الرَّدُّ
عَلَى الثَّعَالِبِي
فِي
بَعْضِ مَا أَضَافَهُ إِلَى اللهِ فِي كِتَابِهِ
(ثِمَارُ
القُلُوبِ فِي المُضَافِ والمَنْسُوبِ)
كَتَبَهُ
وليد
بن حسني بن بدوي بن محمد الأموي
بسم
الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما
بعد :
فهذه
كلمات موجزة في نقد الباب الأول من كتاب (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) للعلامة
اللغوي أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي المتوفى سنة 429 هـ([1])
صاحب (يتيمة الدهر) و(فقه اللغة) و(لطائف المعارف)وغيرها من الكتب النافعة الدالة
على علو شأو صاحبها في صنوف الأدب ودراية اللغة .
وهذا
الباب المذكور نقل فيه أشياء كثيرة تضاف إلى الله تعالى اشتهرت على ألسنة العامة
والخاصة وبعضها له أصل في الوحي المنزل ، وبعضها لا أصل له .
فأردت
التنبيه على بعضها متوخيًا جادة الإيجاز دون الإطالة والإسهاب ، ومتبًعا في ذلك
طريقة الإيضاح مع التنزل في العبارة ، ومنهج البيان مع التلطف في الإشارة ، والله
الهادي إلي سبيل الرشاد.
وكأنما يمناى حين تناولت *** يمناك إذ صافحتنى
بكتاب
أخذت
كتاب الله وهو مبشر *** بكرامة الرضوان يوم حساب".
(قلت):
قول ابن الرومي لا يصح الاستشهاد به على قواعد اللغة ومفرداتها ؛ لأنه عاش في عصر
لا يحتج بكلام أهله شعرًا ونثرًا كما هو بيِّنٌ لا يحتاج إلى إيضاح.
ولو
استشهد بنحو قوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ
هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ)[المائدة:44]لكان
أحسن ، وتلك إضافة غزيرة الوجود في الكتاب والسنة وشعر العرب ونثرهم.
· وقال
رحمه الله([3])
:" ( خليل الله ) اتخذ الله إبراهيم خليلًا واتخذ محمدًا حبيبًا والحبيب أخص من
الخليل في الشائع المستفيض من العادات ألا تراه تعالى قال له ( ما ودعك ربك وما قلى
) بمعنى أحبك ومقتضى هذه اللفظة أنه اتخذه حبيبا ومما يؤيد ذلك ويؤكده أنه تعالى لا
يحب أحدا ما لم يؤمن بمحمد ويتبعه ألا تسمعه يقول ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى
يحببكم الله)".
(قلت):
قوله (الحبيب أخص من الخليل) فيه نظر ، والصواب عكسه وذلك لعدة أمور:
الأول
: إخبار الله عن نفسه أن يحب صنوفًا كثيرين من المؤمنين ، وإخباره أنه لم يتخذ
خليلًا غير إبراهيم مع ضميمة إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه اتخذه خليلًا.
قال
تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195].وقال : (إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[المائدة: 222]. وقال : (إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران:159]. وقال : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آل
عمران:146]. وقال : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[المائدة:42]. وقال : (إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[التوبة:4]. وقال : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آل
عمران:146].
وأخبرعن
إبراهيم وحده فقال: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)[النساء :125].
وأخبر
رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه اتخذه خليلًا فيما رواه البخاري-وغيره- قال:
حدثني عبد الله بن محمد ،حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن
بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:خطب رسول الله صلى الله عليه و
سلم الناس، وقال:(ولو كنت متخذا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته).
الثاني:
إخباره صلى الله عليه وسلم أن يحب عائشة وغيرها من الناس مع إخباره أنه لو كان
متخذًا خليلًا لاتخذ أبا بكر وحده.
الثالث:
أن الخلة : شدة المحبة ، ولذا قال الشاعر:
قد
تخللت مسلك الروح مني *** وبذا سمى الخليل خليلا
فدل
ذلك على أن الخلة أخص من المحبة ، وبه يقال إن الخليل أخص من الحبيب لا العكس.
قال
ابن القيم([4])
: " وأما ما يظنه بعض الظانين أن المحبة أكمل من الخلة، وأن إبراهيم خليل الله
ومحمد حبيب الله فمن جهله؛ فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة ،وقد أخبر
النبي أنه اتخذ ربه خليلاً ونفى أن يكون له خليل غير ربه مع إخباره لحبه لعائشة ولأبيها
ولعمر بن الخطاب وغيرهم وأيضًا فإن الله سبحانه يحب التوابين ويحب الصابرين ويحب المحسنين
ويحب المتقين ويحب المقسطين وخلته خاصة بالخليلين عليهما الصلاة والسلام، والشاب التائب
حبيب الله، وإنما هذا عن قلة العلم والفهم عن الله ورسوله".
·
قال الثعالبي([5]):"
( قوس الله ) هى التى يقال لها (قوس قزح) ويشبه بها ما يقل لبثه ولا يدوم مكثه كما
قال العلوى الحمامى
فشبهت سرعة أيامهم *** بسرعة قوس يسمى قزح
تلون معترضا في السماء *** فما تم ذلك حتى
نزح
وفى الخبر (لا تقولوا قوس قزح ولكن قولوا قوس الله
فإن قزح من أسماء الشياطين) ويجوز أن تكون سميت بهذا الاسم وأضيفت إلى الله تعالى لأنها
من فعل الله وسائر القسى من برى الناس وفعلهم ".
(قلت):
في هذا الإطلاق شبهتان للثعالبي رحمه الله :
إحداهما
: الخبر الذي ذكره .
والجواب
عليه أنه لا يصح مرفوعًا ولا موقوفًا ، بل هو موضوع كما حكم عليه غير واحد من
الأئمة علماء الحديث ومنهم العلامة الألباني في الضعيفة([6])وإنما
جاء في القوس بدون إضافته إلى الله أنه أمان لأهل الأرض من الغرق كما في الأدب
المفرد للبخاري.
وقال
أبو نعيم الأصبهاني في الحلية([7])
:" حدثنا أحمد بن السندي بن بحر، قال: ثنا الحسين بن محمد بن حاتم عبيد العجلي
الحافظ، قال: ثنا بشر بن الوليد، قال: ثنا زكريا بن حكيم الحبطي، عن أبي رجاء العطاردي
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:لا تقولوا قوس قزح؛فإن قزح شيطان ، ولكن
قولوا قوس الله عز و جل ؛ فهو أمان لأهل الأرض غريب من حديث أبي رجاء لم يرفعه فيما
أعلم إلا زكريا بن حكيم ".
وبشر
بن الوليد وثقه بعضهم وضعفه بعضهم ، وذكره العلائي في المختلطين،وابن سبط العجمي
في كتابه في من رمي بالاختلاط.
وزكريا
بن حكيم الحبطي وقيل : زكريا بن عدي ضعيف ، ذكره ابن أبي حاتم وابن عدي وغيرهما في
الضعفاء([8]).وبذا
أجاب أبوزرعة البرذعي([9])
لما سأله عنه.
ولم
أجد لهذا الخبر إسنادًا يصح به أو يقبل على أحسن تقدير.
الأخرى:قوله
(ويجوز أن تكون سميت بهذا الاسم وأضيفت إلى الله تعالى لأنها من فعل الله وسائر القسى
من برى الناس وفعلهم).
(قلت):
وهذا إطلاق غير مقبول ؛ لأنه لا يصح إضافة كل ما اختص الله بفعله إليه لأن في
الإضافة نوع تشريف ولذا تحتاج إلى تنصيص من الكتاب أو السنة أو الصحابة أو أئمة
الدين الذين يعرفون الله حق المعرفة ويدرون ما يجوز عليه وما لا يجوز .
وذلك
قاله-أيضًا- الثعالبي([10]):"أن
الله تعالى لا يضاف إليه إلا العظيم من جميع الأشياء من الخير والشر، أما الخير فقولهم:
بيت الله وأهل الله وزوار الله وكتاب الله وأرض الله وخليل الله وروح الله وأشباه ذلك،
وأما الشر فكقولهم:دعه في لعنة الله تعالى وسخطه وأليم عذابه ودعه في نار الله وسقره".
·
قال الثعالبي([11]):"
( طراز الله ) قرىء على عصابة بعض جوارى الخلفاء (مما عمل في طراز الله) فاستعمل الصاحب
هذه الاستعارة المليحة فى شعره حيث قال :
هذا على على في محاسنه *** كأنما حسبه أن
يبلغ الأملًا
وكم أقول وقد أبصرت طلعته *** هذا الذى في
طراز الله قد عملا([12])"اهـ
(قلت):
إضافة مثل ذلك إلى الله تفتقر إلى توقيف وليس هناكم شيء من ذلك، والظاهر أن مثل
هذا لا تصح إضافته إلى الله .
قال
الأزهري في (تهذيب اللغة):" قال الليث: الطِّراز معروف، وهو الموضع الذي تُنسج
فيه الثياب الجياد. وقال غيره: الطِّراز مُعرَّب، وأصله التقدير المستوي بالفارسية،
جُعلت التاء طاء، وقد جاء في الشعر العربي، قال حسان يمدح قوماً:
..................*** بِيضُ الوجوهِ من
الطِّرازِ الأوّلِ([13])
وروى
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الطَّرْز: الشَّكل، يقال: هذا طِرزُ هذا أي شكله.
قال:
ويقال للرجل إذا تكلم بشيء هذا من طرازه، أي من استنباطه"اهـ
وقال
المحبي:" قوله : الطراز الأول، يريد به العِذَار أوّل ما يبقل، وهو الذي يكنى
عنه البلغاء بطراز الله"اهـ
والعِذار:
استواء شعر الغلام يقال: ما أَحْسَنَ عِذَارَه أَي خطَّ لحيته، وقال أَبو علي- في التذكرة-:
العِذَارُ سِمةٌ على القفا إِلى الصُّدْغَين والأَول أَعرف.
هذا
، والله أعلم.
وصلى
الله وسلم على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.
[1] - ترجمته
في : طبقات النحويين واللغويين(387 – 389)، نزهة الألباء (365)، وفيات الأعيان(3
/ 178 – 180)، العبر( 3 / 172)، عيون التواريخ( 12 / 179 / 2 - 181 /2)، البداية والنهاية(
12 / 44)، مفتاح السعادة (1/187، 213)، معاهد التنصيص (3/266–271)، شذرات الذهب(3
/ 246، 247)،وغيرها.
[3] - ثمار
القلوب : ص 19 .
[8] -
ترجمته في : تهذيب الكمال ( 9 / 369 ) وغيره.
[12] - من كلام الصاحب بن عباد( 326 – 385) ، ضمن
أخبار طوال له في يتيمة الدهر (3/31 – 118 ).
[13] - في الديوان :
بيضُ
الوُجُوهِ، كريمَة ٌ أحسابُهُمْ *** شُمُّ الأنوفِ، من الطّرَازِ الأوّلِ
قال
ذلك يمدح أولاد جفنة وهو ملك الشام ، وينشده بعضهم :(أعفة أحسابهم)، وبعضهم يقول:(تقية
أحسابهم )، وبعضهم يقول:( نقية حجزاتهم)، كما في الحيوان، وبعضهم يقول:(كريمة
أنسابهم)وغير ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق