ثم قال المجهول : ((ثم تصدى لهم الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام فقال في ملحة الاعتقاد ( والحشويّة المشبهِة الذين يشبِّهون الله بخلقه ضربان أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو (ويَحسبَونَ أنَّهم على شيءٍ ألا إنهم همُ الكاذِبون) والآخَرُ يتستّر بمذهب السلف لسُحتٍ يأكله أو حطامٍ يأخذه: ( أظهروا للناسِ نُسكا &^& وعلى المنقوشِ دارُوا ) (يُريدونَ أنْ يأمَنوكُم ويَأمَنوا قَومَهُم) ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه .. )) اهـ من ملحة الاعتقاد ))اهـ
قلت : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 4 / 144 ) : ((وأما قول من قال إن الحشوية على ضر بين أحدهما لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم والآخر تستر بمذهب السلف ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التشبيه والتجسيم وكذا جميع المبتدعة يزعمون هذا فيهم كما قال القائل ... وكل يدعى وصلا لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا ... فهذا الكلام فيه حق وباطل . فمن الحق الذي فيه ذم من يمثل الله بمخلوقاته ويجعل صفاته من جنس صفاتهم وقد قال الله تعالى ليس كمثله شيء وقال تعالى ولم يكن له كفوا أحداً وقال هل تعلم له سمياً وقد بسطنا القول في ذلك وذكرنا الدلالات العقلية التي دل عليها كتاب الله في نفي ذلك وبينا منه ما لم يذكره النفاة الذين يتسمون بالتنزيه ولا يوجد في كتبهم ولا يسمع من أئمتهم بل عامة حججهم التي يذكرونها حجج ضعيفة لأنهم يقصدون إثبات حق وباطل فلا يقوم على ذلك حجة مطردة سليمة عن الفساد بخلاف من اقتصد في قوله وتحرى القول السديد فإن الله يصلح عمله كما قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) [ الأحزاب : 70 – 71 ] وفيه من الحق الإشارة إلى الرد على من انتحل مذهب السلف مع الجهل بمقالهم أو المخالفة لهم بزيادة أو نقصان فتمثيل الله بخلقه والكذب على السلف من الأمور المنكرة سواء سمى ذلك حشواً أو لم يسم وهذا يتناول كثيراً من غالية المثبتة الذين يروون أحاديث موضوعة في الصفات مثل حديث عرق الخيل ونزوله عشية عرفة على الجمل الأورق حتى يصافح المشاة ويعانق الركبان وتجليه لنبيه في الأرض أو رؤيته له على كرسي بين السماء والأرض أو رؤيته إياه في الطواف أو في بعض سكك المدينة إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة .....والمقصود أن كلامه فيه حق وفيه من الباطل أمور أحدهما قوله لا يتحاشى من الحشو والتجسيم ذم للناس بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان والذي مدحه زين وذمه شين هو الله والأسماء التي يتعلق بها المدح والذم من الدين لا تكون إلا من الأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ودل عليها الكتاب والسنة أو الإجماع كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد . فأما هذه الألفاظ الثلاثة فليست في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله ولا نطق بها أحد من سلف الأمة وأئمتها لا نفياً ولا إثباتاً . وأول من ابتدع الذم بها المعتزلة الذين فارقوا جماعة المسلمين فاتباع سبيل المعتزلة دون سبيل سلف الأمة ترك للقول السديد الواجب في الدين واتباع لسبيل المبتدعة الضالين وليس فيها ما يوجد عن بعض السلف ذمه إلا لفظ التشبيه فلو اقتصر عليه لكان له قدوة من السلف الصالح ولو ذكر الأسماء التي نفاها الله في القرآن مثل لفظ الكفؤ والند والسمى وقال منهم من لا يتحاشى من التمثيل ونحوه لكان قد ذم بقول نفاه الله في كتابه ودل القرآن على ذم قائله ثم ينظر هل قائله موصوف بما وصفه به من الذم أم لا فأما الأسماء التي لم يدل الشرع على ذم أهلها ولا مدحهم فيحتاج فيها إلى مقامين أحدهما بيان المراد بها والثاني بيان أن أولئك مذمومون في الشريعة . والمعترض عليه له أن يمنع المقامين فيقول لا نسلم أن الذين عنيتهم داخلون في هذه الأسماء التي ذممتها ولم يقم دليل شرعي على ذمها وإن دخلوا فيها فلا نسلم أن كل من دخل في هذه الأسماء فهو مذموم في الشرع .
الوجه الثاني : أن هذا الضرب الذي قلت أنه لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم إما ان تدخل فيه مثبتة الصفات الخبرية التي دل عليها الكتاب والسنة أو لا تدخلهم فإن أدخلتهم كنت ذاماً لكل من أثبت الصفات الخبرية ومعلوم أن هذا مذهب عامة السلف ومذهب أئمة الدين . بل أئمة المتكلين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كأبي عبدالله ابن مجاهد وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي إسحق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبي محمد بن اللبان وأبي علي بن شاذان وأبي القاسم القشيري وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى وعماد المذهب عنهم إثبات كل صفة في القرآن وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها فإذا كنت تذم جميع أهل الإثبات من سلفك وغيرهم لم يبق معك إلا الجهمية من المعتزلة ومن وافقهم على نفي الصفات الخبرية من متأخري الأشعرية ونحوهم ولم تذكر حجة تعتمد فأي ذم لقوم في أنهم لا يتحاشون مما عليه سلف الأمة وأئمتها وأئمة الذام لهم وإن لم تدخل في اسم الحشوية من يثبت الصفات الخبرية لم ينفعك هذا الكلام بل قد ذكرت أنت في غير هذا الموضع هذا القول وإذا كان الكلام لا يخرج به الإنسان عن أن يذم نفسه أو يذم سلفه الذين يقر هو بإمامتهم وأنهم أفضل ممن اتبعهم كان هو المذموم بهذا الذم على التقديرين وكان له نصيب من الخوارج الذين قال النبي لأولهم لقد خبت وخسرت إن لم أعدل يقول إذا كنت مقرا بأني رسول الله وأنت تزعم أني أظلم فأنت خائب خاسر وهكذامن ذم من يقر بأنهم خيار الأمة وأفضلها وأن طائفته إنما تلقت العلم والإيمان منهم هو خائب خاسر في هذا الذم وهذه حال الرافضة في ذم الصحابة .
الوجه الثالث : قوله والآخر يتستر بمذهب السلف إن أردت بالتستر الاستخفاء بمذهب السلف فيقال ليس مذهب السلف مما يتستر به إلا في بلاد أهل البدع مثل بلاد الرافضة والخوارج فإن المؤمن المستضعف هناك قد يكتم إيمانه واستنانه كما كتم مؤمن آل فرعون إيمانه وكما كان كثير من المؤمنين يكتم إيمانه حين كانوا في دار الحرب فإن كان هؤلاء في بلد أنت لك فيه سلطان وقد تستروا بمذهب السلف فقد ذممت نفسك حيث كنت من طائفة يستر مذهب السلف عندهم وإن كنت من المستضعفين المستترين بمذهب السلف فلا معنى لذم نفسك وإن لم تكن منهم ولا من الملأ فلا وجه لذم قوم بلفظ التستر وإن أردت بالتستر أنهم يجتنون به ويتقون به غيرهم ويتظاهرون به حتى إذا خوطب أحدهم قال : أنا على مذهب السلف وهذا الذي أراده والله أعلم فيقال له : (( لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً )) فإن كان موافقاً له باطناً وظاهراً فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطناً وظاهراً وإن كان موافقاً له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم .
وأما قوله: " مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه " .
فيقال له لفظ التوحيد والتنزيه والتشبيه والتجسيم ألفاظ قد دخلها الاشتراك بسبب اختلاف اصطلاحات المتكلمين وغيرهم وكل طائفة تعني بهذه الأسماء ما لا يعنيه غيرهم فالجهمية من المعتزلة وغيرهم يريدون بالتوحيد والتنزيه نفى جميع الصفات وبالتجسيم والتشبيه إثبات شيء منها حتى إن من قال إن الله يرى أو إن له علما فهو عندهم مشبه مجسم وكثير من المتكلمة الصفاتية يريدون بالتوحيد والتنزيه نفى الصفات الخبرية أو بعضها وبالتجسيم والتشبيه إثباتها أو بعضها والفلاسفة تعني بالتوحيد ما تعنيه المعتزلة وزيادة حتى يقولون ليس له إلا صفة سلبية أو إضافية أو مركبة منهما والإتحادية تعني بالتوحيد أنه هو الوجود المطلق ولغير هؤلاء فيه اصطلاحات أخرى . وأما التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب فليس هو متصمناً شيئاً من هذه الاصطلاحات بل أمر الله عباده أن يعبدوه وحده لا يشركوا به شيئاً فلا يكون لغيره نصيب فيما يختص به من العبادة وتوابعها هذا في العمل وفي القول هو الإيمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله فإن كنت تعني أن مذهب السلف هو التوحيد بالمعنى الذي جاء به الكتاب والسنة فهذا حق وأهل الصفات الخبرية لا يخالفون هذا وإن عنيت أن مذهب السلف هو التوحيد والتنزيه الذي يعنيه بعض الطوائف فهذا يعلم بطلانه كل من تأمل أقوال السلف الثابتة عنهم الموجودة في كتب آثارهم فليس في كلام أحد من السلف كلمة توافق ما تختص به هذه الطوائف ولا كلمة تنفي الصفات الخبرية ومن المعلوم أن مذهب السلف إن كان يعرف بالنقل عنهم فليرجع في ذلك إلى الآثار المنقولة عنهم وإن كان إنما يعرف بالاستدلال المحض بأن يكون كل من رأى قولا عنده هو الصواب قال هذا قول السلف لأن السلف لا يقولون إلا الصواب وهذا هو الصواب فهذا هو الذي يجرىء المبتدعة على أن يزعم كل منهم أنه على مذهب السلف فقائل هذا القول قد عاب نفسه بنفسه حيث انتحل مذهب السلف بلا نقل عنهم بل بدعواه أن قوله هو الحق وأما أهل الحديث فإنما يذكرون مذهب السلف بالنقول المتواترة يذكرون من نقل مذهبهم من علماء الإسلام وتارة يروون نفس قولهم في هذا الباب كما سلكناه في جواب الاستفتاء فإنا لما أردنا أن نبين مذهب السلف ذكرنا طريقين أحدهما أنا ذكرنا ما تيسر من ذكر ألفاظهم ومن روى ذلك من أهل العلم بالأسانيد المعتبرة والثاني أنا ذكرنا من نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة ومن أهل الحديث والتصوف وأهل الكلام كالأشعري وغيره فصار مذهب السلف منقولا بإجماع الطوائف وبالتواتر لم نثبته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا كما يفعل أهل البدع ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحد من السلف لا نفيا ولا إثباتا فكيف يحل أن يقال مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته بلا ذكر لذلك اللفظ ولا لمعناه عنهم وكذلك لفظ التوحيد بمعنى نفى شيء من الصفات لا يوجد في كلام أحد من السلف وكذلك لفظ التنزيه بمعنى نفي شيء من الصفات الخبرية لا يوجد في كلام أحد من السلف نعم لفظ التشبيه موجود في كلام بعضهم وتفسيره معه كما قد كتبناه عنهم وأنهم أرادوا بالتشبيه تمثيل الله بخلقه دون نفي الصفات التي في القرآن والحديث وأيضا فهذا الكلام لو كان حقا في نفسه لم يكن مذكورا بحجة تتبع وإنما هو مجرد دعوى على وجه الخصومة التي لا يعجز عنها من يستجيز ويستحسن أن يتكلم بلا علم ولا عدل ثم إنه يدل على قلة الخبرة بمقالات الناس من أهل السنة والبدعة فإنه قال وكذا جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف فليس الأمر كذلك بل الطوائف المشهورة بالبدعة كالخوارج والروافض لا يدعون أنهم على مذهب السلف بل هؤلاء يكفرون جمهور السلف فالرافضة تطعن في أبي بكر وعمر وعامة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وسائر أئمة الإسلام فكيف يزعمون أنهم على مذهب السلف ولكن ينتحلون مذهب أهل البيت كذبا وافتراء وكذلك الخوارج قد كفروا عثمان وعليا وجمهور المسلمين من الصحابة والتابعين فكيف يزعمون أنهم على مذهب السلف .
الوجه الرابع : أن هذا الاسم ليس له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين ولا شيخ أو عالم مقبول عند عموم الأمة فإذا لم يكن ذلك لم يكن في الذم به ولا نص ولا إجماع ولا ما يصلح تقليده للعامة فإذا كان الذم بلا مستند للمجتهد ولا للمقلدين عموما كان في غاية الفساد والظلم إذ لو ذم به بعض من يصلح لبعض العامة تقليده لم يكن له أن يحتج به إذ المقلد الآخر لمن يصلح له تقليده لا يذم به ثم مثل أبي محمد وأمثاله لم يكن يستحل أن يتكلم في كثير من فروع الفقه بالتقليد فكيف يجوز له التكلم في أصول الدين بالتقليد والنكتة أن الذام به إما مجتهد وإما مقلد أما المجتهد فلا بد له من نص أو إجماع أو دليل يستنبط من ذلك فإن الذم والحمد من الأحكام الشرعية وقد قدمنا بيان ذلك وذكرنا أن الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعادات ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه فأما تعليق ذلك بأسماء مبتدعة فلا يجوز بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله وأنه لا بد من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والمعتزلة أيضا تفسق من الصحابة والتابعين طوائف وتطعن في كثير منهم وفيما رووه من الأحاديث التي تخالف آراءهم وأهواءهم بل تكفر أيضا من يخالف أصولهم التي انتحلوها من السلف والخلف فلهم من الطعن في علماء السلف وفي علمهم ما ليس لأهل السنة والجماعة وليس انتحال مذهب السلف من شعائرهم وإن كانوا يقررون خلافة الخلفاء الأربعة ويعظمون من أئمة الإسلام وجمهورهم ما لا يعظمه أولئك فلهم من القدح في كثير منهم ما ليس هذا موضعه وللنظام من القدح في الصحابة ما ليس هذا موضعه وإن كان من أسباب انتقاص هؤلاء المبتدعة للسلف ما حصل في المنتسبين إليهم من نوع تقصير وعدوان وما كان من بعضهم من أمور اجتهادية الصواب في خلافها فإن ما حصل من ذلك صار فتنة للمخالف لهم ضل به ضلالاً كبيراً فالمقصود هنا أن المشهورين من الطوائف بين أهل السنة والجماعة العامة بالبدعة ليسوا منتحلين للسلف بل أشهر الطوائف بالبدعة الرافضة حتى إن العامة لا تعرف من شعائر البدع إلا الرفض والسنى في اصطلاحهم من لا يكون رافضيا وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية ولمعاني القرآن وأكثر قدحا في سلف الأمة وأئمتها وطعنا في جمهور الأمة من جميع الطوائف فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وأما متكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية مع الفقهاء والصوفية وأهل الحديث فهؤلاء في الجملة لا يطعنون في السلف بل قد يوافقونهم في أكثر جمل مقالاتهم لكن كل من كان بالحديث من هؤلاء أعلم كان بمذهب السلف أعلم وله أتبع وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة بقدر استنانها وقلة ابتداعها أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع فهذا باطل قطعا فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم يوضح ذلك أن كثيرا من أصحاب أبي محمد من أتباع أبي الحسن الأشعري يصرحون بمخالفة السلف في مثل مسألة الإيمان ومسألة تأويل الآيات والأحاديث يقولون مذهب السلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وأما المتكلمون من أصحابنا فمذهبهم كيت وكيت وكذلك يقولون مذهب السلف أن هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات لا تتأول والمتكلمون يريدون تأويلها إما وجوباً وإما جوازاً ويذكرون الخلاف بين السلف وبين أصحابهم المتكلمين هذا منطوق ألسنتهم ومسطور كتبهم[ ] أفلا عاقل يعتبر ومغرور يزدجر أن السلف ثبت عنهم ذلك حتى بتصريح المخالف ثم يحدث مقالة تخرج عنهم أليس هذا صريحا أن السلف كانوا ضالين عن التوحيد والتنزيه وعلمه المتأخرون وهذا فاسد بضرورة العلم الصحيح والدين المتين . وأيضاً فقد ينصر المتكلمون أقوال السلف تارة وأقوال المتكلمين تارة كما يفعله غير واحد مثل أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي والرازي وغيرهم ولازم المذهب الذي ينصرونه تارة أنه هو المعتمد فلا يثبتون على دين واحد وتغلب عليهم الشكوك وهذا عادة الله فيمن أعرض عن الكتاب والسنة وتارة يجعلون إخوانهم المتأخرين أحذق وأعلم من السلف ويقولون طريقة السلف أسلم وطريقة هؤلاء اعلم وأحكم فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق والعرفان والسلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه أو الخطأ والجهل وغايتهم عندهم أن يقيموا أعذارهم في التقصير والتفريط . ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض فإنه وإن لم يكن تكفيرا للسلف كما يقوله من يقوله من الرافضة والخوارج ولا تفسيقا لهم كما يقوله من يقوله من المعتزلة والزيدية وغيرهم كان تجهيلا لهم وتخطئة وتضليلا ونسبة لهم إلى الذنوب والمعاصي وإن لم يكن فسقا فزعما أن أهل القرون المفضولة في الشريعة أعلم وأفضل من أهل القرون الفاضلة ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير وجه وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله على علم كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وقال غيره عليكم بآثار من سلف فإنهم جاءوا بما يكفي وما يشفي ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه هذا وقد قال صلى الله عليه و سلم لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم فكيف يحدث لنا زمان في الخير في أعظم المعلومات وهو معرفة الله تعالى هذا لا يكون أبداً وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلابية كصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا موافقين لرسول الله فإن عامة ما عند السلف من العلم والإيمان هو ما استفادوه من نبيهم الذي أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد الذي قال الله فيه هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وقال تعالى لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد ولا بين للناس ما هو الأمر عليه في نفسه بل أظهر للناس خلاف الحق والحق إما كتمه وإما أنه كان غير عالم به فإن هؤلاء الملاحدة من المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من المخالفين لما جاء به الرسول في الأمور العلمية كالتوحيد والمعاد وغير ذلك يقولون إن الرسول أحكم الأمور العملية المتعلقة بالأخلاق والسياسة المنزلية والمدنية ...)اهـ
ثم قال المجهول : ((وتكلم عنهم الإمام المجتهد شيخ الإسلام بدر الدين بن جَمَاعة الكِناني الشافعي في كتابه ( إيضاح الدليل ) ط1/دار السلام ص93 فقال ( ومن انتحل قول السلف ، وقال بتشبيه ، أو تكييف ، أو حَمْلِ اللفظ على ظاهره مما يتعالى الله عنه من صفات المحدثين ، فهو كاذب في انتحاله ، بريء من قول السلف واعتداله .. )) اهـ ))انتهى
قلت : وهذا مما لا ينكره أحد من الفرق الصفاتية لا سنياً ولا أشعرياً ولا سالمياً ولا مفوضاً ولا متوقفاً ولا غيره . الحاصل أنه لا حاجة لنقله .
ثم قال : ((وقد تكلم عنهم الإمام تاج الدين السبكي مستعملاً لفظ المجسمة بكلام غاية في المتانة والدقة وكأنه يلاحظ حال الحشوية اليوم في طعنهم بأهل السنة فقال في طبقاته ما نصه (1/192 ): (( .. وفي المبتدعة لا سيما المجسمة زيادة لا توجد في غيرهم ، وهو أنهم يرون الكذب لنصرة مذهبهم ، والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما يسوءه في نفسه وماله بالكذب تأييداً لاعتقادهم ، ويزداد حنقهم وتقربهم إلى الله بالكذب عليه بمقدار زيادته في النيل منهم ، فهؤلاء لا يحل لمسلم أن يعتبر كلامهم ... وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ، فصاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم ، بكل ما يسوءه في نفسه وماله . وبلغني أن كبيرهم استفتي في شافعي : أيشهد عليه بالكذب ؟؟ فقال : ألست تعتقد أن دمه حلال ؟؟ قال : نعم ، قال : فما دون ذلك دون دمه فاشهد وادفع فساده عن المسلمين !!! فهذه عقيدتهم ، ويرون أنهم المسلمون وأنهم أهل السنة ، ولو عُدوا عدداً لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغاً يعتبر ، ويكفرون غالب علماء الأمة ثم يعتزون إلى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه !!! وهو منهم بريء ، ولكنه كما قال بعض العارفين ، ورأيته بخط تقي الدين بن الصلاح : إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة ، وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة....وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ، وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات ، فإن النووي أشعري العقيدة ، فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه ، وهذا عندي من كبائر الذنوب ، فإنه تحريف للشريعة ، وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات ، فقبح الله فاعله وأخزاه ، وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح ، وكان الشرح في غنية عنه .. )) اهـ . كلام الإمام السبكي مختصراً )) انتهى
قلت : أما قوله ( ولقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ) فهذا من أبطل الباطل لأنه يعني بالمجسمة مثبتي الصفات الفعلية من أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية في عصره من الحنابلة وغيرهم . والخطابية قوم من الرافضة يعتقدون إلهية الأئمة وإلهية أبي الخطاب الأسدي ويقولون : إن جعفر الصادق قد أودعهم جلداً فيه ما يحتجون إليه من علم الغيب ويسمونه ( الجفر ) وزعموا أنه لا يقرأ ما فيه إلا من كان منهم وستحلون الكذب علي مخالفيهم ولذا لم يجز الشافعي شهادتهم وأشار إلى ذلك في كتاب الشهادات من الأم .وأخبارهم مشهورة في كتب المقالات ككتاب ((الفَرق بين الفِرق )) للبغدادي وغيره من كتب المقالات .
ثم إن السبكي هذا قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فإنه لو قصد بالمجسمة الرافضة من الخطابية وغيرهم لصدق لأن الرافضة منهم هشام بن الحكم الرافضي أول من قال :إن الله جسم . ولكنه حمل مجسمة زمانه بزعمه الذين هم أهل السنة علي الحقيقة علي قوم من أكفر خلق الله وهم الخطابية .
وأما قوله (( إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة )) فهو كما قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 3 / 186 ) : " وقلت لهذا الشيخ من فى أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - حشوى بالمعنى الذى تريده الأثرم ؟ أبو داود ؟ المروذى ؟ الخلال ؟ أبو بكر عبدالعزيز ؟ أبو الحسن التميمى ؟ ابن حامد ؟ القاضى أبو يعلى ؟ أبو الخطاب ؟ ابن عقيل ؟ .....ورفعت صوتى وقلت سمهم قل لى منهم من هم ؟ أبكذب ابن الخطيب وإفترائه على الناس فى مذاهبهم تبطل الشريعة وتندرس معالم الدين كما نقل هو وغيره عنهم أنهم يقولون : إن القرآن القديم هو أصوات القارئين ومداد الكاتبين وأن الصوت والمداد قديم أزلى من قال هذا؟ وفى أى كتاب وجد هذا عنهم ؟ قل لى وكما نقل عنهم أن الله لا يرى فى الآخرة باللزوم الذى ادعاه والمقدمة التى نقلها عنهم "اهـ
قلت : آمن المجسمة الموفق ابن قدامة أم الشيخ أبو عمر المقدسي أم الشيخ عبد القادر أم المجد ابن تيمية أم شيخ الإسلام أم ابن مفلح أم ابن عبد الهادي أم ابن القيم أم المزي أم من ؟!
وأما قوله : ((وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ...إلخ ) فليقل من هو ذلك المجسم بزعمه الذي فعل ذلك ؟ فإن شيخ الإسلام وأتباعه معاصري ذيالك السبكي لا يعرف عنهم قدح في مثل الشيخ أبي زكريا النووي بل يذكرونه في مصنفاتهم ويعدونه من العلماء انظر مجموع الفتاوي ( 3 / 224 و 25 / 148 ) و شرح الأصفهانية ( 196 ) و إغاثة اللهفان ( 1 / 228 ) و جلاء الأفهام ( 463 و 466 و 467 و 473 ) وحاشية ابن ماجه ( 9 / 209 ) وزاد المعاد ( 1 / 370 و 376 و 2 /401 و 5 / 337 ) وغير ذلك .
ثم قال : ((فانظر كيف وصفهم قبل 700 سنة وكأنه يرى حال مجسمة اليوم رحمه الله تعالى ، وهكذا كلما ظهروا ونشروا التشبيه والتجسيم قام عليهم الأئمة والعلماء فأجحروهم وبينوا للناس أمرهم وكشفوا عن حقيقة عقائدهم وسمهوهم باسمهم الحقيقي وهو المجسمة والحشوية المشبهة ، هذا وكما رد عليهم الأئمة في سالف الزمان وفي كل آن كما قدمنا فكذلك سار العلماء القريبون من عصرنا وعلى رؤوسهم علماء الزهر الشريف ))انتهى
قلت : بل هذا من محض الزور والافتراء والتحطط علي أولياء الله بما ليس فيهم مما لا يطلقه غير أهل الأهواء والبدع قال الطحاوي :" وعلماء السَّلف من السَّابقين ومَن بعدهم من اللاَّحقين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنَّظر، لا يُذكرون إلاَّ بالجميل، ومَن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السَّبيل " اهـ
وقال أبو حاتم :" علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر "اهـ وابن السبكي مع ذلك لديه من التزيد في الثناء علي أهل البدع من الملة الأشعرية ما لا يقال بعضه في أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان ومن ذلك ما قاله في والده تقي الدين السبكي علي بن عبد الكافي إذ قال ناقلاً: ((حجة المذاهب مفتي الفرق قدوة الحفاظ آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن صاحب التصانيف التقي البر العلي القدر سمي علي ! كرم الله وجهه ! الذي هو باب العلم ! ))اهـ نقلاً عن ابن فضل العمري ساكتاً عليه !
وهذه عادة أهل البدع والأهواء التحطط واللمز لخصومهم مع التزيد في أقدار أنفسهم[ ] ومن أولئك الذين صاروا صاروا أعلاماً على تلك العادة إمام الجهمية محمد زاهد الكوثري الذي يطبع له كتاب ( تأنيب الخطيب ! ) وعلى طرته ((تأليف الإمام الفقيه المحدث ، والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير.. )) في حين أنه يطعن في أحمد ومالك والشافعي ....!بل يطعن في (( المسند )) الذي هو أعظم داويين السنة قائلاً ( الإشفاق : ص 27 )( والمسند مع انفراد ابن المذهب ! والقطيعي بروايته لا يكون موضع تعويل في شيء ! ))اهـ وغير ذلك من سخافاته وهذيانه وهذا غير منكر مع تغير الأزمان وفي الله خلف والله المستعان .
ثم قال المجهول : ((وهذه إحدى فتاوى علماء الأزهر الشريف تفضح عقائد الحشوية المشبهة وتبين أساليبهم وادعائهم أنهم سلفية !! وهذه كانت دعواهم قديماً كما قال الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام ، فإليكم هذه الفتيا :قال الإمام العلامة المحدث المجدد ! أبو محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي الأزهري مؤسس الجمعية الشرعية بمصر وصاحب ( المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود ) المتوفى سنة 1352هـ رحمه الله تعالى قال في كتابه [ إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات .. ] ص2 : الحمد لله رب العالمين ، المنـزه عن صفات المخلوقين ، كالجهة والجسمية والمكان والفوقية ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الذي جاء بمحو الشرك والإلحاد وأمرنا بتنزيه الله تعالى عن صفات العباد ، والمنـزل عليه ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) وقوله : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين . ( أما بعد ) فيقول : محمود بن محمد بن أحمد خطاب السبكي : قد سألني بعض الراغـبـيـن في معرفة عقائد الدين ، والوقوف على مذهب السلف والخلف في المتشابه من الآيات والأحاديث بما نصه ))انتهى
قلت : لعل القارئ على ذكر من صدر كلام ذلك المجهول حول ( لفظة الحشوية ) فليعلم أنه أراد إثباتها ثم تنزيلها علي قوم مخصوين مشتشهداً في ذلك بنصوص شذر مذر لا زمام لها ولا خطام ولا رابط بينها ولا موصل ...ثم يتابع ذلك ناقلاً عن السبكي أحد جهمية العصر الذي ارتضي لنفسه لقي ( إمام أهل السنة والجماعة ! ) الذي يقول فيما سبق : ((الحمد لله رب العالمين ، المنـزه عن صفات المخلوقين ، كالجهة والجسمية والمكان والفوقية )) فيقال : أيها الغافل الأنوك هل ( الفوقية ) من صفات المخلوقين ؟! ثم إن المخلوقين منهم ما لا يتصف بالجسمية وهي المعاني المخلوقة والمدركات الذهنية . وقوله ( المنزه عن صفات المخلوقين ) إطلاق فيه تعد فإن من صفات المخلوقين الوجود والحياة ... ونحوها والله غير منزه عن ذلك فأولى أن يقول ( المنزهة صفاته عن مماثلة صفات المخلوقين ) .
ثم أورد السؤال فقال نص سؤال السائل ) : ما قول السادة العلماء حفظهم الله تعالى فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة !! وأنه جالس على العرش في مكان مخصوص !! ويقول : ذلك هو عقيدة السلف !! ويحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد ويقول لهم من لم يعتقد ذلك يكون كافراً !! مستدلاً بقوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) وقوله عز وجل : ( ءأمنتم من في السماء ) أهذا الاعتقاد صحيح أم باطل ؟؟؟ وعلى كونه باطلاً أيكفر ذلك القائل باعتقاده المذكور ويبطل كل عمله من صلاة وصيام وغير ذلك من الأعمال الدينية وتبين منه زوجه ؟؟؟ وإن مات على هذه الحال قبل أن يتوب لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ؟؟؟ وهل مَنْ صَدّقَه في ذلك الاعتقاد يكون كافراً مثله ؟؟ وما قولكم فيما يقوله بعض الناس من أن القول بنفي الجهات الست عن الله تعالى باطل لأنه يلزم عليه نفي وجود الله تعالى ؟؟؟ أفيدونا مأجورين مع بيان مذهب السلف والخلف في هاتين الآيتين ونحوهما من الآيات المتشابهات كـ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وأحاديث الصفات كحديث ( ينـزل ربنا إلى السماء الدنيا ) وحديث البجارية بيانا شافياً مع ذكر أقوال علماء التفسير والحديث والفقه والتوحيد مع الإيضاح الكامل لتنقطع ألسنة المجازفين الذين يشبهون الله تعالى بخلقه ويعتقدون أن ما ذهب إليه علماء الخلف من التأويل كفر زاعمين أنه مذهب الجـهـمـيـة الكفرة ، وأشاعوا ذلك بين العوام !! جزاكم الله تعالى عن الدين وأهله أحسن الجزاء ))اهـ
قلت : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 4 / 144 ) : ((وأما قول من قال إن الحشوية على ضر بين أحدهما لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم والآخر تستر بمذهب السلف ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التشبيه والتجسيم وكذا جميع المبتدعة يزعمون هذا فيهم كما قال القائل ... وكل يدعى وصلا لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا ... فهذا الكلام فيه حق وباطل . فمن الحق الذي فيه ذم من يمثل الله بمخلوقاته ويجعل صفاته من جنس صفاتهم وقد قال الله تعالى ليس كمثله شيء وقال تعالى ولم يكن له كفوا أحداً وقال هل تعلم له سمياً وقد بسطنا القول في ذلك وذكرنا الدلالات العقلية التي دل عليها كتاب الله في نفي ذلك وبينا منه ما لم يذكره النفاة الذين يتسمون بالتنزيه ولا يوجد في كتبهم ولا يسمع من أئمتهم بل عامة حججهم التي يذكرونها حجج ضعيفة لأنهم يقصدون إثبات حق وباطل فلا يقوم على ذلك حجة مطردة سليمة عن الفساد بخلاف من اقتصد في قوله وتحرى القول السديد فإن الله يصلح عمله كما قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) [ الأحزاب : 70 – 71 ] وفيه من الحق الإشارة إلى الرد على من انتحل مذهب السلف مع الجهل بمقالهم أو المخالفة لهم بزيادة أو نقصان فتمثيل الله بخلقه والكذب على السلف من الأمور المنكرة سواء سمى ذلك حشواً أو لم يسم وهذا يتناول كثيراً من غالية المثبتة الذين يروون أحاديث موضوعة في الصفات مثل حديث عرق الخيل ونزوله عشية عرفة على الجمل الأورق حتى يصافح المشاة ويعانق الركبان وتجليه لنبيه في الأرض أو رؤيته له على كرسي بين السماء والأرض أو رؤيته إياه في الطواف أو في بعض سكك المدينة إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة .....والمقصود أن كلامه فيه حق وفيه من الباطل أمور أحدهما قوله لا يتحاشى من الحشو والتجسيم ذم للناس بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان والذي مدحه زين وذمه شين هو الله والأسماء التي يتعلق بها المدح والذم من الدين لا تكون إلا من الأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ودل عليها الكتاب والسنة أو الإجماع كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد . فأما هذه الألفاظ الثلاثة فليست في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله ولا نطق بها أحد من سلف الأمة وأئمتها لا نفياً ولا إثباتاً . وأول من ابتدع الذم بها المعتزلة الذين فارقوا جماعة المسلمين فاتباع سبيل المعتزلة دون سبيل سلف الأمة ترك للقول السديد الواجب في الدين واتباع لسبيل المبتدعة الضالين وليس فيها ما يوجد عن بعض السلف ذمه إلا لفظ التشبيه فلو اقتصر عليه لكان له قدوة من السلف الصالح ولو ذكر الأسماء التي نفاها الله في القرآن مثل لفظ الكفؤ والند والسمى وقال منهم من لا يتحاشى من التمثيل ونحوه لكان قد ذم بقول نفاه الله في كتابه ودل القرآن على ذم قائله ثم ينظر هل قائله موصوف بما وصفه به من الذم أم لا فأما الأسماء التي لم يدل الشرع على ذم أهلها ولا مدحهم فيحتاج فيها إلى مقامين أحدهما بيان المراد بها والثاني بيان أن أولئك مذمومون في الشريعة . والمعترض عليه له أن يمنع المقامين فيقول لا نسلم أن الذين عنيتهم داخلون في هذه الأسماء التي ذممتها ولم يقم دليل شرعي على ذمها وإن دخلوا فيها فلا نسلم أن كل من دخل في هذه الأسماء فهو مذموم في الشرع .
الوجه الثاني : أن هذا الضرب الذي قلت أنه لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم إما ان تدخل فيه مثبتة الصفات الخبرية التي دل عليها الكتاب والسنة أو لا تدخلهم فإن أدخلتهم كنت ذاماً لكل من أثبت الصفات الخبرية ومعلوم أن هذا مذهب عامة السلف ومذهب أئمة الدين . بل أئمة المتكلين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كأبي عبدالله ابن مجاهد وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي إسحق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبي محمد بن اللبان وأبي علي بن شاذان وأبي القاسم القشيري وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى وعماد المذهب عنهم إثبات كل صفة في القرآن وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها فإذا كنت تذم جميع أهل الإثبات من سلفك وغيرهم لم يبق معك إلا الجهمية من المعتزلة ومن وافقهم على نفي الصفات الخبرية من متأخري الأشعرية ونحوهم ولم تذكر حجة تعتمد فأي ذم لقوم في أنهم لا يتحاشون مما عليه سلف الأمة وأئمتها وأئمة الذام لهم وإن لم تدخل في اسم الحشوية من يثبت الصفات الخبرية لم ينفعك هذا الكلام بل قد ذكرت أنت في غير هذا الموضع هذا القول وإذا كان الكلام لا يخرج به الإنسان عن أن يذم نفسه أو يذم سلفه الذين يقر هو بإمامتهم وأنهم أفضل ممن اتبعهم كان هو المذموم بهذا الذم على التقديرين وكان له نصيب من الخوارج الذين قال النبي لأولهم لقد خبت وخسرت إن لم أعدل يقول إذا كنت مقرا بأني رسول الله وأنت تزعم أني أظلم فأنت خائب خاسر وهكذامن ذم من يقر بأنهم خيار الأمة وأفضلها وأن طائفته إنما تلقت العلم والإيمان منهم هو خائب خاسر في هذا الذم وهذه حال الرافضة في ذم الصحابة .
الوجه الثالث : قوله والآخر يتستر بمذهب السلف إن أردت بالتستر الاستخفاء بمذهب السلف فيقال ليس مذهب السلف مما يتستر به إلا في بلاد أهل البدع مثل بلاد الرافضة والخوارج فإن المؤمن المستضعف هناك قد يكتم إيمانه واستنانه كما كتم مؤمن آل فرعون إيمانه وكما كان كثير من المؤمنين يكتم إيمانه حين كانوا في دار الحرب فإن كان هؤلاء في بلد أنت لك فيه سلطان وقد تستروا بمذهب السلف فقد ذممت نفسك حيث كنت من طائفة يستر مذهب السلف عندهم وإن كنت من المستضعفين المستترين بمذهب السلف فلا معنى لذم نفسك وإن لم تكن منهم ولا من الملأ فلا وجه لذم قوم بلفظ التستر وإن أردت بالتستر أنهم يجتنون به ويتقون به غيرهم ويتظاهرون به حتى إذا خوطب أحدهم قال : أنا على مذهب السلف وهذا الذي أراده والله أعلم فيقال له : (( لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً )) فإن كان موافقاً له باطناً وظاهراً فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطناً وظاهراً وإن كان موافقاً له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم .
وأما قوله: " مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه " .
فيقال له لفظ التوحيد والتنزيه والتشبيه والتجسيم ألفاظ قد دخلها الاشتراك بسبب اختلاف اصطلاحات المتكلمين وغيرهم وكل طائفة تعني بهذه الأسماء ما لا يعنيه غيرهم فالجهمية من المعتزلة وغيرهم يريدون بالتوحيد والتنزيه نفى جميع الصفات وبالتجسيم والتشبيه إثبات شيء منها حتى إن من قال إن الله يرى أو إن له علما فهو عندهم مشبه مجسم وكثير من المتكلمة الصفاتية يريدون بالتوحيد والتنزيه نفى الصفات الخبرية أو بعضها وبالتجسيم والتشبيه إثباتها أو بعضها والفلاسفة تعني بالتوحيد ما تعنيه المعتزلة وزيادة حتى يقولون ليس له إلا صفة سلبية أو إضافية أو مركبة منهما والإتحادية تعني بالتوحيد أنه هو الوجود المطلق ولغير هؤلاء فيه اصطلاحات أخرى . وأما التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب فليس هو متصمناً شيئاً من هذه الاصطلاحات بل أمر الله عباده أن يعبدوه وحده لا يشركوا به شيئاً فلا يكون لغيره نصيب فيما يختص به من العبادة وتوابعها هذا في العمل وفي القول هو الإيمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله فإن كنت تعني أن مذهب السلف هو التوحيد بالمعنى الذي جاء به الكتاب والسنة فهذا حق وأهل الصفات الخبرية لا يخالفون هذا وإن عنيت أن مذهب السلف هو التوحيد والتنزيه الذي يعنيه بعض الطوائف فهذا يعلم بطلانه كل من تأمل أقوال السلف الثابتة عنهم الموجودة في كتب آثارهم فليس في كلام أحد من السلف كلمة توافق ما تختص به هذه الطوائف ولا كلمة تنفي الصفات الخبرية ومن المعلوم أن مذهب السلف إن كان يعرف بالنقل عنهم فليرجع في ذلك إلى الآثار المنقولة عنهم وإن كان إنما يعرف بالاستدلال المحض بأن يكون كل من رأى قولا عنده هو الصواب قال هذا قول السلف لأن السلف لا يقولون إلا الصواب وهذا هو الصواب فهذا هو الذي يجرىء المبتدعة على أن يزعم كل منهم أنه على مذهب السلف فقائل هذا القول قد عاب نفسه بنفسه حيث انتحل مذهب السلف بلا نقل عنهم بل بدعواه أن قوله هو الحق وأما أهل الحديث فإنما يذكرون مذهب السلف بالنقول المتواترة يذكرون من نقل مذهبهم من علماء الإسلام وتارة يروون نفس قولهم في هذا الباب كما سلكناه في جواب الاستفتاء فإنا لما أردنا أن نبين مذهب السلف ذكرنا طريقين أحدهما أنا ذكرنا ما تيسر من ذكر ألفاظهم ومن روى ذلك من أهل العلم بالأسانيد المعتبرة والثاني أنا ذكرنا من نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة ومن أهل الحديث والتصوف وأهل الكلام كالأشعري وغيره فصار مذهب السلف منقولا بإجماع الطوائف وبالتواتر لم نثبته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا كما يفعل أهل البدع ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحد من السلف لا نفيا ولا إثباتا فكيف يحل أن يقال مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته بلا ذكر لذلك اللفظ ولا لمعناه عنهم وكذلك لفظ التوحيد بمعنى نفى شيء من الصفات لا يوجد في كلام أحد من السلف وكذلك لفظ التنزيه بمعنى نفي شيء من الصفات الخبرية لا يوجد في كلام أحد من السلف نعم لفظ التشبيه موجود في كلام بعضهم وتفسيره معه كما قد كتبناه عنهم وأنهم أرادوا بالتشبيه تمثيل الله بخلقه دون نفي الصفات التي في القرآن والحديث وأيضا فهذا الكلام لو كان حقا في نفسه لم يكن مذكورا بحجة تتبع وإنما هو مجرد دعوى على وجه الخصومة التي لا يعجز عنها من يستجيز ويستحسن أن يتكلم بلا علم ولا عدل ثم إنه يدل على قلة الخبرة بمقالات الناس من أهل السنة والبدعة فإنه قال وكذا جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف فليس الأمر كذلك بل الطوائف المشهورة بالبدعة كالخوارج والروافض لا يدعون أنهم على مذهب السلف بل هؤلاء يكفرون جمهور السلف فالرافضة تطعن في أبي بكر وعمر وعامة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وسائر أئمة الإسلام فكيف يزعمون أنهم على مذهب السلف ولكن ينتحلون مذهب أهل البيت كذبا وافتراء وكذلك الخوارج قد كفروا عثمان وعليا وجمهور المسلمين من الصحابة والتابعين فكيف يزعمون أنهم على مذهب السلف .
الوجه الرابع : أن هذا الاسم ليس له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين ولا شيخ أو عالم مقبول عند عموم الأمة فإذا لم يكن ذلك لم يكن في الذم به ولا نص ولا إجماع ولا ما يصلح تقليده للعامة فإذا كان الذم بلا مستند للمجتهد ولا للمقلدين عموما كان في غاية الفساد والظلم إذ لو ذم به بعض من يصلح لبعض العامة تقليده لم يكن له أن يحتج به إذ المقلد الآخر لمن يصلح له تقليده لا يذم به ثم مثل أبي محمد وأمثاله لم يكن يستحل أن يتكلم في كثير من فروع الفقه بالتقليد فكيف يجوز له التكلم في أصول الدين بالتقليد والنكتة أن الذام به إما مجتهد وإما مقلد أما المجتهد فلا بد له من نص أو إجماع أو دليل يستنبط من ذلك فإن الذم والحمد من الأحكام الشرعية وقد قدمنا بيان ذلك وذكرنا أن الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعادات ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه فأما تعليق ذلك بأسماء مبتدعة فلا يجوز بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله وأنه لا بد من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والمعتزلة أيضا تفسق من الصحابة والتابعين طوائف وتطعن في كثير منهم وفيما رووه من الأحاديث التي تخالف آراءهم وأهواءهم بل تكفر أيضا من يخالف أصولهم التي انتحلوها من السلف والخلف فلهم من الطعن في علماء السلف وفي علمهم ما ليس لأهل السنة والجماعة وليس انتحال مذهب السلف من شعائرهم وإن كانوا يقررون خلافة الخلفاء الأربعة ويعظمون من أئمة الإسلام وجمهورهم ما لا يعظمه أولئك فلهم من القدح في كثير منهم ما ليس هذا موضعه وللنظام من القدح في الصحابة ما ليس هذا موضعه وإن كان من أسباب انتقاص هؤلاء المبتدعة للسلف ما حصل في المنتسبين إليهم من نوع تقصير وعدوان وما كان من بعضهم من أمور اجتهادية الصواب في خلافها فإن ما حصل من ذلك صار فتنة للمخالف لهم ضل به ضلالاً كبيراً فالمقصود هنا أن المشهورين من الطوائف بين أهل السنة والجماعة العامة بالبدعة ليسوا منتحلين للسلف بل أشهر الطوائف بالبدعة الرافضة حتى إن العامة لا تعرف من شعائر البدع إلا الرفض والسنى في اصطلاحهم من لا يكون رافضيا وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية ولمعاني القرآن وأكثر قدحا في سلف الأمة وأئمتها وطعنا في جمهور الأمة من جميع الطوائف فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وأما متكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية مع الفقهاء والصوفية وأهل الحديث فهؤلاء في الجملة لا يطعنون في السلف بل قد يوافقونهم في أكثر جمل مقالاتهم لكن كل من كان بالحديث من هؤلاء أعلم كان بمذهب السلف أعلم وله أتبع وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة بقدر استنانها وقلة ابتداعها أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع فهذا باطل قطعا فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم يوضح ذلك أن كثيرا من أصحاب أبي محمد من أتباع أبي الحسن الأشعري يصرحون بمخالفة السلف في مثل مسألة الإيمان ومسألة تأويل الآيات والأحاديث يقولون مذهب السلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وأما المتكلمون من أصحابنا فمذهبهم كيت وكيت وكذلك يقولون مذهب السلف أن هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات لا تتأول والمتكلمون يريدون تأويلها إما وجوباً وإما جوازاً ويذكرون الخلاف بين السلف وبين أصحابهم المتكلمين هذا منطوق ألسنتهم ومسطور كتبهم[ ] أفلا عاقل يعتبر ومغرور يزدجر أن السلف ثبت عنهم ذلك حتى بتصريح المخالف ثم يحدث مقالة تخرج عنهم أليس هذا صريحا أن السلف كانوا ضالين عن التوحيد والتنزيه وعلمه المتأخرون وهذا فاسد بضرورة العلم الصحيح والدين المتين . وأيضاً فقد ينصر المتكلمون أقوال السلف تارة وأقوال المتكلمين تارة كما يفعله غير واحد مثل أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي والرازي وغيرهم ولازم المذهب الذي ينصرونه تارة أنه هو المعتمد فلا يثبتون على دين واحد وتغلب عليهم الشكوك وهذا عادة الله فيمن أعرض عن الكتاب والسنة وتارة يجعلون إخوانهم المتأخرين أحذق وأعلم من السلف ويقولون طريقة السلف أسلم وطريقة هؤلاء اعلم وأحكم فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق والعرفان والسلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه أو الخطأ والجهل وغايتهم عندهم أن يقيموا أعذارهم في التقصير والتفريط . ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض فإنه وإن لم يكن تكفيرا للسلف كما يقوله من يقوله من الرافضة والخوارج ولا تفسيقا لهم كما يقوله من يقوله من المعتزلة والزيدية وغيرهم كان تجهيلا لهم وتخطئة وتضليلا ونسبة لهم إلى الذنوب والمعاصي وإن لم يكن فسقا فزعما أن أهل القرون المفضولة في الشريعة أعلم وأفضل من أهل القرون الفاضلة ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير وجه وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله على علم كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وقال غيره عليكم بآثار من سلف فإنهم جاءوا بما يكفي وما يشفي ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه هذا وقد قال صلى الله عليه و سلم لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم فكيف يحدث لنا زمان في الخير في أعظم المعلومات وهو معرفة الله تعالى هذا لا يكون أبداً وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلابية كصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا موافقين لرسول الله فإن عامة ما عند السلف من العلم والإيمان هو ما استفادوه من نبيهم الذي أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد الذي قال الله فيه هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وقال تعالى لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد ولا بين للناس ما هو الأمر عليه في نفسه بل أظهر للناس خلاف الحق والحق إما كتمه وإما أنه كان غير عالم به فإن هؤلاء الملاحدة من المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من المخالفين لما جاء به الرسول في الأمور العلمية كالتوحيد والمعاد وغير ذلك يقولون إن الرسول أحكم الأمور العملية المتعلقة بالأخلاق والسياسة المنزلية والمدنية ...)اهـ
ثم قال المجهول : ((وتكلم عنهم الإمام المجتهد شيخ الإسلام بدر الدين بن جَمَاعة الكِناني الشافعي في كتابه ( إيضاح الدليل ) ط1/دار السلام ص93 فقال ( ومن انتحل قول السلف ، وقال بتشبيه ، أو تكييف ، أو حَمْلِ اللفظ على ظاهره مما يتعالى الله عنه من صفات المحدثين ، فهو كاذب في انتحاله ، بريء من قول السلف واعتداله .. )) اهـ ))انتهى
قلت : وهذا مما لا ينكره أحد من الفرق الصفاتية لا سنياً ولا أشعرياً ولا سالمياً ولا مفوضاً ولا متوقفاً ولا غيره . الحاصل أنه لا حاجة لنقله .
ثم قال : ((وقد تكلم عنهم الإمام تاج الدين السبكي مستعملاً لفظ المجسمة بكلام غاية في المتانة والدقة وكأنه يلاحظ حال الحشوية اليوم في طعنهم بأهل السنة فقال في طبقاته ما نصه (1/192 ): (( .. وفي المبتدعة لا سيما المجسمة زيادة لا توجد في غيرهم ، وهو أنهم يرون الكذب لنصرة مذهبهم ، والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما يسوءه في نفسه وماله بالكذب تأييداً لاعتقادهم ، ويزداد حنقهم وتقربهم إلى الله بالكذب عليه بمقدار زيادته في النيل منهم ، فهؤلاء لا يحل لمسلم أن يعتبر كلامهم ... وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ، فصاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم ، بكل ما يسوءه في نفسه وماله . وبلغني أن كبيرهم استفتي في شافعي : أيشهد عليه بالكذب ؟؟ فقال : ألست تعتقد أن دمه حلال ؟؟ قال : نعم ، قال : فما دون ذلك دون دمه فاشهد وادفع فساده عن المسلمين !!! فهذه عقيدتهم ، ويرون أنهم المسلمون وأنهم أهل السنة ، ولو عُدوا عدداً لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغاً يعتبر ، ويكفرون غالب علماء الأمة ثم يعتزون إلى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه !!! وهو منهم بريء ، ولكنه كما قال بعض العارفين ، ورأيته بخط تقي الدين بن الصلاح : إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة ، وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة....وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ، وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات ، فإن النووي أشعري العقيدة ، فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه ، وهذا عندي من كبائر الذنوب ، فإنه تحريف للشريعة ، وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات ، فقبح الله فاعله وأخزاه ، وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح ، وكان الشرح في غنية عنه .. )) اهـ . كلام الإمام السبكي مختصراً )) انتهى
قلت : أما قوله ( ولقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ) فهذا من أبطل الباطل لأنه يعني بالمجسمة مثبتي الصفات الفعلية من أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية في عصره من الحنابلة وغيرهم . والخطابية قوم من الرافضة يعتقدون إلهية الأئمة وإلهية أبي الخطاب الأسدي ويقولون : إن جعفر الصادق قد أودعهم جلداً فيه ما يحتجون إليه من علم الغيب ويسمونه ( الجفر ) وزعموا أنه لا يقرأ ما فيه إلا من كان منهم وستحلون الكذب علي مخالفيهم ولذا لم يجز الشافعي شهادتهم وأشار إلى ذلك في كتاب الشهادات من الأم .وأخبارهم مشهورة في كتب المقالات ككتاب ((الفَرق بين الفِرق )) للبغدادي وغيره من كتب المقالات .
ثم إن السبكي هذا قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فإنه لو قصد بالمجسمة الرافضة من الخطابية وغيرهم لصدق لأن الرافضة منهم هشام بن الحكم الرافضي أول من قال :إن الله جسم . ولكنه حمل مجسمة زمانه بزعمه الذين هم أهل السنة علي الحقيقة علي قوم من أكفر خلق الله وهم الخطابية .
وأما قوله (( إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة )) فهو كما قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 3 / 186 ) : " وقلت لهذا الشيخ من فى أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - حشوى بالمعنى الذى تريده الأثرم ؟ أبو داود ؟ المروذى ؟ الخلال ؟ أبو بكر عبدالعزيز ؟ أبو الحسن التميمى ؟ ابن حامد ؟ القاضى أبو يعلى ؟ أبو الخطاب ؟ ابن عقيل ؟ .....ورفعت صوتى وقلت سمهم قل لى منهم من هم ؟ أبكذب ابن الخطيب وإفترائه على الناس فى مذاهبهم تبطل الشريعة وتندرس معالم الدين كما نقل هو وغيره عنهم أنهم يقولون : إن القرآن القديم هو أصوات القارئين ومداد الكاتبين وأن الصوت والمداد قديم أزلى من قال هذا؟ وفى أى كتاب وجد هذا عنهم ؟ قل لى وكما نقل عنهم أن الله لا يرى فى الآخرة باللزوم الذى ادعاه والمقدمة التى نقلها عنهم "اهـ
قلت : آمن المجسمة الموفق ابن قدامة أم الشيخ أبو عمر المقدسي أم الشيخ عبد القادر أم المجد ابن تيمية أم شيخ الإسلام أم ابن مفلح أم ابن عبد الهادي أم ابن القيم أم المزي أم من ؟!
وأما قوله : ((وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ...إلخ ) فليقل من هو ذلك المجسم بزعمه الذي فعل ذلك ؟ فإن شيخ الإسلام وأتباعه معاصري ذيالك السبكي لا يعرف عنهم قدح في مثل الشيخ أبي زكريا النووي بل يذكرونه في مصنفاتهم ويعدونه من العلماء انظر مجموع الفتاوي ( 3 / 224 و 25 / 148 ) و شرح الأصفهانية ( 196 ) و إغاثة اللهفان ( 1 / 228 ) و جلاء الأفهام ( 463 و 466 و 467 و 473 ) وحاشية ابن ماجه ( 9 / 209 ) وزاد المعاد ( 1 / 370 و 376 و 2 /401 و 5 / 337 ) وغير ذلك .
ثم قال : ((فانظر كيف وصفهم قبل 700 سنة وكأنه يرى حال مجسمة اليوم رحمه الله تعالى ، وهكذا كلما ظهروا ونشروا التشبيه والتجسيم قام عليهم الأئمة والعلماء فأجحروهم وبينوا للناس أمرهم وكشفوا عن حقيقة عقائدهم وسمهوهم باسمهم الحقيقي وهو المجسمة والحشوية المشبهة ، هذا وكما رد عليهم الأئمة في سالف الزمان وفي كل آن كما قدمنا فكذلك سار العلماء القريبون من عصرنا وعلى رؤوسهم علماء الزهر الشريف ))انتهى
قلت : بل هذا من محض الزور والافتراء والتحطط علي أولياء الله بما ليس فيهم مما لا يطلقه غير أهل الأهواء والبدع قال الطحاوي :" وعلماء السَّلف من السَّابقين ومَن بعدهم من اللاَّحقين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنَّظر، لا يُذكرون إلاَّ بالجميل، ومَن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السَّبيل " اهـ
وقال أبو حاتم :" علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر "اهـ وابن السبكي مع ذلك لديه من التزيد في الثناء علي أهل البدع من الملة الأشعرية ما لا يقال بعضه في أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان ومن ذلك ما قاله في والده تقي الدين السبكي علي بن عبد الكافي إذ قال ناقلاً: ((حجة المذاهب مفتي الفرق قدوة الحفاظ آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن صاحب التصانيف التقي البر العلي القدر سمي علي ! كرم الله وجهه ! الذي هو باب العلم ! ))اهـ نقلاً عن ابن فضل العمري ساكتاً عليه !
وهذه عادة أهل البدع والأهواء التحطط واللمز لخصومهم مع التزيد في أقدار أنفسهم[ ] ومن أولئك الذين صاروا صاروا أعلاماً على تلك العادة إمام الجهمية محمد زاهد الكوثري الذي يطبع له كتاب ( تأنيب الخطيب ! ) وعلى طرته ((تأليف الإمام الفقيه المحدث ، والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير.. )) في حين أنه يطعن في أحمد ومالك والشافعي ....!بل يطعن في (( المسند )) الذي هو أعظم داويين السنة قائلاً ( الإشفاق : ص 27 )( والمسند مع انفراد ابن المذهب ! والقطيعي بروايته لا يكون موضع تعويل في شيء ! ))اهـ وغير ذلك من سخافاته وهذيانه وهذا غير منكر مع تغير الأزمان وفي الله خلف والله المستعان .
ثم قال المجهول : ((وهذه إحدى فتاوى علماء الأزهر الشريف تفضح عقائد الحشوية المشبهة وتبين أساليبهم وادعائهم أنهم سلفية !! وهذه كانت دعواهم قديماً كما قال الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام ، فإليكم هذه الفتيا :قال الإمام العلامة المحدث المجدد ! أبو محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي الأزهري مؤسس الجمعية الشرعية بمصر وصاحب ( المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود ) المتوفى سنة 1352هـ رحمه الله تعالى قال في كتابه [ إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات .. ] ص2 : الحمد لله رب العالمين ، المنـزه عن صفات المخلوقين ، كالجهة والجسمية والمكان والفوقية ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الذي جاء بمحو الشرك والإلحاد وأمرنا بتنزيه الله تعالى عن صفات العباد ، والمنـزل عليه ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) وقوله : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين . ( أما بعد ) فيقول : محمود بن محمد بن أحمد خطاب السبكي : قد سألني بعض الراغـبـيـن في معرفة عقائد الدين ، والوقوف على مذهب السلف والخلف في المتشابه من الآيات والأحاديث بما نصه ))انتهى
قلت : لعل القارئ على ذكر من صدر كلام ذلك المجهول حول ( لفظة الحشوية ) فليعلم أنه أراد إثباتها ثم تنزيلها علي قوم مخصوين مشتشهداً في ذلك بنصوص شذر مذر لا زمام لها ولا خطام ولا رابط بينها ولا موصل ...ثم يتابع ذلك ناقلاً عن السبكي أحد جهمية العصر الذي ارتضي لنفسه لقي ( إمام أهل السنة والجماعة ! ) الذي يقول فيما سبق : ((الحمد لله رب العالمين ، المنـزه عن صفات المخلوقين ، كالجهة والجسمية والمكان والفوقية )) فيقال : أيها الغافل الأنوك هل ( الفوقية ) من صفات المخلوقين ؟! ثم إن المخلوقين منهم ما لا يتصف بالجسمية وهي المعاني المخلوقة والمدركات الذهنية . وقوله ( المنزه عن صفات المخلوقين ) إطلاق فيه تعد فإن من صفات المخلوقين الوجود والحياة ... ونحوها والله غير منزه عن ذلك فأولى أن يقول ( المنزهة صفاته عن مماثلة صفات المخلوقين ) .
ثم أورد السؤال فقال نص سؤال السائل ) : ما قول السادة العلماء حفظهم الله تعالى فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة !! وأنه جالس على العرش في مكان مخصوص !! ويقول : ذلك هو عقيدة السلف !! ويحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد ويقول لهم من لم يعتقد ذلك يكون كافراً !! مستدلاً بقوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) وقوله عز وجل : ( ءأمنتم من في السماء ) أهذا الاعتقاد صحيح أم باطل ؟؟؟ وعلى كونه باطلاً أيكفر ذلك القائل باعتقاده المذكور ويبطل كل عمله من صلاة وصيام وغير ذلك من الأعمال الدينية وتبين منه زوجه ؟؟؟ وإن مات على هذه الحال قبل أن يتوب لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ؟؟؟ وهل مَنْ صَدّقَه في ذلك الاعتقاد يكون كافراً مثله ؟؟ وما قولكم فيما يقوله بعض الناس من أن القول بنفي الجهات الست عن الله تعالى باطل لأنه يلزم عليه نفي وجود الله تعالى ؟؟؟ أفيدونا مأجورين مع بيان مذهب السلف والخلف في هاتين الآيتين ونحوهما من الآيات المتشابهات كـ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وأحاديث الصفات كحديث ( ينـزل ربنا إلى السماء الدنيا ) وحديث البجارية بيانا شافياً مع ذكر أقوال علماء التفسير والحديث والفقه والتوحيد مع الإيضاح الكامل لتنقطع ألسنة المجازفين الذين يشبهون الله تعالى بخلقه ويعتقدون أن ما ذهب إليه علماء الخلف من التأويل كفر زاعمين أنه مذهب الجـهـمـيـة الكفرة ، وأشاعوا ذلك بين العوام !! جزاكم الله تعالى عن الدين وأهله أحسن الجزاء ))اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق