السَيْفُ المَصْقُول
في الرَّدِّ عَلَى الأَزْهَرِيِّ المَجْهُول
( رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ "" التُّحَفَةُ الأَزْهَرِيَّة ،إِطْلَالَةٌ عَلَى مُصْطَلَحِ حَشَوِيَّة "")
وَمَعَهُ
تَذْييلٌ بالرَّدِّ عَلَى السُّبْكِيِّ وَالكَوْثَرِيِّ في تَعَقْبِهُمَا للإمامِ ابنِ القَيِّمِ
في الرَّدِّ عَلَى الأَزْهَرِيِّ المَجْهُول
( رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ "" التُّحَفَةُ الأَزْهَرِيَّة ،إِطْلَالَةٌ عَلَى مُصْطَلَحِ حَشَوِيَّة "")
وَمَعَهُ
تَذْييلٌ بالرَّدِّ عَلَى السُّبْكِيِّ وَالكَوْثَرِيِّ في تَعَقْبِهُمَا للإمامِ ابنِ القَيِّمِ
كَتَبَهُ
وَلِيـدُ بنُ حُسْنِي بنِ بَدَوِي بنِ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ
عفا الله عنه
وَلِيـدُ بنُ حُسْنِي بنِ بَدَوِي بنِ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ
عفا الله عنه
قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيَّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - في القصيدة النونية :
يا واردَ القلُّوطِ [ ] ويحك لو ترى ماذا على شفتيك والأسنانِ
يا واردَ القلُّوطِ طَهِّرْ فاك من خَبَثٍ به واغسله من أنتانِ
أو ما ترى آثارها في القلـ ـبِ والنَّياتِ والأعمالِ والأركانِ
لو طاب منك الوردُ طابت كلها أنى تطيبُ مواردُ الأنتانِ
يا شاتمَ الحشويَّ حشوَ الـ ـدينِ والقرآنِ والآثارِ والإيمانِ
أهلاً بهم حشوَ الهدى وسواهم حشوُ الضلالِ فما هما سيانِ
أهلاً بهم حشوَ اليقينِ وغيرهم حشوُ الشُّكُوكِ فما هما صنوانِ
أهلاً بهم حشوَ المساجدِ والسِّوى حشوُ الكنيفِ فما هما عدلانِ
أهلاً بهم حشوَ الجنانِ وغيرُهم حشوُ الجحيمِ أيستوي الحشوانِ
يا واردَ القلُّوط ويحك لو تـ ـرى الحشويَّ واردَ منهل الفرقانِ
وتراه من رأس الشريعة شاربا من كف من قد جاء بالفرقان
وتراه يسقي الناس فضلة كأسه وختامها مسك على ريحان
لعذرته أن بال في القلوط لم يشرب به مع جملة العميان
يا وارد القلوط لا تكسل فرأ س الماء فاقصده قريب دان
هو منهلٌ سهلٌ قريبٌ واسعٌ كافٍ إذا نزلت به الثقلانِ
واللهِ ليس بأصعبِ الوردين بل هو أسهلُ الوردين للظمآنِ
يا واردَ القلُّوطِ [ ] ويحك لو ترى ماذا على شفتيك والأسنانِ
يا واردَ القلُّوطِ طَهِّرْ فاك من خَبَثٍ به واغسله من أنتانِ
أو ما ترى آثارها في القلـ ـبِ والنَّياتِ والأعمالِ والأركانِ
لو طاب منك الوردُ طابت كلها أنى تطيبُ مواردُ الأنتانِ
يا شاتمَ الحشويَّ حشوَ الـ ـدينِ والقرآنِ والآثارِ والإيمانِ
أهلاً بهم حشوَ الهدى وسواهم حشوُ الضلالِ فما هما سيانِ
أهلاً بهم حشوَ اليقينِ وغيرهم حشوُ الشُّكُوكِ فما هما صنوانِ
أهلاً بهم حشوَ المساجدِ والسِّوى حشوُ الكنيفِ فما هما عدلانِ
أهلاً بهم حشوَ الجنانِ وغيرُهم حشوُ الجحيمِ أيستوي الحشوانِ
يا واردَ القلُّوط ويحك لو تـ ـرى الحشويَّ واردَ منهل الفرقانِ
وتراه من رأس الشريعة شاربا من كف من قد جاء بالفرقان
وتراه يسقي الناس فضلة كأسه وختامها مسك على ريحان
لعذرته أن بال في القلوط لم يشرب به مع جملة العميان
يا وارد القلوط لا تكسل فرأ س الماء فاقصده قريب دان
هو منهلٌ سهلٌ قريبٌ واسعٌ كافٍ إذا نزلت به الثقلانِ
واللهِ ليس بأصعبِ الوردين بل هو أسهلُ الوردين للظمآنِ
وقال :
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى بالوحي من أثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشواً في الوجو د وفضلة في أمة الإنسان
ويظن جاهلهم بأنهم حشوا رب العباد بداخل الأكوان
إذ قولهم فوق العباد وفي السما ءِ الرب ذو الملكوت والسلطان
ظن الحمير بأنه في الظرف والر حمن محوى بظرف مكان
والله لم يسمع نداً من فرقة قالته في زمن من الأزمان
لا تبهتوا أهل الحديث به فما ذا قولهم تباً لذي البهتان
بل قولهم أن السموات العلى في كف خالق هذه الأكوان
حقا كخردلة ترى في كف ممسكها تعالى الله ذو السطان
أترونه المحصور بعد أم السما يا قومنا ارتدعوا عن العداون
كم ذا مشبهة وكم حشوية فالبهت لا يخفى على الرحمن
يا قوم إن كان الكتاب وسنة الـ مختار حشواً فاشهدوا ببيان
أنا بحمد إلاهنا حشوية صرف بلا جحد ولا كتمان
تدرون من سمت شيوخكم بهذا الاسم في الماضي من الأزمان
سمى به ابن عبيد عبدالله ذا ك ابن الخليفة طارد الشيطان
فورثتم عمراً كما ورثوا لعبد الله أنى يستوي الإرثان
تدرون من أولى بهذا الاسم وهـ ـو مناسب أحواله بوزان
من قد حشا الأوراق والأذهان من بدع تخالف موجب القرآن
هذا هو الحشوي لأ أهل الحد يث أئمة الاسلام والايمان
وردوا عذاب مناهل السنن التي ليست زبالة هذه الأذهان
وردتم القلوط مجرى كل ذي الـ ـأوساخ والأقذار والأنتان
وكسلتم أن تصعدوا للورد من رأس الشريعة خيبة الكسلان
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى بالوحي من أثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشواً في الوجو د وفضلة في أمة الإنسان
ويظن جاهلهم بأنهم حشوا رب العباد بداخل الأكوان
إذ قولهم فوق العباد وفي السما ءِ الرب ذو الملكوت والسلطان
ظن الحمير بأنه في الظرف والر حمن محوى بظرف مكان
والله لم يسمع نداً من فرقة قالته في زمن من الأزمان
لا تبهتوا أهل الحديث به فما ذا قولهم تباً لذي البهتان
بل قولهم أن السموات العلى في كف خالق هذه الأكوان
حقا كخردلة ترى في كف ممسكها تعالى الله ذو السطان
أترونه المحصور بعد أم السما يا قومنا ارتدعوا عن العداون
كم ذا مشبهة وكم حشوية فالبهت لا يخفى على الرحمن
يا قوم إن كان الكتاب وسنة الـ مختار حشواً فاشهدوا ببيان
أنا بحمد إلاهنا حشوية صرف بلا جحد ولا كتمان
تدرون من سمت شيوخكم بهذا الاسم في الماضي من الأزمان
سمى به ابن عبيد عبدالله ذا ك ابن الخليفة طارد الشيطان
فورثتم عمراً كما ورثوا لعبد الله أنى يستوي الإرثان
تدرون من أولى بهذا الاسم وهـ ـو مناسب أحواله بوزان
من قد حشا الأوراق والأذهان من بدع تخالف موجب القرآن
هذا هو الحشوي لأ أهل الحد يث أئمة الاسلام والايمان
وردوا عذاب مناهل السنن التي ليست زبالة هذه الأذهان
وردتم القلوط مجرى كل ذي الـ ـأوساخ والأقذار والأنتان
وكسلتم أن تصعدوا للورد من رأس الشريعة خيبة الكسلان
وقال :
سموهم حشوية ونوابتاً ومجسمين وعابدي أوثان
وكذاك أعداء الرسول وصحبه وهم الروافض أهبث الحيوان
نصبوا العداوة للصحابة ثم سموا بالنواصب شيعة الرحمن
وكذا المعطل شبه الرحمن بالـ معدوم فاجتمعت له الوصفان
سموهم حشوية ونوابتاً ومجسمين وعابدي أوثان
وكذاك أعداء الرسول وصحبه وهم الروافض أهبث الحيوان
نصبوا العداوة للصحابة ثم سموا بالنواصب شيعة الرحمن
وكذا المعطل شبه الرحمن بالـ معدوم فاجتمعت له الوصفان
مُقَدَّمَةٌ
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فقد تناهت إلي مقالة موسومة بـ(التحفة الأزهرية إطلالة على مصطلح حشوية )[ ] لمؤلف مجهول العين والحال ! فألفيته كما قال ابن عبد الهادي في سلف ذلك المجهول[ ] : ((رأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلاً ممارياً معجباً برأيه متبعاً لهواه ذاهباً في كثير مما يعتقده إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة ، صائراً في أشياء مما يعتمده إلى الشبه المخيلة والحجج الداحضة ، وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها . وهو من الجملة لون عجيب وبناء غريب تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين فيكون مخطئاً في ذلك الاجتهاد ومرة يزعم فيما يقول ويدعيه أنه من جملة المقلدين ،فيكون من قلده مخطئاً في ذلك الاعتقاد ، نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد ))اهـ
ويعجبني في حكاية حالي قول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : ((الإعراضُ عن القولِ المطرحِ أحري لإماتتِه وإخمالِ ذكرِ قائلِه وأجدُرُ ألَّا يكونَ ذلك تنبيهاً للجهال عليه غير أنَّا لمَّا تخوفنا من شرورِ العواقبِ واغترارِ الجهلةِ بمُحْدَثاتِ الأمورِ وإسراعِهم إلي اعتقادِ خطإِ المخطئين والأقوالِ الساقطةِ عند العلماءِ رأينا الكشفَ - عن فسادِ قولِه ورد مقالِته بقدرِ ما يليقُ بها من الردِ - أجدي علي الأنامِ وأحمدَ للعاقبةِ إن شاءَ اللهُ )) انتهي
وقد رأيت التذييل بالرد على ما افتراه السبكي في كتابه ( السيف الصقيل في الرد علي ابن زفيل ) حول ما يتعلق بموضوع المقالة وكذلك ما حَشَّى به الكوثري حواشيه مما يتعلق بذلك . رأيت ذلك التذييل مفيداً وكذلك الرد على فتوى السبكي لأن في الاكتفاء بالرد على ذلك المجهول تشهيراً به وإذاعة له وهو أدني من ذلك كما قال ابن القيم :
إنَّ الكلامَ مع الكبارِ وليسَ مَعْ تلك الأراذلِ سِفْلةِ الحيوانِ
أوساخِ هذا الخلقِ بل أنتانِه جيفِ الوجودِ وأخبثِ الإنسانِ
الطالبين دماءَ أهلِ العِلمِ بالـ كفرانِ والعُدوانِ والبُهتانِ
الشاتمي أهلِ الحديثِ عداوةً للسُّنةِ العليا مع القرآنِِ
جعلوا مسبتهَم طعامَ حُلُوقِهم فاللهُ يقطعُها من الأذقانِ
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فقد تناهت إلي مقالة موسومة بـ(التحفة الأزهرية إطلالة على مصطلح حشوية )[ ] لمؤلف مجهول العين والحال ! فألفيته كما قال ابن عبد الهادي في سلف ذلك المجهول[ ] : ((رأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلاً ممارياً معجباً برأيه متبعاً لهواه ذاهباً في كثير مما يعتقده إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة ، صائراً في أشياء مما يعتمده إلى الشبه المخيلة والحجج الداحضة ، وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها . وهو من الجملة لون عجيب وبناء غريب تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين فيكون مخطئاً في ذلك الاجتهاد ومرة يزعم فيما يقول ويدعيه أنه من جملة المقلدين ،فيكون من قلده مخطئاً في ذلك الاعتقاد ، نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد ))اهـ
ويعجبني في حكاية حالي قول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه : ((الإعراضُ عن القولِ المطرحِ أحري لإماتتِه وإخمالِ ذكرِ قائلِه وأجدُرُ ألَّا يكونَ ذلك تنبيهاً للجهال عليه غير أنَّا لمَّا تخوفنا من شرورِ العواقبِ واغترارِ الجهلةِ بمُحْدَثاتِ الأمورِ وإسراعِهم إلي اعتقادِ خطإِ المخطئين والأقوالِ الساقطةِ عند العلماءِ رأينا الكشفَ - عن فسادِ قولِه ورد مقالِته بقدرِ ما يليقُ بها من الردِ - أجدي علي الأنامِ وأحمدَ للعاقبةِ إن شاءَ اللهُ )) انتهي
وقد رأيت التذييل بالرد على ما افتراه السبكي في كتابه ( السيف الصقيل في الرد علي ابن زفيل ) حول ما يتعلق بموضوع المقالة وكذلك ما حَشَّى به الكوثري حواشيه مما يتعلق بذلك . رأيت ذلك التذييل مفيداً وكذلك الرد على فتوى السبكي لأن في الاكتفاء بالرد على ذلك المجهول تشهيراً به وإذاعة له وهو أدني من ذلك كما قال ابن القيم :
إنَّ الكلامَ مع الكبارِ وليسَ مَعْ تلك الأراذلِ سِفْلةِ الحيوانِ
أوساخِ هذا الخلقِ بل أنتانِه جيفِ الوجودِ وأخبثِ الإنسانِ
الطالبين دماءَ أهلِ العِلمِ بالـ كفرانِ والعُدوانِ والبُهتانِ
الشاتمي أهلِ الحديثِ عداوةً للسُّنةِ العليا مع القرآنِِ
جعلوا مسبتهَم طعامَ حُلُوقِهم فاللهُ يقطعُها من الأذقانِ
والله المستعان في الرد علي باطل ذلك المجهول لفظة لفظة لعل الله أن يهدي بذلك متطلباً لهداية أو راغباً في سلامة والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الرَّدُّ عَلَى الإِطْلَالَةِ
قال المجهول : ((قال ابن تيمية كما في ( المنتقى من منهاج السنة ) ط 1418هـ أوقاف المملكة ص122 ( والكتاب والسنة ليس فيهما ، لفظة ( ناصبة ) ولا ( مشبهة ) ولا ( حشوية ) بل ولا فيهما لفظ ( رافضي ) فنحن إذا قلنا ( رافضة ) نذكره للتعريف ، لدخول أنواع مذمومة بالنص فيه ، فيبقى علما على هؤلاء الجهلة الذين عدموا الصدق والتوفيق )) اهـ . فإذا علمت هذا بان لك أن كل هذه الألفاظ ليست في الكتاب ولا السنة فكيف جاز إطلاقها ؟؟ نعم لا مشاحة في الاصطلاح وهذا ما عناه ابن تيمية .فإن قلت : ( الحشوية ) أطلقته المعتزلة أولاً .فالجواب من وجوه : أولاً : كلمة ( الرافضة ) أول من أطلقها الزيدية أيضاً وهم يرون الخروج أولاً، ثم هم على رأي واصل بن عطاء ثانياً ، فلو لم يجز إطلاق حشوية لأن أول من نطق بها المعتزلة وهم مبتدعة ، لما جاز إطلاق رافضة لأن أول من أطلقها الزيدية ، فالجواب على هذا هو جوابنا على ذاك ))اهـ
قلت : يتبع الكاتب سنة خبيثة من سنن سلفه متكلمة أهل الأهواء في تأليف أقيسة من منتاقضات ؛ فهو يضع ألفاظ ( الناصبة ، والمشبهة ، والرافضة ) - التي ارتضتها كافة الفرق الصفاتية المنسوبة إلي السنة في الجملة كالأشاعرة والكلابية لتعيب بها أهل الأهواء - كمقيس عليه ويجعل لفظة ( الحشوية ) - التي لم ترتضها فرقة صفاتية واحدة لا سالمية ولا كلابية ولا كرامية ولا أشعرية لتعيب بها أهل البدع - كمقيس ثم يحصل ناتجاً لمتناقضين ويحسب أنه يحسن صنعاً .
وحاله في ذلك القياس السفسطائي تذكرني بحال سلفه الكرابيسى لما ألف كتابه ( المدلسين ) وانتصر للحسن بن صالح علي شعبة وغيره من أئمة الحديث قائلاً[ ] : (( إن قلت إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج )) اهـ فيقيس الحسن بن صالح علي عبد الله بن الزبير ولما يدر بعد البون الشاسع بينهما رتبة وعلماً وفضلاً ...إلخ فلما بلغ ذلك أحمد بن حنبل قال : ((هذا قد جمع للمخالفين مالم يحسنوا أن يحتجوا به ، حذروا عن هذا )) ونهى عنه .
ومن جهل ذلك المفتون الجاهل بالمقالات والفرق أنه لم يدر أن المعتزلة إنما اخترعت لفظ ( الحشوية ) لتسم به ( الفرق الصفاتية ) كافة من سالمية وأهوازية وكلابية وأشعرية وأهل حديث فكل من أثبت الصفات عندهم فهو حشوي ولذا قال ابن النديم في الفهرست ( ص : 254 ) : (( الفن الثالث من المقالة الخامسة في أخبار العلماء وأسماء ما صنفوه من الكتب ويحتوي على أخبار متكلمي المجبرة وبابية الحشوية وأسماء كتبهم ..))اهـ
وقال في ترجمة ابن كلاب أستاذ الأشعري ( ص : 255 ) : (( ابن كلاب من بابية الحشوية وهو عبد الله بن محمد بن كلاب القطان ...))اهـ ثم ترجم لجماعة منهم الكرابيسي وأبو محمد قاضي السنة .
فجعل ابن النديم من الحشوية من كان كلابياً ؛ولذا قال الجاحظ في صدر كتابه ( خلق القرآن ) : " كتبت لك كتاباً، أجهدت فيه نفسي، وبلغت منه أقصى ما يمكن مثلي في الاحتجاج للقرآن، والرد على كل طعان. فلم أدع فيه مسألة لرافضي، ولا لحديثي، ولا لحشوي، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب النظّام، ولمن نجم بعد النظّام، ممن يزعم أن القرآن خلق، وليس تأليفه بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة،فلما ظننت أني قد بلغت أقصى محبتك، وأتيت على معنى صفتك، أتاني كتابك تذكر أنك لم ترد الاحتجاج لنظم القرآن، وإنما أردت الاحتجاج لخلق القرآن. وكانت مسألتك مبهمة، ولم أك أن أحدث لك فيها تأليفاً، فكتبت لك أشق الكتابين وأثقلهما، وأغمضهما معنىً وأطولهما، ولولا ما اعتللت به من اعتراض الرافضة، واحتجاج القوم علينا بمذهب معمر، وأبي كلدة، وعبد الحميد، وثمامة، وكل من زعم أن أفعال الطبيعة مخلوقة على المجاز دون الحقيقة، وأن متكلمي الحشوية والنابتة قد صار لهم بمناظرة أصحابنا، وبقراءة كتبنا بعض الفطنة لما كتبت لك، رغبة بك عن أقدارهم، وضناً بالحكمة عن إعثارهم، وإنما يكتب على الخصوم والأكفاء، وللأولياء على الأعداء، ولمن يرى للنظر حقاً، وللعلم قدراً، وله في الإنصاف مذهب، وإلى المعرفة سبب " اهـ
فجعل مناظري أصحابه المعتزلة حشوية ومن أشد مناظري المعتزلة وقتئذ ابن كلاب وأتباعه ومنهم الأشعري وغيره .وما أكثر أن يقرن الجاحظ وأذياله بين المشبهة والحشوية والنابتة فيسم بذلك كل من أثبت الرؤية والكلام ونحوهما لله تعالى وذلك بين في كتابه في الرد علي المشبهة .
ولذا قال الحافظ في ( لسان الميزان 3 / 290) : " فنقل عن محمد بن إسحاق النديم في الفهرست فقال كان من بابية الحشوية وله مع عباد بن سليمان مناظرات وكان يقول أن كلام الله هو الله فكان عباد يقول أنه نصراني بهذا القول قال المصنف في تاريخه كان بعد الأربعين ومائتين قلت وقد ذكره العبادي في الفقهاء الشافعية مختصراً فقال عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان ونقل الحاكم في تاريخه عن ابن خزيمة أنه كان يعيب مذهب الكلابية ويذكر عن أحمد بن حنبل أنه كان أشد الناس على عبد الله بن سعيد وأصحابه ويقال أنه قيل له ابن كلاب لأنه كان يخطف الذي يناظره وهو بضم الكاف تشديد اللام وقول الضياء إنه كان أخا يحيى بن سعيد القطان غلط وإنما هو من توافق الاسمين والنسبة وقول ابن النديم إنه من الحشوية يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات ويقال لهم المفوضة وعلى طريقته مشى الأشعري في كتاب الإبانة " اهـ
وقال (لسان الميزان 5 / 72 ):" قد ذكر له الذهبي ترجمة في تاريخ الإسلام فيمن لم يعرف له وحده على رأس الأربع مائة فقال محمد بن إسحاق ابن النديم أبو الفرج الأخباري الأديب الشيعي المعتزلي ذكر أنه صنف الفهرست سنة سبع وسبعين وثلاث مائة قال ولا أعلم متى توفي قلت ورأيت في الفهرست موضعاً ذكر أنه كتب في سنة اثنتي عشرة وأربع مائة فهذا يدل على تأخيره إلى ذلك الزمان ولما طالعت كتابه ظهر لي أنه رافضي معتزلي فإنه يسمي أهل السنة الحشوية ويسمى الأشاعرة المجبرة ويسمي كل من لم يكن شيعياً عامياً " انتهى
فلينظر الكاتب المجهول كيف ساوى بين ما تعارف عليه المنتسبون للسنة في الجملة لنبز الفرق الضالة والأهواء المارقة وما اخترعته نفاة الصفات لنبز الصفاتية وأهل الأثر .
وأما قوله : ((فإن قلت : ( الحشوية ) أطلقته المعتزلة أولاً .فالجواب من وجوه : أولاً : كلمة ( الرافضة ) أول من أطلقها الزيدية أيضاً وهم يرون الخروج أولاً ، ثم هم على رأي واصل بن عطاء ثانياً ))اهـ فبائن تدليسه فإن الذي أطلق ذلك اللقب أعنى لقب الرافضة هو زيد بن الحسين في حق قوم رفضوا دين الله وسبوا الشيخين أبا بكر وعمر وهو في ذلك النبز مصيب، أيستوي هذا ونبز اخترعه ( عمرو بن عبيد ) في حق ( عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ) وهو في ذلك مخطئ ؟!
وأهل السنة وكتبة المقالات والآراء والأهواء والملل والنحل إذ يذكرون صنيع زيد في تسمية الرافضة بذلك يمدحونه ويعتبرون اصطلاحه بخلاف اصطلاح الحشوية الذي لم يمتدحه غير صنوفٍ من الناس سينجلي حالهم عن قريب هذا فضلاً عن أن تلك اللفظة غير محدودةٍ لا بشرعٍ ولا بعرفٍ ولا بلغةٍ ولا يشهد لها نصٌ صحيحٌ ولا عقلٌ صريحٌ ولا رأيٌ رجيحٌ كما سيأتي .
وشيخ الإسلام لم يرد ما فسره ذيالك المجهول ولا لاط قلبه علي شيء من تلك المعاني الفاسدة وسيأتي بيان ذلك عنه وإن يكن المجهول صادقاً فهو كما قال المتنبي :
وهبني قلت هذا الصبح ليلٌ أيعمى العالمون عن الضياء ؟!
ثم قال : ((ثانياً :القول بأن أول من أطلق حشوية هم المعتزلة ، مبناه على ما نقل من قول عمرو بن عبيد عن عبدالله بن عمر بأنه حشوي كما نقله ابن تيمية مقلداً لغيره وقد عبّر في منهاج السنة( 2/520 ) بلفظ : (( وقد قيل : إن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد ... )) و( قيل ) صيغة تمريض تفيد الضعف ، ولا يروى عن عمرو بن عبيد بإسناد صحيح !! ))انتهى
قلت : أما عن صيغة التمريض فغير مسلمة إلا لرجل قرأ نصاً وترك آخر عمداً أو جهلاً والأخير هو خبيئة طويتي ؛ فقد قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 3 / 186 و 12 / 176 ) : " وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد وقال كان عبد الله بن عمر حشوياً فالمعتزلة سموا الجماعة حشواً كما تسميهم الرافضة الجمهور " اهـ
وهذه صيغة جزم لتقر عينك !
والذي يؤكد صحة إسنادها إليه التزام المعتزلة بها في نبز من وصف الله بصفة أو وحَّده بإثبات فعلٍ ومثل هذا يثبت بالاستفاضة لا بالأسانيد المخصوصة ثم أين الإسناد الصحيح على أن زيداً نبز الرافضة بما نبذهم ؟ هذا ثابت ولا يفتقر مثله إلى إسناد .ثم إنك قد أثبت نبز المعتزلة للأشاعرة بهذا اللقب ( الحشوية ) لما قلت : ((وقد تطلق بباطل كما يطلقها المعتزلة على جميع أهل السنة لا سيما الأشاعرة لفرط العداوة بينهم وبين المعتزلة ))اهـ فلم تعارض ثبوتَها عن مثل عمرو بن عبيد ؟! لم يضرك ثبوتُها في حق أهل ملتك من إطلاق المعتزلة وضرك كونها من عمرو بن عبيد !
ثم قال : (( ثالثاً:لا نسلم بأن عمرو بن عبيد أول من أطلقها لما نقل من إطلاق أهل السنة إياها في مجلس الحسن البصري ، ففي شرح المنهاج للإمام الإسنوي (1/309 ): فائدة : اختلف في الحشوية ، فقيل بإسكان الشين ، لأن منهم المجسمة ، والجسم محشو ، والمشهور أنه بفتحها ، نسبة إلى الحشا ، لأنهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري في حلقته فوجد كلامهم رديئاً فقال ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ، أي جانبها ، والجانب يسمى حشا ومنه الأحشاء لجوانب البطن )) اهـ
قلت : الذين ذكر أن الحسن أوعز بفعل ذلك بهم على فرض صحة الحادثة من أصلها لم تثبت عنهم بدعة ولا حكيت لهم جريرة ولا حفظت فيهم مقالة وإنما ردهم إلى حشا المجلس سنة أهل العلم فيمن عرف عنه قلة الحظ من الفهم أو عدم نقاء القريحة فإنهم كانوا لا يصدِّرون روؤس المجالس إلا من اقتفى العلم والأثر ثلاثين سنة ؛ قال أبو عاصم النبيل :" سمعت سفيان الثوري وقد حضر مجلسه شاب من أهل العلم وهو يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم على من هو أكبر منه ، قال : فغضب سفيان وقال : لم يكن السلف هكذا ، كان أحدهم لا يدعي الإمامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة وأنت تتكبر على من هو أسن منك ، قم عني ولا أراك تدنو من مجلسي" اهـ من (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي : ص 388 ) ولذا قال مالك في ( السير 8 / 108 ) : ((كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه )) اهـ وقال القعنبي( السير 10 / 259 ): ((اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة )) اهـ وكانوا رحمهم الله يقربون الأنجاب والأذكياء ويقصون السفل والمفرِّطين وعامة الناس ،ولذا قال في شرح الكوكب : ((وَسُمُّوا حَشْوِيَّةً ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَمَامَهُ.....إلخ ))اهـ الحاصل أن هذا المذهب هو المتعين في تخريج تلك الحكاية التي لا أجد للإسنوي وأمثاله عليها متابعاً .
وقد اختلف الناس في الحشوية أهي بفتح الشين أو بإسكانها فقال ابن الصلاح : إن الفتح غلط ولا يصح على ذلك تخريج حكاية الحسن لأنه قال بزعمهم ( ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ) ونقل بعضهم ( حشي ) بدلاً من ( حشا ) وهو غير مشهور وضبطها بالوجهين الزركشي والبرماوي وغيرهما وعليه الإسنوي وقد ذكر التفصيل ....والله أعلم
ثم قال : ((فإن قلت : هذا نقل بلا سند ، قلنا : وذاك نقل بلا سند ، لكن هذا مشهور بصيغة الجزم ، وذاك غير مشهور بصيغة التمريض ، فأنت بين ثلاثة أمور ، إما الجمع بينهما ، أو الترجيح ، أو إسقاطهما والتوقف ))اهـ
قلت : هذا نقل بلا سند غير مستفيض ولا معروف لا في كتب المقالات ولا غيرها بل المحكي عنهم قوم لا جريرة مذكورة لهم وأما النقل عن عمرو بن عبيد فمستفيض ومحتمل وهو من هو رأساً للبدعة والضلالة . وأما عن صيغة التمريض فقد مر الجواب . وسبيل الرد في المسألة الأخيرة هو الترجيح .
ثم قال : ((أما الجمع فنقول عمرو بن عبيد كان أحد المعتزلين لحلقة الحسن البصري وأحد من لقبهم الناس من أهل السنة بالحشوية لرداءة كلامهم ))اهـ
قلت : وهذا تخرص بلا دليل ولا تعليل ولا قرينة صحيحة إنما هو محض التكهن الكاذب ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) و ( ذلك مبلغهم من العلم ) .
ثم قال : (( فقال عمرو بن عبيد عن ابن عمر بأنه حشوي ، يقصد إن كان ما نقول في القدر ونحوه حشو فعبدالله بن عمر حشوي ، وهذا لسوء فهمه وضعف عقله ))اهـ
قلت : وهذا غلط فإن ابن عمر لا وجه لشبه كلامه بكلامهم في القدر البتة بل لما بلغته مقالتهم قال ليحيي بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن : (( إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برئ منهم وأنهم براء منى والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)) ثم ساق حديث جبريل الشهير . الحاصل أن هذا جمع لا يستقيم كما هو بين .
وقد ذكر العلامة عبد الرزاق عفيفي سبب ذلك النعت فقال في تعليقه على الإحكام للآمدي ( 1 / 229 ) : (( أول من استعمل لفظ الحشوية عمرو بن عبيد ؛ قال : كان عبد الله بن عمر حشوياً . يريد بالحشوية : الأميين !...)) اهـ
ثم قال المجهول : ((فيكون المعتزلة قابلوا بها أهل السنة بعد أن أطلقها عليهم أهل السنة ، كما فعل القدرية لما سماهم أهل السنة بذلك فقالوا لأهل السنة بل أنتم القدرية لأنكم تقولون بالقدر )) اهـ
قلت : وهذا إيغال في التخرص وتعمق في التكهن لا يستقيم مع اشتهار أن المعتزلة قد اخترعوا تلك اللفظة أولاً لا أهل السنة ولذا قال أبو حاتم : ((علامة الزنادقة تسميتهم لأهل الحديث حشوية )) اهـ
وقال الصابوني في اعتقاده ( بيان تلبيس الجهمية 1 / 106 تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ): ((وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه و سلم واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة )) اهـ
وقال في درء التعارض : ((ولكن هؤلاء الذين ابتدعوها يذمون من لم يسلكها من عوام المسلمين وعلمائهم ويسمونهم حشوية فإن لفظ الحشوية أول ما عرف الذم به من كلام المتعتزلة ونحوهم رووا عن عمرو بن عبيد أنه قال : كان عبد الله بن عمر حشوياً وهم يسمون العامة الحشو كما تسميهم الرافضة والفلاسفة الجمهور ويسمون مذهب الجماعة مذهب الحشو ))اهـ
وقال الإمام أبو إسماعيل الأصفهاني - رحمه الله - في كتابه " الحجة في بيان المحجة " ( 2 / 540 ) :
( . . وإذا رأيت الرجل يسمي أهل الحديث حشوية أو مشبهة أو ناصبة فاعلم أنه مبتدع ، وإذا رأيت الرجل ينفي صفات الله أو يشبهها بصفات المخلوقين فاعلم أنه ضال . قال علماء أهل السنة : ليس في الدنيا مبتدع إلا وقد نزع حلاوة الحديث من قلبه )اهـ
وقال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1 / 424 - 425 ) : ((وأما طعن المتخصصين من أهل الرأي والمتكلمين ،فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه أما أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل ضعيفة عند العلماء بالنقل فإذا سُئلوا عنها بينوا حالها وأظهروا فسادها فشق عليهم إنكارهم إياهم وما قالوه في معناها وهم قد جعلوها عمدتهم واتخذوها عدتهم وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم فغير مستنكر طعنهم عليهم وإضافتهم أسباب النقص إليهم وترك قبول نصيحتهم في تعليلهم ورفض ما بينوه من جرحهم وتعديلهم لأنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما أمُّوه منه وقصدوه وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه وأما المتكلمون : فهم معذورون فيما يظهرونه من الازدراء بهم والعيب لهم لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن واعتقادهم في جل ما ينقلونه وعظم ما يروونه ويتداولونه إبطاله وإكفار الذين يصححونه وإعظامهم عليهم الفريَّة وتسميتهم لهم الحشويَّة , واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين )) انتهى
وفي " الغُنْيَة "للشيخ عبد القادر الجيلاني ( 1 / 85) أن الباطنية تسمي أهل الحديث " حشوية " لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار .
وهذه الكلمة مما نبذ بها الأشاعرةُ من بعدُ أهلَ السنة " كما صنع ابن الجويني إمام الحرمين في رده على كتاب (( الإبانة )) للحافظ أبي نصر السجزي ، و ذلك قبل أن يرجع ابن الجويني و يتمنى الموت على دين عجائز نيسابور ، و كما صنع ابن فورك في كتابه ( مشكل الحديث ) ، و إني و الله ما آسى على ابن فورك و إنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك و غيره رعباً فاستسلم لهم و انقاد ورائهم "[ ] .
قلت : ومن ظرف أبي المعالي الجويني تلقيبه مخالفي قوله من النحاة بأنهم ( حشوية النحاة ) ! قال في البرهان ( 1 / 114 ) : (( وذهب بعض الحشوية من نحوية الكوفة إلى أن ( أو ) قد ترد بمعنى الواو العاطفة واستشهدوا بقوله سبحانه وتعالى وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ))اهـ وهذه قراءة حكاها الزمخشري وغيره ! قال في البحر : قرأ بذلك جعفر بن محمد ولم يستنكره أبو حيان .قلت : وإلى هذا ذهب الأخفش والجرمي وجمهور الكوفيين . الحاصل أنه رجل صاحب دعاوى ومغاليط كثير السهو والزلل وهو - أو أبوه - القائل : ((أَلَا تَرَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ( المولود سنة 164 هـ ) كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ ( يعني بذلك الشافعي المولد سنة 150 هـ) ، وَكَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الْعِلْمِ ، وَكَانَ يَأْخُذُ بِرِكَابِهِ فَيَتْبَعُهُ ، وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ ))اهـ
ثم قال المجهول : ((وأما الترجيح وهو بالقرائن أو بالشواهد ، فليس عندك ما يرجح قولك على قولنا ، فلا يكون قولك أولى من قولنا ، ونحن عندنا لأنا مثبتون لقولها من الأقدم وأنتم نافون ، والمثبت مقدم على النافي ، ولأن قولنا هو المشهور كما قال الإسنوي ، وقولكم غير مشهور ، ولأن أهل السنة أطلقوه على المبتدعة وهذا كله مرجح لقولنا دون قولكم ))اهـ
قلت : ليس لديك شاهد كما تقدم في إبطال تلك القعاقع والفراقع والدعاوي الفارغة وأما أن نكون نفاة لما لم يقع فذلك الأصل فمدار صدق حدوث الحادثة على النقل إذ الأصل عدم الحدوث ولذا فالنافي معه الأصل فقوله المقدم حتي يثبت خلافه وأما المثبت بلا دليل ولا قرينة فعلى قوله العفا وتربت يداه من الثرى . والإسنوى لم يحك قولك ثم قال إنه المشهور وإنما قال إن المشهور ( الحشوية ) بفتح الشين وهذا ليس موضع النزاع .وأما أن يكون أهل السنة أطلقوه على المبتدعة فأي أهل السنة أطلقه علي المبتدعة أيها المُعكِّس للحقائق؟ فاعرف السنة تعرف أهلها .
ثم قال : ((وأما التوقف في النقلين بإسقاطهما ، ثم النظر في غيرهما ، فقد وجدنا نحن من أطلقها من أهل السنة من أئمة أهل الحديث ، فقد روى الحاكم في ( علوم الحديث ) ص137 في باب ( معرفة مذاهب المحدثين ) وقد ذكر الجـهـمـيـة والقدرية والشيعة والإرجاء .. ثم قال : أخبرني أبو علي الحافظ قال أخبرني علي بن مسلم الإصبهاني قال حدثنا عقيل بن يحيى الإصبهاني قال سمعت أبا داود يقول : (( كان جرير بن حازم إذا قدم قال شعبة : قد جاءكم هذا الحشوي )) اهـ وهذا إسناد صحيح متصل ورجاله كلهم ثقات ، وقد روى هذا عبدالله بن أحمد في العلل والعقيلي في الضعفاء في ترجمة جرير ، وسنده كالشمس .فهذا شعبة إمام من أئمة أهل السنة أطلق هذا على جرير بن حازم )) انتهى
قلت :نعم ، هذا ثابت عن شعبة في حق جرير بن حازم ولكن ذلك من باب المشاكلة[ ] لا الجرح واللمز فكأن شعبة يقول : جاءكم مثبت الصفات لأن الجهمية يسمون مثبت صفات الله له بالحشوي والمشاكلة معروفة في كتاب الله قال الله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وفي الآثار ؛قال عمر في صلاة التراويح ( نعمت البدعة ) وروي عنه ( ما ابتدع المسلمون بدعة أفضل من صلاة الضحى ) ومثله عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة مع أنه القائل : (وقال ابن عمر – رضي الله عنهما – :" كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة !!" (6)، وفي شعر العرب ؛ قال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ومن ذلك قول الشافعي ( رحمه الله ) :
إن كان رفضاً حب آل محمدٍ فليشهد الثقلان أني رافضي
ومنه قول الشاعر :
فإن كان ذنبي حبكم وولاءكم فإني مصرٌّ ما بقيت على الذنب
ومنه قول ابن تيمية :
إن كان نصباً ولاء الصحاب فإني كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضاً ولا آله فلا برح الرفض من جانبي
وغير ذلك كثير .
ولا يروعك ذلك التخريج منا إذ علمت أن الحاكم قال في خطبة كتابه ( معرفة علوم الحديث ) : " سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول سمعت أحمد بن سنان القطان يقول : ليس في الدنيا متبدع إلا وهو يبغض أهل الحديث وإذا ابتدع الرجل نُزع حلاوة الحديث من قلبه
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول سمعت أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول ليس شي أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد . قال أبو عبد الله : وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية " انتهى
إذا علمت هذا زدتك أن أهل العلم إنما أوردوا ذلك في حق جرير في سياق المدح لا الذم ولذا لما ترجم له الذهبي في (ميزان الاعتدال) قال : " أحد الأئمة الكبار الثقات، ولولا ذكر ابن عدى له لما أوردته" اهـ
ثم لم يذكر كونه حشوياً !
قال عبد الله بن أحمد : قال أبي : كان جرير بن حازم صاحب سنة.كما في ((العلل)) (1482).
وقال عبد الله : سألته (يعني أباه ) عن جرير بن حازم ، وأبي الأشهب أيهما أحب إليك ؟ قال : جرير زينته خصال ، كان صاحب سنة ، عند جرير من الحديث أمر عظيم. ((العلل)) (4394).
وقال ابن هانىء : قيل له (يعني لأبي عبد الله) : فجرير وأبو هلال ؟ فقال : جرير أحسن حديثًا ، وأحب إلي ، وأوسع في العلم ، وأقرب إلى السنة من أبي هلال. ((سؤالاته)) (2133).
وقال ابن هانىء : قال (يعني أبا عبد الله) : صاحب سنة ، وهو أحب إلي من همام ، وكان جرير يحفظ عن العلماء . ((سؤالاته)) (2250).
وقال الميموني عبد الملك بن عبد الحميد قال أبو عبد الله : جرير بن حازم ، روى عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود قال : المحرم ينكح والناس يرونه عن الأعمش عن إبراهيم موقوفًا . قال أبو عبد الله : ما أراه إلا من الشيخ . قلت : من جرير ؟ قال : نعم ، وذكر أبو عبد الله حديثه عن قتادة فقال : كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس يوقف أشياء , ويسند أشياء وسمعته في هذا المجلس يثني عليه ويترحم عليه ويقول : رجل صالح صاحب سنة وفضل وديانة . ((الضعفاء للعقيلي)) (243).
وقال العقيلي في الضعفاء ( 1 / 199 ) : ((كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس يوقف أشياء ويسند أشياء وسمعته في هذا المجلس يثنى عليه ويترحم عليه ويقول رجل صالح صاحب سنة وفضل وديانة حدثنا على بن محمد بن سلم قال حدثنا عقيل بن يحيى قال سمعت أبا داود قال كان جرير بن حازم إذا قدم قال شعبة قد جاءكم هذا الحشوي . حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا صالح قال حدثنا على قال سمعت عبد الرحمن يقول جرير بن حازم أوثق عندي من قرة بن خالد )) اهـ قلت : فهذا في أي سياق يا من يفهم ويعقل؟!
وقال عبد الله : حدثني أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت شعبة يقول:إذا قدم جرير بن حازم فوحشوا بي. ((العلل)) (5803).
و " وحشوا بي " أي ارموا بي والزموه ! وفي لسان العرب ( 6 / 368 ) : ((وَحَشَ بِثَوْبه وبسيفه وبرُمْحه خَفِيف رَمى عن ابن الأَعرابي قال والناسُ يقولون وَحَّشَ مُشَدَّداً وقال مرّة وحَشَ بثوبه وبدِرْعه ووَحَّش مخفف ومثقَّل خافَ أَن يُدْرَك فرَمى به ليُخَفِّفَ عن دابته قال الأَزهري [ صاحب تهذيب اللغة ] ورأَيت في كتابٍ أَن أَبا النجم وَحَّشَ بثيابه وارْتَدَّ يُنْشِد أَي رَمى بثيابه وفي الحديث كانَ بين الأَوْس والخَزْرج قِتال فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فلما رآهم نادى أَيُّها الناسُ اتَّقوا اللَّه حق تُقاتِه « الآيات » فوَحَّشُوا بأَسْلحتهم واعْتَنَق بعضُهم بعضاً أَي رَمَوْها قالت أُم عمرو بنت وَقْدانَ :
إِن أَنتُمُ لم تَطْلُبوا بأَخِيكُم فذَرُوا السِّلاحَ وَوَحِّشُوا بالأَبْرَقِ
وفي حديث عليّ رضي اللَّه عنه أَنه لَقي الخوارجَ فوَحَّشُوا برِماحِهم واستَلّوا السيوف ومنه الحديث كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتم من حديد ( قوله « من حديد » الذي في النهاية من ذهب ) فَوَحَّشَ به بين ظَهْرانَيْ أَصحابهِ فَوحّشَ الناسُ بخواتيمهم ، وفي الحديث أَتاه سائلٌ فأَعطاه تمرةً َوَحَّشَ بها ))انتهى
قلت : ولعل قوله ( فوحشوا بي ) تفسير لقوله ( جاءكم الحشوي ) قصد جاءكم الذي يتحاشاه غيره إذا حدث بالحديث فزل لسانه !
أما قوله (وقد روى هذا عبدالله بن أحمد في العلل والعقيلي في الضعفاء في ترجمة جرير ، وسنده كالشمس ....) اهـ
فقد مر من كتاب العقيلي ولم أجده في العلل لعبد الله بن أحمد وإنما فيها ما تقدم ورقمه (5803 ) .
قال المجهول : ((قال ابن تيمية كما في ( المنتقى من منهاج السنة ) ط 1418هـ أوقاف المملكة ص122 ( والكتاب والسنة ليس فيهما ، لفظة ( ناصبة ) ولا ( مشبهة ) ولا ( حشوية ) بل ولا فيهما لفظ ( رافضي ) فنحن إذا قلنا ( رافضة ) نذكره للتعريف ، لدخول أنواع مذمومة بالنص فيه ، فيبقى علما على هؤلاء الجهلة الذين عدموا الصدق والتوفيق )) اهـ . فإذا علمت هذا بان لك أن كل هذه الألفاظ ليست في الكتاب ولا السنة فكيف جاز إطلاقها ؟؟ نعم لا مشاحة في الاصطلاح وهذا ما عناه ابن تيمية .فإن قلت : ( الحشوية ) أطلقته المعتزلة أولاً .فالجواب من وجوه : أولاً : كلمة ( الرافضة ) أول من أطلقها الزيدية أيضاً وهم يرون الخروج أولاً، ثم هم على رأي واصل بن عطاء ثانياً ، فلو لم يجز إطلاق حشوية لأن أول من نطق بها المعتزلة وهم مبتدعة ، لما جاز إطلاق رافضة لأن أول من أطلقها الزيدية ، فالجواب على هذا هو جوابنا على ذاك ))اهـ
قلت : يتبع الكاتب سنة خبيثة من سنن سلفه متكلمة أهل الأهواء في تأليف أقيسة من منتاقضات ؛ فهو يضع ألفاظ ( الناصبة ، والمشبهة ، والرافضة ) - التي ارتضتها كافة الفرق الصفاتية المنسوبة إلي السنة في الجملة كالأشاعرة والكلابية لتعيب بها أهل الأهواء - كمقيس عليه ويجعل لفظة ( الحشوية ) - التي لم ترتضها فرقة صفاتية واحدة لا سالمية ولا كلابية ولا كرامية ولا أشعرية لتعيب بها أهل البدع - كمقيس ثم يحصل ناتجاً لمتناقضين ويحسب أنه يحسن صنعاً .
وحاله في ذلك القياس السفسطائي تذكرني بحال سلفه الكرابيسى لما ألف كتابه ( المدلسين ) وانتصر للحسن بن صالح علي شعبة وغيره من أئمة الحديث قائلاً[ ] : (( إن قلت إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج )) اهـ فيقيس الحسن بن صالح علي عبد الله بن الزبير ولما يدر بعد البون الشاسع بينهما رتبة وعلماً وفضلاً ...إلخ فلما بلغ ذلك أحمد بن حنبل قال : ((هذا قد جمع للمخالفين مالم يحسنوا أن يحتجوا به ، حذروا عن هذا )) ونهى عنه .
ومن جهل ذلك المفتون الجاهل بالمقالات والفرق أنه لم يدر أن المعتزلة إنما اخترعت لفظ ( الحشوية ) لتسم به ( الفرق الصفاتية ) كافة من سالمية وأهوازية وكلابية وأشعرية وأهل حديث فكل من أثبت الصفات عندهم فهو حشوي ولذا قال ابن النديم في الفهرست ( ص : 254 ) : (( الفن الثالث من المقالة الخامسة في أخبار العلماء وأسماء ما صنفوه من الكتب ويحتوي على أخبار متكلمي المجبرة وبابية الحشوية وأسماء كتبهم ..))اهـ
وقال في ترجمة ابن كلاب أستاذ الأشعري ( ص : 255 ) : (( ابن كلاب من بابية الحشوية وهو عبد الله بن محمد بن كلاب القطان ...))اهـ ثم ترجم لجماعة منهم الكرابيسي وأبو محمد قاضي السنة .
فجعل ابن النديم من الحشوية من كان كلابياً ؛ولذا قال الجاحظ في صدر كتابه ( خلق القرآن ) : " كتبت لك كتاباً، أجهدت فيه نفسي، وبلغت منه أقصى ما يمكن مثلي في الاحتجاج للقرآن، والرد على كل طعان. فلم أدع فيه مسألة لرافضي، ولا لحديثي، ولا لحشوي، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب النظّام، ولمن نجم بعد النظّام، ممن يزعم أن القرآن خلق، وليس تأليفه بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة،فلما ظننت أني قد بلغت أقصى محبتك، وأتيت على معنى صفتك، أتاني كتابك تذكر أنك لم ترد الاحتجاج لنظم القرآن، وإنما أردت الاحتجاج لخلق القرآن. وكانت مسألتك مبهمة، ولم أك أن أحدث لك فيها تأليفاً، فكتبت لك أشق الكتابين وأثقلهما، وأغمضهما معنىً وأطولهما، ولولا ما اعتللت به من اعتراض الرافضة، واحتجاج القوم علينا بمذهب معمر، وأبي كلدة، وعبد الحميد، وثمامة، وكل من زعم أن أفعال الطبيعة مخلوقة على المجاز دون الحقيقة، وأن متكلمي الحشوية والنابتة قد صار لهم بمناظرة أصحابنا، وبقراءة كتبنا بعض الفطنة لما كتبت لك، رغبة بك عن أقدارهم، وضناً بالحكمة عن إعثارهم، وإنما يكتب على الخصوم والأكفاء، وللأولياء على الأعداء، ولمن يرى للنظر حقاً، وللعلم قدراً، وله في الإنصاف مذهب، وإلى المعرفة سبب " اهـ
فجعل مناظري أصحابه المعتزلة حشوية ومن أشد مناظري المعتزلة وقتئذ ابن كلاب وأتباعه ومنهم الأشعري وغيره .وما أكثر أن يقرن الجاحظ وأذياله بين المشبهة والحشوية والنابتة فيسم بذلك كل من أثبت الرؤية والكلام ونحوهما لله تعالى وذلك بين في كتابه في الرد علي المشبهة .
ولذا قال الحافظ في ( لسان الميزان 3 / 290) : " فنقل عن محمد بن إسحاق النديم في الفهرست فقال كان من بابية الحشوية وله مع عباد بن سليمان مناظرات وكان يقول أن كلام الله هو الله فكان عباد يقول أنه نصراني بهذا القول قال المصنف في تاريخه كان بعد الأربعين ومائتين قلت وقد ذكره العبادي في الفقهاء الشافعية مختصراً فقال عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان ونقل الحاكم في تاريخه عن ابن خزيمة أنه كان يعيب مذهب الكلابية ويذكر عن أحمد بن حنبل أنه كان أشد الناس على عبد الله بن سعيد وأصحابه ويقال أنه قيل له ابن كلاب لأنه كان يخطف الذي يناظره وهو بضم الكاف تشديد اللام وقول الضياء إنه كان أخا يحيى بن سعيد القطان غلط وإنما هو من توافق الاسمين والنسبة وقول ابن النديم إنه من الحشوية يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات ويقال لهم المفوضة وعلى طريقته مشى الأشعري في كتاب الإبانة " اهـ
وقال (لسان الميزان 5 / 72 ):" قد ذكر له الذهبي ترجمة في تاريخ الإسلام فيمن لم يعرف له وحده على رأس الأربع مائة فقال محمد بن إسحاق ابن النديم أبو الفرج الأخباري الأديب الشيعي المعتزلي ذكر أنه صنف الفهرست سنة سبع وسبعين وثلاث مائة قال ولا أعلم متى توفي قلت ورأيت في الفهرست موضعاً ذكر أنه كتب في سنة اثنتي عشرة وأربع مائة فهذا يدل على تأخيره إلى ذلك الزمان ولما طالعت كتابه ظهر لي أنه رافضي معتزلي فإنه يسمي أهل السنة الحشوية ويسمى الأشاعرة المجبرة ويسمي كل من لم يكن شيعياً عامياً " انتهى
فلينظر الكاتب المجهول كيف ساوى بين ما تعارف عليه المنتسبون للسنة في الجملة لنبز الفرق الضالة والأهواء المارقة وما اخترعته نفاة الصفات لنبز الصفاتية وأهل الأثر .
وأما قوله : ((فإن قلت : ( الحشوية ) أطلقته المعتزلة أولاً .فالجواب من وجوه : أولاً : كلمة ( الرافضة ) أول من أطلقها الزيدية أيضاً وهم يرون الخروج أولاً ، ثم هم على رأي واصل بن عطاء ثانياً ))اهـ فبائن تدليسه فإن الذي أطلق ذلك اللقب أعنى لقب الرافضة هو زيد بن الحسين في حق قوم رفضوا دين الله وسبوا الشيخين أبا بكر وعمر وهو في ذلك النبز مصيب، أيستوي هذا ونبز اخترعه ( عمرو بن عبيد ) في حق ( عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ) وهو في ذلك مخطئ ؟!
وأهل السنة وكتبة المقالات والآراء والأهواء والملل والنحل إذ يذكرون صنيع زيد في تسمية الرافضة بذلك يمدحونه ويعتبرون اصطلاحه بخلاف اصطلاح الحشوية الذي لم يمتدحه غير صنوفٍ من الناس سينجلي حالهم عن قريب هذا فضلاً عن أن تلك اللفظة غير محدودةٍ لا بشرعٍ ولا بعرفٍ ولا بلغةٍ ولا يشهد لها نصٌ صحيحٌ ولا عقلٌ صريحٌ ولا رأيٌ رجيحٌ كما سيأتي .
وشيخ الإسلام لم يرد ما فسره ذيالك المجهول ولا لاط قلبه علي شيء من تلك المعاني الفاسدة وسيأتي بيان ذلك عنه وإن يكن المجهول صادقاً فهو كما قال المتنبي :
وهبني قلت هذا الصبح ليلٌ أيعمى العالمون عن الضياء ؟!
ثم قال : ((ثانياً :القول بأن أول من أطلق حشوية هم المعتزلة ، مبناه على ما نقل من قول عمرو بن عبيد عن عبدالله بن عمر بأنه حشوي كما نقله ابن تيمية مقلداً لغيره وقد عبّر في منهاج السنة( 2/520 ) بلفظ : (( وقد قيل : إن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد ... )) و( قيل ) صيغة تمريض تفيد الضعف ، ولا يروى عن عمرو بن عبيد بإسناد صحيح !! ))انتهى
قلت : أما عن صيغة التمريض فغير مسلمة إلا لرجل قرأ نصاً وترك آخر عمداً أو جهلاً والأخير هو خبيئة طويتي ؛ فقد قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 3 / 186 و 12 / 176 ) : " وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد وقال كان عبد الله بن عمر حشوياً فالمعتزلة سموا الجماعة حشواً كما تسميهم الرافضة الجمهور " اهـ
وهذه صيغة جزم لتقر عينك !
والذي يؤكد صحة إسنادها إليه التزام المعتزلة بها في نبز من وصف الله بصفة أو وحَّده بإثبات فعلٍ ومثل هذا يثبت بالاستفاضة لا بالأسانيد المخصوصة ثم أين الإسناد الصحيح على أن زيداً نبز الرافضة بما نبذهم ؟ هذا ثابت ولا يفتقر مثله إلى إسناد .ثم إنك قد أثبت نبز المعتزلة للأشاعرة بهذا اللقب ( الحشوية ) لما قلت : ((وقد تطلق بباطل كما يطلقها المعتزلة على جميع أهل السنة لا سيما الأشاعرة لفرط العداوة بينهم وبين المعتزلة ))اهـ فلم تعارض ثبوتَها عن مثل عمرو بن عبيد ؟! لم يضرك ثبوتُها في حق أهل ملتك من إطلاق المعتزلة وضرك كونها من عمرو بن عبيد !
ثم قال : (( ثالثاً:لا نسلم بأن عمرو بن عبيد أول من أطلقها لما نقل من إطلاق أهل السنة إياها في مجلس الحسن البصري ، ففي شرح المنهاج للإمام الإسنوي (1/309 ): فائدة : اختلف في الحشوية ، فقيل بإسكان الشين ، لأن منهم المجسمة ، والجسم محشو ، والمشهور أنه بفتحها ، نسبة إلى الحشا ، لأنهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري في حلقته فوجد كلامهم رديئاً فقال ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ، أي جانبها ، والجانب يسمى حشا ومنه الأحشاء لجوانب البطن )) اهـ
قلت : الذين ذكر أن الحسن أوعز بفعل ذلك بهم على فرض صحة الحادثة من أصلها لم تثبت عنهم بدعة ولا حكيت لهم جريرة ولا حفظت فيهم مقالة وإنما ردهم إلى حشا المجلس سنة أهل العلم فيمن عرف عنه قلة الحظ من الفهم أو عدم نقاء القريحة فإنهم كانوا لا يصدِّرون روؤس المجالس إلا من اقتفى العلم والأثر ثلاثين سنة ؛ قال أبو عاصم النبيل :" سمعت سفيان الثوري وقد حضر مجلسه شاب من أهل العلم وهو يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم على من هو أكبر منه ، قال : فغضب سفيان وقال : لم يكن السلف هكذا ، كان أحدهم لا يدعي الإمامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة وأنت تتكبر على من هو أسن منك ، قم عني ولا أراك تدنو من مجلسي" اهـ من (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي : ص 388 ) ولذا قال مالك في ( السير 8 / 108 ) : ((كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه )) اهـ وقال القعنبي( السير 10 / 259 ): ((اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة )) اهـ وكانوا رحمهم الله يقربون الأنجاب والأذكياء ويقصون السفل والمفرِّطين وعامة الناس ،ولذا قال في شرح الكوكب : ((وَسُمُّوا حَشْوِيَّةً ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَمَامَهُ.....إلخ ))اهـ الحاصل أن هذا المذهب هو المتعين في تخريج تلك الحكاية التي لا أجد للإسنوي وأمثاله عليها متابعاً .
وقد اختلف الناس في الحشوية أهي بفتح الشين أو بإسكانها فقال ابن الصلاح : إن الفتح غلط ولا يصح على ذلك تخريج حكاية الحسن لأنه قال بزعمهم ( ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ) ونقل بعضهم ( حشي ) بدلاً من ( حشا ) وهو غير مشهور وضبطها بالوجهين الزركشي والبرماوي وغيرهما وعليه الإسنوي وقد ذكر التفصيل ....والله أعلم
ثم قال : ((فإن قلت : هذا نقل بلا سند ، قلنا : وذاك نقل بلا سند ، لكن هذا مشهور بصيغة الجزم ، وذاك غير مشهور بصيغة التمريض ، فأنت بين ثلاثة أمور ، إما الجمع بينهما ، أو الترجيح ، أو إسقاطهما والتوقف ))اهـ
قلت : هذا نقل بلا سند غير مستفيض ولا معروف لا في كتب المقالات ولا غيرها بل المحكي عنهم قوم لا جريرة مذكورة لهم وأما النقل عن عمرو بن عبيد فمستفيض ومحتمل وهو من هو رأساً للبدعة والضلالة . وأما عن صيغة التمريض فقد مر الجواب . وسبيل الرد في المسألة الأخيرة هو الترجيح .
ثم قال : ((أما الجمع فنقول عمرو بن عبيد كان أحد المعتزلين لحلقة الحسن البصري وأحد من لقبهم الناس من أهل السنة بالحشوية لرداءة كلامهم ))اهـ
قلت : وهذا تخرص بلا دليل ولا تعليل ولا قرينة صحيحة إنما هو محض التكهن الكاذب ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) و ( ذلك مبلغهم من العلم ) .
ثم قال : (( فقال عمرو بن عبيد عن ابن عمر بأنه حشوي ، يقصد إن كان ما نقول في القدر ونحوه حشو فعبدالله بن عمر حشوي ، وهذا لسوء فهمه وضعف عقله ))اهـ
قلت : وهذا غلط فإن ابن عمر لا وجه لشبه كلامه بكلامهم في القدر البتة بل لما بلغته مقالتهم قال ليحيي بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن : (( إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برئ منهم وأنهم براء منى والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)) ثم ساق حديث جبريل الشهير . الحاصل أن هذا جمع لا يستقيم كما هو بين .
وقد ذكر العلامة عبد الرزاق عفيفي سبب ذلك النعت فقال في تعليقه على الإحكام للآمدي ( 1 / 229 ) : (( أول من استعمل لفظ الحشوية عمرو بن عبيد ؛ قال : كان عبد الله بن عمر حشوياً . يريد بالحشوية : الأميين !...)) اهـ
ثم قال المجهول : ((فيكون المعتزلة قابلوا بها أهل السنة بعد أن أطلقها عليهم أهل السنة ، كما فعل القدرية لما سماهم أهل السنة بذلك فقالوا لأهل السنة بل أنتم القدرية لأنكم تقولون بالقدر )) اهـ
قلت : وهذا إيغال في التخرص وتعمق في التكهن لا يستقيم مع اشتهار أن المعتزلة قد اخترعوا تلك اللفظة أولاً لا أهل السنة ولذا قال أبو حاتم : ((علامة الزنادقة تسميتهم لأهل الحديث حشوية )) اهـ
وقال الصابوني في اعتقاده ( بيان تلبيس الجهمية 1 / 106 تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ): ((وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه و سلم واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة )) اهـ
وقال في درء التعارض : ((ولكن هؤلاء الذين ابتدعوها يذمون من لم يسلكها من عوام المسلمين وعلمائهم ويسمونهم حشوية فإن لفظ الحشوية أول ما عرف الذم به من كلام المتعتزلة ونحوهم رووا عن عمرو بن عبيد أنه قال : كان عبد الله بن عمر حشوياً وهم يسمون العامة الحشو كما تسميهم الرافضة والفلاسفة الجمهور ويسمون مذهب الجماعة مذهب الحشو ))اهـ
وقال الإمام أبو إسماعيل الأصفهاني - رحمه الله - في كتابه " الحجة في بيان المحجة " ( 2 / 540 ) :
( . . وإذا رأيت الرجل يسمي أهل الحديث حشوية أو مشبهة أو ناصبة فاعلم أنه مبتدع ، وإذا رأيت الرجل ينفي صفات الله أو يشبهها بصفات المخلوقين فاعلم أنه ضال . قال علماء أهل السنة : ليس في الدنيا مبتدع إلا وقد نزع حلاوة الحديث من قلبه )اهـ
وقال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1 / 424 - 425 ) : ((وأما طعن المتخصصين من أهل الرأي والمتكلمين ،فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه أما أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل ضعيفة عند العلماء بالنقل فإذا سُئلوا عنها بينوا حالها وأظهروا فسادها فشق عليهم إنكارهم إياهم وما قالوه في معناها وهم قد جعلوها عمدتهم واتخذوها عدتهم وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم فغير مستنكر طعنهم عليهم وإضافتهم أسباب النقص إليهم وترك قبول نصيحتهم في تعليلهم ورفض ما بينوه من جرحهم وتعديلهم لأنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما أمُّوه منه وقصدوه وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه وأما المتكلمون : فهم معذورون فيما يظهرونه من الازدراء بهم والعيب لهم لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن واعتقادهم في جل ما ينقلونه وعظم ما يروونه ويتداولونه إبطاله وإكفار الذين يصححونه وإعظامهم عليهم الفريَّة وتسميتهم لهم الحشويَّة , واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين )) انتهى
وفي " الغُنْيَة "للشيخ عبد القادر الجيلاني ( 1 / 85) أن الباطنية تسمي أهل الحديث " حشوية " لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار .
وهذه الكلمة مما نبذ بها الأشاعرةُ من بعدُ أهلَ السنة " كما صنع ابن الجويني إمام الحرمين في رده على كتاب (( الإبانة )) للحافظ أبي نصر السجزي ، و ذلك قبل أن يرجع ابن الجويني و يتمنى الموت على دين عجائز نيسابور ، و كما صنع ابن فورك في كتابه ( مشكل الحديث ) ، و إني و الله ما آسى على ابن فورك و إنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك و غيره رعباً فاستسلم لهم و انقاد ورائهم "[ ] .
قلت : ومن ظرف أبي المعالي الجويني تلقيبه مخالفي قوله من النحاة بأنهم ( حشوية النحاة ) ! قال في البرهان ( 1 / 114 ) : (( وذهب بعض الحشوية من نحوية الكوفة إلى أن ( أو ) قد ترد بمعنى الواو العاطفة واستشهدوا بقوله سبحانه وتعالى وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ))اهـ وهذه قراءة حكاها الزمخشري وغيره ! قال في البحر : قرأ بذلك جعفر بن محمد ولم يستنكره أبو حيان .قلت : وإلى هذا ذهب الأخفش والجرمي وجمهور الكوفيين . الحاصل أنه رجل صاحب دعاوى ومغاليط كثير السهو والزلل وهو - أو أبوه - القائل : ((أَلَا تَرَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ( المولود سنة 164 هـ ) كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ ( يعني بذلك الشافعي المولد سنة 150 هـ) ، وَكَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الْعِلْمِ ، وَكَانَ يَأْخُذُ بِرِكَابِهِ فَيَتْبَعُهُ ، وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ ))اهـ
ثم قال المجهول : ((وأما الترجيح وهو بالقرائن أو بالشواهد ، فليس عندك ما يرجح قولك على قولنا ، فلا يكون قولك أولى من قولنا ، ونحن عندنا لأنا مثبتون لقولها من الأقدم وأنتم نافون ، والمثبت مقدم على النافي ، ولأن قولنا هو المشهور كما قال الإسنوي ، وقولكم غير مشهور ، ولأن أهل السنة أطلقوه على المبتدعة وهذا كله مرجح لقولنا دون قولكم ))اهـ
قلت : ليس لديك شاهد كما تقدم في إبطال تلك القعاقع والفراقع والدعاوي الفارغة وأما أن نكون نفاة لما لم يقع فذلك الأصل فمدار صدق حدوث الحادثة على النقل إذ الأصل عدم الحدوث ولذا فالنافي معه الأصل فقوله المقدم حتي يثبت خلافه وأما المثبت بلا دليل ولا قرينة فعلى قوله العفا وتربت يداه من الثرى . والإسنوى لم يحك قولك ثم قال إنه المشهور وإنما قال إن المشهور ( الحشوية ) بفتح الشين وهذا ليس موضع النزاع .وأما أن يكون أهل السنة أطلقوه على المبتدعة فأي أهل السنة أطلقه علي المبتدعة أيها المُعكِّس للحقائق؟ فاعرف السنة تعرف أهلها .
ثم قال : ((وأما التوقف في النقلين بإسقاطهما ، ثم النظر في غيرهما ، فقد وجدنا نحن من أطلقها من أهل السنة من أئمة أهل الحديث ، فقد روى الحاكم في ( علوم الحديث ) ص137 في باب ( معرفة مذاهب المحدثين ) وقد ذكر الجـهـمـيـة والقدرية والشيعة والإرجاء .. ثم قال : أخبرني أبو علي الحافظ قال أخبرني علي بن مسلم الإصبهاني قال حدثنا عقيل بن يحيى الإصبهاني قال سمعت أبا داود يقول : (( كان جرير بن حازم إذا قدم قال شعبة : قد جاءكم هذا الحشوي )) اهـ وهذا إسناد صحيح متصل ورجاله كلهم ثقات ، وقد روى هذا عبدالله بن أحمد في العلل والعقيلي في الضعفاء في ترجمة جرير ، وسنده كالشمس .فهذا شعبة إمام من أئمة أهل السنة أطلق هذا على جرير بن حازم )) انتهى
قلت :نعم ، هذا ثابت عن شعبة في حق جرير بن حازم ولكن ذلك من باب المشاكلة[ ] لا الجرح واللمز فكأن شعبة يقول : جاءكم مثبت الصفات لأن الجهمية يسمون مثبت صفات الله له بالحشوي والمشاكلة معروفة في كتاب الله قال الله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وفي الآثار ؛قال عمر في صلاة التراويح ( نعمت البدعة ) وروي عنه ( ما ابتدع المسلمون بدعة أفضل من صلاة الضحى ) ومثله عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة مع أنه القائل : (وقال ابن عمر – رضي الله عنهما – :" كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة !!" (6)، وفي شعر العرب ؛ قال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ومن ذلك قول الشافعي ( رحمه الله ) :
إن كان رفضاً حب آل محمدٍ فليشهد الثقلان أني رافضي
ومنه قول الشاعر :
فإن كان ذنبي حبكم وولاءكم فإني مصرٌّ ما بقيت على الذنب
ومنه قول ابن تيمية :
إن كان نصباً ولاء الصحاب فإني كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضاً ولا آله فلا برح الرفض من جانبي
وغير ذلك كثير .
ولا يروعك ذلك التخريج منا إذ علمت أن الحاكم قال في خطبة كتابه ( معرفة علوم الحديث ) : " سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول سمعت أحمد بن سنان القطان يقول : ليس في الدنيا متبدع إلا وهو يبغض أهل الحديث وإذا ابتدع الرجل نُزع حلاوة الحديث من قلبه
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول سمعت أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول ليس شي أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد . قال أبو عبد الله : وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية " انتهى
إذا علمت هذا زدتك أن أهل العلم إنما أوردوا ذلك في حق جرير في سياق المدح لا الذم ولذا لما ترجم له الذهبي في (ميزان الاعتدال) قال : " أحد الأئمة الكبار الثقات، ولولا ذكر ابن عدى له لما أوردته" اهـ
ثم لم يذكر كونه حشوياً !
قال عبد الله بن أحمد : قال أبي : كان جرير بن حازم صاحب سنة.كما في ((العلل)) (1482).
وقال عبد الله : سألته (يعني أباه ) عن جرير بن حازم ، وأبي الأشهب أيهما أحب إليك ؟ قال : جرير زينته خصال ، كان صاحب سنة ، عند جرير من الحديث أمر عظيم. ((العلل)) (4394).
وقال ابن هانىء : قيل له (يعني لأبي عبد الله) : فجرير وأبو هلال ؟ فقال : جرير أحسن حديثًا ، وأحب إلي ، وأوسع في العلم ، وأقرب إلى السنة من أبي هلال. ((سؤالاته)) (2133).
وقال ابن هانىء : قال (يعني أبا عبد الله) : صاحب سنة ، وهو أحب إلي من همام ، وكان جرير يحفظ عن العلماء . ((سؤالاته)) (2250).
وقال الميموني عبد الملك بن عبد الحميد قال أبو عبد الله : جرير بن حازم ، روى عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود قال : المحرم ينكح والناس يرونه عن الأعمش عن إبراهيم موقوفًا . قال أبو عبد الله : ما أراه إلا من الشيخ . قلت : من جرير ؟ قال : نعم ، وذكر أبو عبد الله حديثه عن قتادة فقال : كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس يوقف أشياء , ويسند أشياء وسمعته في هذا المجلس يثني عليه ويترحم عليه ويقول : رجل صالح صاحب سنة وفضل وديانة . ((الضعفاء للعقيلي)) (243).
وقال العقيلي في الضعفاء ( 1 / 199 ) : ((كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس يوقف أشياء ويسند أشياء وسمعته في هذا المجلس يثنى عليه ويترحم عليه ويقول رجل صالح صاحب سنة وفضل وديانة حدثنا على بن محمد بن سلم قال حدثنا عقيل بن يحيى قال سمعت أبا داود قال كان جرير بن حازم إذا قدم قال شعبة قد جاءكم هذا الحشوي . حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا صالح قال حدثنا على قال سمعت عبد الرحمن يقول جرير بن حازم أوثق عندي من قرة بن خالد )) اهـ قلت : فهذا في أي سياق يا من يفهم ويعقل؟!
وقال عبد الله : حدثني أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت شعبة يقول:إذا قدم جرير بن حازم فوحشوا بي. ((العلل)) (5803).
و " وحشوا بي " أي ارموا بي والزموه ! وفي لسان العرب ( 6 / 368 ) : ((وَحَشَ بِثَوْبه وبسيفه وبرُمْحه خَفِيف رَمى عن ابن الأَعرابي قال والناسُ يقولون وَحَّشَ مُشَدَّداً وقال مرّة وحَشَ بثوبه وبدِرْعه ووَحَّش مخفف ومثقَّل خافَ أَن يُدْرَك فرَمى به ليُخَفِّفَ عن دابته قال الأَزهري [ صاحب تهذيب اللغة ] ورأَيت في كتابٍ أَن أَبا النجم وَحَّشَ بثيابه وارْتَدَّ يُنْشِد أَي رَمى بثيابه وفي الحديث كانَ بين الأَوْس والخَزْرج قِتال فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فلما رآهم نادى أَيُّها الناسُ اتَّقوا اللَّه حق تُقاتِه « الآيات » فوَحَّشُوا بأَسْلحتهم واعْتَنَق بعضُهم بعضاً أَي رَمَوْها قالت أُم عمرو بنت وَقْدانَ :
إِن أَنتُمُ لم تَطْلُبوا بأَخِيكُم فذَرُوا السِّلاحَ وَوَحِّشُوا بالأَبْرَقِ
وفي حديث عليّ رضي اللَّه عنه أَنه لَقي الخوارجَ فوَحَّشُوا برِماحِهم واستَلّوا السيوف ومنه الحديث كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتم من حديد ( قوله « من حديد » الذي في النهاية من ذهب ) فَوَحَّشَ به بين ظَهْرانَيْ أَصحابهِ فَوحّشَ الناسُ بخواتيمهم ، وفي الحديث أَتاه سائلٌ فأَعطاه تمرةً َوَحَّشَ بها ))انتهى
قلت : ولعل قوله ( فوحشوا بي ) تفسير لقوله ( جاءكم الحشوي ) قصد جاءكم الذي يتحاشاه غيره إذا حدث بالحديث فزل لسانه !
أما قوله (وقد روى هذا عبدالله بن أحمد في العلل والعقيلي في الضعفاء في ترجمة جرير ، وسنده كالشمس ....) اهـ
فقد مر من كتاب العقيلي ولم أجده في العلل لعبد الله بن أحمد وإنما فيها ما تقدم ورقمه (5803 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق