعى الإجماع فيه..."اهـ
ثم ألزمه الغزالي بما لا يلزمه وهو نفس الإلزام الذي يلزمنا به بعض الإخوان فقال:" ونقول لو بقي حيًا حتى دخل عليه وقت صلاة واحدة فتركها ثم مات أو زنى ثم مات فهل يخلد في النار ؟ فإن قال نعم، فهو مراد المعتزلة، وإن قال: لا ، فهو تصريح بأن العمل ليس ركنًا من نفس الإيمان ولا شرطا في وجوده"اهـ
(قلت): وهذا غلط لأننا نقول جميع العمل ركن يزول الإيمان بزوالها، لا آحاد الأعمال، فهذا إلزام غير لازم ويبقى الإجماع على حاله!

·  قال الشبكي الملقب زورا  تقي الدين في (فتاويه) التي جمعها ابنه ، قال:" وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَالِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ .وَالِاعْتِقَادِ وَحْدَهُ بِشَرْطِ الْقَوْلِ ، فَإِذَا عُدِمَ الْعَمَلُ لَمْ يُعْدَمْ الْإِيمَانُ وَإِذَا عُدِمَ الْقَوْلُ لَمْ يُعْدَمْ الْإِيمَانُ وَلَكِنْ عَدِمَ شَرْطُهُ فَيُعْدَمُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ .وَإِذَا عُدِمَ الِاعْتِقَادُ عُدِمَ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ"انتهى
فانظر يا راعاك الله إلى قوله(فإذا عدم العمل لم يعدم الإيمان) وقارنه بقولك(تارك جميع العمل مؤمن لم يعدم إيمانه)، ثم أجبني عن سؤالي ما الفرق بين القولين؟!!!
وأما قوله(وإذا عدم القول لم يعدم الإيمان ولكن عدم شرطه) فذلك لأن الأشاعرة يعتقدون أن الإيمان هو مجرد التصديق، وبعضهم يجعل نطق اللسان شرطًا كما فعل السبكي وبعضهم لا يجعله كذلك إنما يجعل نطق اللسان كمالًا ، قال الغزالي في قواعد العقائد:" أن يصدق بالقلب ويساعده من العمر مهلة النطق بكلمتي الشهادة وعلم وجوبها ولكنه لم ينطق بها فيحتمل أن يجعل امتناعه عن النطق كامتناعه عن الصلاة ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار"!!!.

·  قال الشهرستاني في نهاية الأقدام في علم الكلام!:"... فعلم قطعاً أن العمل غير داخل في الإيمان ركناً مقوماً له حتى يقال بعدمه يكفر ويخرج عن الإيمان في الحال ويعذب ويخلد في النار في ثاني الحال، وغير خارج عن الإيمان تكليفاً لازماً له حتى يقال بعدمه لا يستحق لوماً وزجراً في الحال ولا استوجب عقاباً وجزاءً في المآل"اهـ

تأمل قوله(فعلم قطعًا أن العمل غير داخل في الإيمان ركنًا مقومًا حتى يكفر الرجل بعدم العمل) أليس هذا يدل على أن من اعتقد أن العمل ركن فلابد أن يعتقد أن الإيمان يعدم بعدم العمل؟!!

·  قال جمال الدين(!) الغزنوي في كتابه(أصول الدين):" والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر دلالة أن الإيمان هو التصديق بالقلب وأن ضد الإيمان هو كفر وتكذيب والتصديق والتكذيب عمل القلب وسائر العبادات من أحكام الإيمان لأن اسم الإيمان لو كان واقعًا على مجموع التصديق والإقرار والأعمال لوجب زوال الايمان بزوال بعض الأعمال أو بزوال كلها ولا يوجب ذلك زوال الايمان"اهـ

اعضض بشراشر قلبك على قوله(لأن اسم الإيمان لو كان واقعًا على مجموع......والأعمال لوجب زواله بزوال بعضها أو كلها) ثم اعلم أننا لا نوافقه على زوال الإيمان بزوال بعض الأعمال كما قالت الخوارج ولكننا نقول يزول بزوال جميع الأعمال. واستشكاله المذكور ذكره الأرموي الأشعري(المسائل التسعين في أصول الدين) فقال:" وقال الشافعي وعامة أهل الحديث: هو[الإيمان] التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان.
لكن اتفقوا على أن صاحب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان، وهو في غاية الإشكال!!!!"انتهى
ولا إشكال فيه لأنهم لم يقولوا إن آحاد الأعمال ركن في الإيمان وإنما قالوا:جميع العمل ركن، أو كل العمل ركن، هذه أقوالهم يا أرموي!!!!، لم يقولوا : كل عمل ركن، حاشا وكلا!

·  وقال الفخر الجهمية الرازي في تفسير(البقرة/277):" وأيضاً من مذهبنا أن الله تعالى قد يثيب المؤمن الفاسق الخالي عن جميع الأعمال"اهـ
(قلت): فهل مذهبك- أنت- كذلك يا سلفي؟!!!

·  وقال الجهمي "سعيد فودة" في كتابه (الكلام):" ولذلك نقول إنّ من ترك الأعمال أو بعض الأعمال، من غير استحلال لتركها ولا عنادا لموجبها ومشرّعها، ولا شكّا فيها، فهذا لا يخرج عن الإيمان"اهـ
قوله(لذلك): أي لاعتقادنا أن الإيمان هو التصديق!، فهم لا يكفرون تارك جميع الأعمال ما لم يجحد وجوبها لذلك الأصل الفاسد الذي أصلوه وهو أن العمل ليس إيمانًا مطلقًا !!!
ولكن مع قوله ذلك فهو أقل من إخواننا !! لما قال بعد ذلك:" وهذا الذي يترك جميع الأعمال أي لا نراه يفعل شيئا منها، فنستطيع أن نحكم عليه بالكفر، أو في الأصحّ نستطيع أن نكفّره، والسبب في تجويز إطلاق اسم الكافر عليه، هو أننا لا نرى أي علامة ظاهرة من علامات الإيمان منه"!!!!!
فتأمل قول من يخرج العمل من الإيمان ثم يقول بتكفير تارك جميع العمل، ثم تحسر لحال السلفيين الذي يرون أن العمل من الإيمان ولكن تارك جميع العمل ليس بكافر!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق