المنهجُ المقترحُ في دراسةِ علمِ الصَّرْفِ



المنهجُ المقترحُ في دراسةِ علمِ الصَّرْفِ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد سألني أحد الأخوة الأكارم وبعض العلية الأماجد أن أكتب له منهجًا مستوعبًا في دراسة فن التصريف أنحو فيه نحو ما كتبته من منهج دراسة فن النحو، فوقع في قلبي أهمية سؤاله وتصورت ما في إجابة هذا الأمر وتِحْمَالِه، فعزمت على كتابة هذا المنهج مستعينًا بالله مستوثقًا بحبله وعراه، والله حسبي ونعم الوكيل....
لمحةٌ عن أهميةِ الصَّرْفِ:
لا يخفاك أخي العزيز فهمك الله العلم أهمية هذا الفن وأنه لا سبيل إلى فهم الكتاب والسنة دونه ولذا قال السيوطي رحمه الله لما ذكر العلوم التي يحتاج إليها المفسر:" الثالث التصريف لأن به تعرف الأبنية والصيغ قال ابن فارس ومن فاته علمه فاته المعظم لأن وجد مثلا كلمة مبهمة فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها وقال الزمخشري من بدع التفاسير قول من قال إن الإمام في قوله تعالى يوم ندعو كل أناس بإمامهم جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم قال وهذا غلط أوجبه جهل بالتصريف فإن أما لا تجمع على إمام"انتهى
وقيل لبعضهم: ما معنى ((نكتل)) في قوله تعالى{فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(يوسف:63) ؟
فقال:" نكتل" هو أخو يوسف! ولم يدر أن "نكتل" فعل مضارع من "كال" "يكيل" أسند إلى جمع المتكلمين فصار" نكتال" ثم جزم في جواب الطلب فأصبح"نكتل" لأنه قد سكن آخره، وما قبل الآخر كان ساكنًا"نكتالْ" ولا يجتمع ساكنان فحذف الألف فصار "نكتل".

ويبدو حفظني الله وإياك أن الجهل بالتصريف غير عارض في عصرنا دون ما قبله من الأعصار، يدلك على ذلك شكاية الأئمة من قبلنا للجاهلين بهذا الفن مع تصدره للتدريس علوم الشرع!!

قال ابن عبد السلام:" وعلم القضاء وإن كان أحد أنواع علم الفقه، ولكنه متميز بأمور لا يحسنها كل الفقهاء، وربما كان بعض الناس عارفاً بفصل القضاء ، وإن لم يكن له باع في غير ذلك من أبواب الفقه ، كما أن علم الفرائض كذلك، وكما أن علم التصريف من علم العربية، وأكثر أهل زماننا لا يحسنونه ، وقد يحسنه من هو دونهم في بقية العربية"انتهى

ولقد جربت ذلك بنفسي ولك أن تجربه بنفسك: كنت أسأل كثيرًا ممن يحسبون أنفسهم أهلًا للتصدر وتعليم الناس الشريعة وبعضهم يظن أن الاستغناء عن العربية غير مضير للفقيه المتكلم في الشرع كنت أسألهم وأقول لهم: ما وزن(ازدان) و(ارعوى)؟! فما ينبثون ببنت شفة، وقلت لبعضهم: صُغْ فعلَ أمرٍ من (يفي) ثم أسندْهُ إلى جماعة النسوة؟ فما أحار جوابًا!

ويكفيك في الإشارة العجلة إلى أهمية هذا الفن أن الجاهل به لا يفرق بين المضارع الذي على وزن (يفعَل) والآخر الذي على زنة(يفعُل)، وكذلك لا يحسن الإتيان بأسماء الآلات من بعض الأفعال المناسبة، ناهيك عن كونه لا يميز الصفة المشبهة عن صيغة المبالغة أحيانًا كثيرة.
الحاصلُ:
أن فن الصرف فن جليل الفائدة ودراسته من أهم المهمات لمن أراد التبحر في العلوم الشرعية لا سيما علم التفسير....
وقد قسمت مراحله إلى أربع مراحل([1]):

المرحلةُ الأولى:
1)   دروس التصريف للأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد.
2) نزهة الطرف في علم الصرف للميداني، وإن استطعت فادرس قبلها شيئًا من المقررات الدراسية في الصرف لتكون تمهيدًا لك للنزهة حتى تجدها نزهة كاسمها ولا يغلق عليك فهمها.
3) شرح لامية الأفعال لابن الناظم، وكذلك النظر في توشيح اللامية مشروحًا. وإن شئت أن تدرس (إيجاز التعريف في علم التصريف) لابن مالك فافعل.

المرحلةُ الثانيةُ:
1)   شذا العرف في فن الصرف للحملاوي.
2)   شرح الرضى على الشافية لابن الحاجب.

المرحلةُ الثالثةُ:
1)   الممتع في التصريف لابن عصفور.
2) المنصف لابن جني ولا يخفاك أن ابن جني من أحذق خلق الله بالتصريف وهو أحذق فيه منه في النحو([2])، وفي الخصائص له أشياء مفيدة فيه.

المرحلةُ الرابعةُ:
وفيها يعتنى بقراءة المفاريد في الفن والأبحاث الموسوعة في مسائله ونوادر كتبه ونكته وضوابطه وألغازه.

وفي (نظري!) من انتهى في دراسته حتى أتقن الممتع لابن عصفور و"المنصف" لابن جني فإمامته في عصرنا غير مستبعدة لشيوع الجهل وعموم البلوى بأهله، والله المستعان.
ومن أتقن الشذا واللامية وشرحها صار طالب علم في الفن، فإن أتقن شرح الرضى فله أن يُدَّرِسَ التصريف لغيره.

تنبيهٌ: التصريف في الأصل جزء من النحو ولذا تجد مسائله عند المتقدمين في كتب النحو كثيرًا ككتاب سيبويه وغيره، ولذا فلا يستغنى عن كتب النحو للإحاطة به لمن أراد التخصص فيه، وكذلك الاشتقاق داخل فيه وبعضهم يجعله خارجًا عنه والأمر قريب.
ثم إني أوصيك أخيرًا بالجد في الطلب والابتهال إلى الله تعالى بالليل والنهار أن ييسر العلم لك ويعينك عليه، ثم إنك ستجد أقوامًا يحاولون صرف همك عنه وتثبيط همتك فيه فإياك وإياهم! وفقني الله وإياك لتحصيل العلم ودقة الفهم.

وكتبه الحامدُ لربِّه المصلِّي علي نبيِّهِ/ وليدٌ الأمويُّ.



[1] ) لا يخفى عليك نفع المرحلية والتدرج في الطلب فإنه سنة أهل العلم، قال أبو عمر ابن عبد البر:" طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف -رحمهم الله- ومن تعدى سبيلهم عامدًا ضلَّ ، ومن تعداه مجتهدًا زلَّ" انتهى من جامع بيان العلم وفضله.

[2] ) وسبب طلبه للصرف أنه كان يقرأ النحو بجامع الموصل فمر به أبو علي الفارسي فسأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها، فقال له أبو علي: (تزببتَ قبل أن تتحصرمَ) فلزمه من يومئذ مدة أربعين سنة(!!) واعتنى بالتصريف ولما مات أبو علي تصدر ابن جني مكانه.
راجع ترجمته في: معجم الأدباء (12 / 81 – 115)، إنباه الرواة(2 / 335 – 340)، بغية الوعاة(2 / 132)، نزهة الألباء(332 – 334)، تاريخ بغداد(11 / 311، 312).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق