الأحكام السلطانية للقاضي المارودي: أسئلة وأجوبة(1)

الأحكام السلطانية للقاضي المارودي: أسئلة وأجوبة


البَابُ الأَوَّلُ
عَقْدُ الإمَامَةِ
س1: ما حكم طاعة ولاة الأمور؟! ج1: حكمها الوجوب لقوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. ولقوله صلى الله عليه وسلم:" {سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ فَيَلِيكُمْ الْبَرُّ بِبِرِّهِ ، وَيَلِيكُمْ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ}.
س2: ما حكم تنصيب الإمام؟ ج2: فرضٌ على الكفايةِ، إذا قام به من يتعيَّنُ في حقِّهِ، سقط عن الباقين التكليفُ والإثمُ.
س3: إن لم يقم بالإمامة أحد فعلى من يتعين تولي أمر تنصيب الإمام؟ ج3: على طائفتين من الناس: الأولى: أهل الاختيار(الحل والعقد) حتى ينصبوا إمامًا. الأخرى: أهل الإمامة حتى يصير أحدهم إمامًا.




س4: ما الشروط المعتبرة في أهل الاختيار؟ ج4: ثلاثة شروط: 1) العدالة([1]). 2) العلم الذي يعرفون به المستحق للإمامة. 3) الرأي والحكمة.
س5: ما الشروط المعتبرة في أهل الإمامة؟ ج5: سبعة شروط: 1) العدالة. 2) العلم المؤدي للاجتهاد في النوازل. 3) سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان. 4) سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ . 5) الرأي المفضي إلى التدبير وسياسة الرعية. 6) الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية بيضة الإسلام وجهاد العدو. 7) أن يكون قرشيًا في النسب. لقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ}. س6: ما أوجه(طرق) انعقاد الإمامة ؟ ج6: وجهان: 1)اختيار أهل الحل والعقد. 2)عهد الإمام السابق له. وذلك ثابت بالإجماع وبفعل أبي بكر وعمر. 3)الغلبة بالسيف والقوة([2]).
س7: ما عدد من تنعقد بقولهم من أهل الحل والعقد الإمامة؟ ج7: فيهم مذاهب: 1) جمهور أهل الحل والعقد من كل بلد. قال:" وهذا مدفوع بخلافة أبي بكر" فإنه لم يبايعه إلا أهل الحل والعقد ممن كان في المدينة. 2) أقل من تنعقد بهم الإمامة خمسة: لوجهين: الأول: أن أبا بكر بايعه خمسة هم: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَبِشْرُ بْنُ سَعْدٍ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، ثم تابعهم الناس فبايعوه. الثاني: عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الشُّورَى فِي سِتَّةٍ لِيُعْقَدَ لِأَحَدِهِمْ بِرِضَا الْخَمْسَةِ. ثم قال:" وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ". 3) تنعقد بثلاثة: أحدهم حاكم والآخران شاهدان كما في النكاح ولي وشاهدان. قاله بعض علماء الكوفة. 4) تنعقد بواحد. قالته طائفة.
س8: من يقدم لو تكافأ(تساوى) في شروط الإمامة اثنان؟ ج8: يقدم الأسن، وإن كان السن بله البلوغ غير مشروط.
س9: لو كان أحدهما أعلم والآخر أشجع؟ ج9: يراعى في الاختيار حكم الوقت، فإن كانت الحاجة إلى شجاع يذود عن حياض الإسلامة قدم الأشجع، وإن كانت الحاجة إلى فضل علم لقمع البدع ورفع الجهل قدم الأعلم.
س10: إذا تكافأ اثنان في الشروط واستويا في السن من يقدم؟ ج10: يقرع بينهما. وقيل: يختار أهل الحل والعقد من شاءوا.
س11: هل يجوز خلع الإمام بعد انعقاد بيعته إذا تبين لأهل الحل والعقد أن غيره أفضل منه؟ ج11: لا يجوز.
س12: هل يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد؟ ج12: نعم يجوز إذا كانا في بلدين، أما في بلد واحد فلا([3]).
س13: هل يصح أن ينفرد الإمام بعقد الولاية من بعده لولده أو والده؟ ج13: فيه ثلاثة مذاهب: 1) لا يجوز في حال الولد والوالد إلا أن يشاور أهل الحل والعقد فيرون ولي العهد أهلًا لذلك. 2) يجوز مطلقًا لأنه نافذ الأمر في رعيته فلا يتهم في أمانته ولا يعارض في أمره. 3) يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده دون ولده، لأن الطبع يبعث على ممايلة الولد أكثر من ممايلة الوالد. أما عقدها لأقاربه وإخونه فهو كعقدها للأجانب لا خلاف في جواز تفرده في ذلك.
س14: لو عهد الإمام لاثنين أحدهما بعد الآخر، فخلع الأول نفسه فهل تصح بيعة الثاني؟ ج14: لا يصح حتى يبتدئ.
ج15: هل تعتبر شروط الإمامة في ولي العهد من وقت العهد أم بعد موت الإمام المولِّي؟ ج15: تعتبر من وقت العهد إليه. فإن كان صغيرًا أو فاسقًا وقت العهد وبالغًا عدلًا بعد موت المولِّي لم تصح خلافته حتى يستأنف أهل الحل والعقد بيعته.
س16: هل يصح عهد الإمام لغائب مجهول الحياة؟ ج16: لا يصح.
س17: فإن كان معلوم الحياة وموقوفًا انعقاد بيعته على قدومه؟ ج17: يستقدمه أهل الحل والعقد، فأن كان بعيدًا عن البلد واستضر المسلمون بغيبته نظر أهل الحل والعقد فاستنابوا عنه نائبًا يبايعونه على النيابة دون الخلافة فإذا قدم الخليفة انعزل النائب، وصار أمره مردودًا بعد أن كان ماضيًا.
س18: هل يجوز أن ينقل ولي العهد ولاية عهده إلى غيره؟ ج18: لا يجوز لأن الخلافة لا تستقر له إلا بعد وفاة المستخلِف، فولي العهد لا يستطيع نقل ولاية العهد حال كونه ولي عهد(أي في حياة من ولاه)، وكذلك لا يصح توليته رجلًا العهد كان يقول وهو ولي عهد: فلان ولي عهدي إذا صرت خليفة. لأن تولية رجل العهد لا تصح إلا من خليفة.
س19: إذا خلع الخليفة نفسه وكان له ولي عهد فهل تصح خلافته وتنعقد بيعته؟ ج19: نعم، وإن كان عهد بولاية العهد إلى اثنين أو أكثر اختار أهل الحل والعقد أحدهم.
س20: إذا عهد الإمام إلى رجال عينهم، ثم مات وتولى أحدهم باختيار أهل الحل والعقد هل يجوز له أن يولي العهد أحدًا غير من عينهم الأول؟ ج20: نعم يجوز.
س21: هل يصح من الإمام أن يعين رجالا للاختيار كما يعين رجالا للعهد؟ ج21: نعم يجوز للإمام أن ينص على أهل الحل والعقد كما ينص على أهل العهد لأن ذلك من حقوق خلافته.
س22: هل يجوز للخليفة أن يعين للعهد رجالا يرتب فيهم الخلافة بعده كأن يقول: فلان بعدي خليفة فإذا مات فبعده فلان فإذا مات فبعده فلان؟ ج22: نعم يجوز كما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على مؤتة زيد بن حارثة وَقَالَ فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ أُصِيبَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا. وعهد سليمان بن عبد الملك لعمرو بن عبد العزيز وبعده إلى يزيد بن عبد الملك. وهارون الرشيد رتبها في ثلاثة من بنيه.
س23: فإن مات الخليفة فتولى ولي عهده فهل له أن يولي العهد لرجل غير من عينه الخليفة الأول بعده؟ ج23: في جواز ذلك خلاف. وجمهور الخلفاء على جوازه.
س24: إذا قال الخليفة قد عهدت لفلان فإذا ولي الخلافة بعدي ثم مات فالخلافة بعده لفلان؟ ج24: لا تصح خلافة الثاني، لأن عهد الخليفة إليه في خلافة الأول وليس في خلافته هو، إنما يجوز إذا قال: العهد بعدي لفلان ثم فلان.[أي يعهد إليه في الحال(حال خلافته) لأن قوله في الثاني غير نافذ في خلافة الأول].
س25: هل يلزم كافة الأمة معرفة الإمام بعينه واسمه؟ ج25: لا يلزم، إنما عليهم أن يعرفوا أن الخلافة أفضت إلى مستحقها بصفاته. ويلزم أهل الحل والعقد معرفة اسمه وعينه. وقال سليمان بن جرير: يجب ذلك على الجميع. وقال الجمهور: تلزم الكافة على الجملة دون التفصيل وليس على كل احد أن يعرفه إلا عند النوازل التي تحوج إليه.
س26: هل يجوز أن يقال للإمام: خليفة الله أو خليفة رسول الله؟ ج26: في جواز(خليفة الله) خلاف والجمهور على عدم الحواز بل نسبوا قائله إلى الفجور، وقال المصنف: يجوز أن يقال له: خليفة رسول الله!
س27: ما الأمور العامة التي تلزم الإمام؟ ج27: عشرة أمور: 1) حفظ الدين على أموره المستقرة، وإجماع سلف الأمة. 2) تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتخاصمين. 3) حماية البيضة والذب عن الحريم ليأمن الناس على نفوسهم وأموالهم وحرمهم. 4) إقامة الحدود. 5) تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة. 6) جهاد من عاند الإسلام بعد أن بلغته الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة. 7) جباية الفئ والصدقات. 8) تقدير العطايا وما يستحق من بيت المال. 9) استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال. 10)أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمور وتدبير الأمة ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة.
س28: ما هي أقسام ولايات خلفاء الإمام؟ ج28: أربعة أقسام: 1) من تكون ولايته عماة في الأعمال العامة كالوزراء. 2) من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة كأمراء الأقاليم والبلدان. 3) من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة كقاضي القضاة ونقيب الجيوش. 4) من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة كقاضي بلد أو إقليم.
[1] - قال المناوى في التوقيف:" العدالة لغة الاستقامة وشرعا الاستقامة في طريق الحق بتجنب ما هو محظور في دينه وقيل صفة توجب مراعاتها التحرز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرا فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تخل بالمروءة ظاهرا لاحتمال الغلط والسهو والتأويل بخلاف ما إذا عرف منه ذلك وتكرر فيكون الظاهر الإخلال ويعتبر عرف كل شخص وما يعتاد في لبسه كذا في المفردات وفي جمع الجوامع وشرحه العدالة ملكة راسخة في النفس تمنع عن اقتراف كل فرد فرد من الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة وتطفيف ثمرة والرذائل الجائزة كبول بطريق وأكل غير سوقي به"انتهى
[2] - لم يذكره الماوردي ، وذكره غيره. قال الإمام الشافعي:" من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ويجمع الناس عليه فهو خليفة"(مناقب الشافعي). ونقل القاضي عن أحمد:" ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة أو تسمى بأي اسم آخر وُسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا برًا كان أو فاجرًا"(الأحكام السلطانية لأبي يعلى).
وقال الحافظ في الفتح:" وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء"(فتح الباري).



[3] - خالف في ذلك الماوردي وقال:" لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمَّةِ إمَامَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ شَذَّ قَوْمٌ فَجَوَّزُوهُ". قال الحافظ ابن كثير في تفسيره:" فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام: "من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنًا من كان". وهذا قول الجمهور، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين، وقالت الكرامية: يجوز نصب إمامين فأكثر كما كان علي ومعاوية إمامين واجبي الطاعة، قالوا: وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمامة؛ لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف، وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما، وتردد إمام الحرمين في ذلك، قلت: وهذا يشبه حال خلفاء بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب"(تفسير ابن كثير).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق