التَّعَقُّبُ السَّدِيدُ لِكِتَابِ القَوْلِ المفيدِ في أدلةِ التَّوْحِيدِ للشيخ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهابِ الوَصَّابِي


التَّعَقُّبُ السَّدِيدُ
لِكِتَابِ
القَوْلِ المفيدِ في أدلةِ التَّوْحِيدِ
للشيخ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهابِ الوَصَّابِي
كَتَبَهَا
وليدُ بنُ حُسْنِي بنِ بَدَوِي بنِ مُحَمَّدٍ الأمويُّ
عفا الله عنه

مُقَدِّمَةٌ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء : 1 ] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب : 70 ، 71 ] .

أما بعد :
فقد قال  ابن عساكر (الجهمي!): " يجب علي المسلمين في جميع أدوار بقائهم أن يتفرغ منهم جماعة لتتبع أنواع الآراء السائدة في طوائف البشر والعلوم المنتشرة بينهم وفحص كل ما يمكن أن يأتي من قبله ضرر المسلمين لا سيما في المعتقد الذي لا يزال ينبوع كل خير ...." اهـ

ولم تزل جادة أهل العلم ترك تعقب مصنفات العلماء - التي قلت مواطن الزلل فيها لئلا يكون ذلك باعثاً لطالبي النفع منها إلي العدول عنها إلي غيرها مما هو أقل نفعاً وأكثر ضرراً وأسوأ في العاقبة وأبتر من الفائدة .

وتلك سجية محمودة ومنقبة مقبولة وجادة ذليلة وقاعدة جليلة لتحصين كتب أهل العلم من أن يتجرأ عليها من يحسن ومن لا يحسن أو يتلاعب بها أهل الريبة والظنة وسوء الخبيئة والطوية ولكن لما رأيت النفع الجليل والزلل القليل كلاهما متعيناً في كتاب (القول المفيد في أدلة التوحيد) رجوت أن يبين أحدهما عن الآخر وأن يظل اولهما دون الثاني رغبة في بقاء نفعه غير مكدر بشوائب الزلل فتعقبت ذلك الكتاب النافع الذي قرظه جمع من أهل العلم معتمداً في ذلك طبعة مكتبة الإرشاد اليمنية (الطبعة الأولى:1427هـ) وهي الطبعة السابعة للكتاب.

وعليه تقاريظ جملة من المشتغلين بالعلم وهم([1]):
§ أحمد بن أحمد سلامة.
§ محمد بن سعيد الشيباني.
§ محمد بن علي مكرم الطسي.
§ مقبل بن هادي الوادعي.
§ محمد بن إسماعيل العمراني.
§ عبد الله الوظاف الشرفي.
§ أحمد بن يحيي النجمي.
هذا وإلى الله المشتكى، وهو المستعان، وبه المستغاث، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

التَّعَقُّبُ الأوَّلُ
ص32: قال:" الثامن (أي من شروط الإيمان بلا إله إلا الله): الكفر بالطواغيت وهي المعبودات من دون الله" انتهى.



قلت: تعريف الطاغوت أعمُّ من ذلك، ويشمل أنواعًا أخرى غيرالمعبودات من دون الله، وذكر هذه الأنواع أنسبُ من تركه لا سيما وقد ذكر المؤلف الطاغوت مجموعًا فقال:(الكفر بالطواغيت).
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد كلام كثير في معنى الطاغوت، وذكرِ أقوالِ العلماءِ فيه([2]):" فتحصل من مجموع كلامهم رحمهم الله: أن اسم الطاغوت، يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال، يدعو إلى الباطل، ويحسنه؛ ويشمل أيضاً: كل من نصبه الناس، للحكم بينهم، بأحكام الجاهلية، المضادة لحكم الله، ورسوله؛ ويشمل أيضاً: الكاهن، والساحر، وسدنة الأوثان، الداعين إلى عبادة المقبورين، وغيرهم"انتهى

التَّعَقُّبُ الثاني
ص : 37 قوله في شروط ( شهادة أن محمداً رسول الله ) :"الشرط الخامس: محبته أشد من محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين ....ثم ساق حديث أنس وأبي هريرة وعبد الله بن هشام رضي الله عنهم".انتهى



جعل المصنف ذلك الشرط ( محبته أشد من محبة النفس ....إلخ) قريناً لشرط (الاعتراف برسالته واعتقادها ...) ونحوه وليس الأمر كذلك فشرط الاعتراف برسالته ونحوه لا ينعقد الإيمان إلا به بخلاف شرط (محبته أكثر من النفس والولد والوالد) وعمر (رضي الله عنه) عند قوله (لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء الا من نفسي ) كان مؤمناً بالاتفاق، لا يقال: كان واقعًا في الكفر معذورًا بالجهل.
وإنما ذلك الشرط الذي وضعه المصنف هو شرط لتحقيق الإيمان الواجب لا أصل الإيمان.
قال الخطابي([3]): " حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وانما أراد عليه الصلاة و السلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب وأما تقرير بعض الشراح الآن صار إيمانك معتداً به إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب في العبارة وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالإشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره الحديث الثامن والتاسع " انتهى

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ([4]) " قوله لا يؤمن أحدكم أي لا يحصل له الايمان الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب حتى يكون الرسول أحب"انتهى

وقال([5]):" وفيه أن الأعمال من الإيمان لأن المحبة عمل وقد نفي الإيمان عمن لم يكن الرسول صلى الله عليه و سلم أحب إليه مما ذكر فدل على ذلك. وفيه أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام"انتهى

وقال صاحب القول المفيد في شرح كتاب التوحيد :" قوله في حديث أنس : " لا يؤمن " . هذا نفي للإيمان ، ونفي الإيمان تارة يراد به نفي الكمال الواجب ، وتارة يراد به نفي الوجود ، أي : نفي الأصل .

والمنفي في هذا الحديث هو كمال الإيمان الواجب ، إلا إذا خلا القلب من محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إطلاقاً ، فلا شك أن هذا نفي لأصل الإيمان"انتهى

ورحم الله الإمام ابن القيم القائل في حق النبي صلى الله عليه وسلم:
ورسولُهُ فهو المطاعُ وقولُه المـ ... ـقبولُ إذ هو صاحبُ البرهانِ
والأمرُ منه الحتمُ لا تخييرَ فيـ ... ـهِ عند ذي عقلٍ وذي إيمانِ
من قال قولًا غيرَهُ قمنا على ... أقوالِهِ بالسَّبْرِ والميزانِ
إن وافقت قولَ الرسولِ وحكمَهُ ... فعلى الرؤوسِ تُشَالُ كالتيجانِ
أو خالفت هذا رددناها على ... من قالها من كان من إنسانِ
أو أشكلت عنا توقفنا ولم ... نجزمْ بلا علمٍ ولا برهانِ
هذا الذي أدى اليه علمُنا ... وبه ندينُ الله كلَّ أوانِ
فهو المطاعُ وأمرُهُ العالي على ... أمرِ الورى وأوامرِ السُّلطانِ
وهو المقدمُ في محبتِنا على الـ ... أهلينَ والأزواجِ والولدانِ
وعلى العبادِ جميعِهم حتى على النـ ... فسِ التي قد ضمَّها الجنبانِ

التَّعَقُّبُ الثَّالِثُ
ص : 45 قوله ( نواقض الإسلام عشرة ) اهـ
وقوله ( الناقض الثاني : الردة عن الإسلام مختارًا ....)انتهى. 



قلت : الأولى أن يقول ( نواقض الإسلام العشرة ) أو ( من نواقض الإسلام ) ثم يسوق العشرة المشهورة ؛ قال الشيخ العلامة ابن باز : " ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم رحمهم الله جميعاً " اهـ

وقال الإمام المجدد([6]) :" اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة " اهـ
والأولى في الناقض الثاني أن يقول : ( الردة عن الإسلام غير مكره ) اهـ بدلاً من كلمة ( مختاراً ) لأنها أدق وأحرز قال الإمام المجدد :" ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره " اهـ

ولأن قوله(مختارًا) يوهم قليل الفطنة أنه يشترط في وقوع الكفر على فاعله اختيار الكفر، وهذا غير صحيح فالمرء الفاعل للكفر يقع عليه الكفر ما دام مختارًا للفعل.


التَّعَقُّبُ الرَّابِعُ
ص : 49 قوله:( الناقض السادس: من استهزأ بالله أو الرسول أو القرآن .......أو اللحية أو السنة النبوية إلي غير ذلك من شعائر الله والمقدسات الإسلامية فهو كافر) انتهى



قلت : الأولى حذف كلمة(اللحية) من السياق لأمرين:
الأول: أنها عين لا يتعلق التكفير بها؛ لأنها لا تدخل في الأعيان التي يعلق الكفر على الاستهزاء بها كالمصحف والكعبة ونحوهما.
إنما يتعلق الكفر بالاستهزاء بالواجب الشرعي الذي هو إعفاء اللحية، فيكفر المرء إذا استهزأ بإعفاء اللحية من جهة كونه واجبًا شرعيًا صحت به الأخبار عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، أما إذا استهزأ باللحية لكونها فاحشة الطول(لا سيما إذا كان ممن يرون وجوب الأخذ منها بعد حد القبضة)، أو لشعثها وعدم نظافتها، فهذا لا يكون كافرًا قطعًا.
ونحو هذا الاستهزاء قول بعضهم: الدين ليس في الشعر، ودخول الجنة لا يتوقف على شعر يحلق أو يترك. هذا كله من الأقوال النابية والعبارات الفجة والأمور غير المرضية. وإن كان التكفير بها محل نظر ومحط تأمل.
الثاني: أن إعفاء اللحية فيه شبهة من جهة حكمه يروج كثير من الجهال ألا وهي أنه مستحب وليس بواجب وهذا خلاف الأدلة الثابتة الصحيحة، بل حكى على الوجوب الإجماع، حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع.
ولا يخفى ان تكفير المستهزئ بالمستحبات يحتاج إلى روية وتأمل، وهذا مدخل للشبهات التي تدرأ بها الحدود، فكيف بالكفر المخرج عن الملة. فالأولى بصاحب الكتاب أن يترك هذه العبارات المشكلة الموهمة المحتملة.
وأما قوله(المقدسات الإسلامية) فهو كلام مبهم مجمل غير مبين ومشكل غير موضح، فإن كان يريد بالمقدسات الإسلامية الكعبة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ونحوهما فقوله صادق صحيح. وإلا فإن ذلك اللفظ المخصوص(المقدسات الإسلامية) يطلق فينزله أهل الأهواء على أماكن ما أنزل الله في فضلها سلطانًا كأضرحة الأولياء وقبور الصالحين وساحات الشرك ومقامات الرافضة والمتصوفة، هذه جميعها يعتقد كثير من الجهلة والطغام قداستها الدينية وطهارتها الشرعية.
وهذا اللفظ لم يطلقه عالم راسخ من علماء السنة فيما أعلم.


التَّعَقُّبُ الخَامسُ
ص : 62 قوله ( المؤمنون قسمان : 1 – سابقون وهم المقربون .
2 – أصحاب اليمين، وهم الأبرار ) انتهى.
وفي ص92: قال:"والناس ينقسمون في هذه الدور الثلاث إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم ينقسم إلى أقسام! وهم: 1- مؤمنون، وهم قسمان...."انتهى.



قلت: وهذا غير دقيق، والأدق أن يقول إنهم ثلاثة أقسام: السابقون بالخيرات، والمقتصدون، والظالمون لأنفسهم.
قال تعالى:{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}(فاطر:32).

وقال ابن عباس في تأويل(الذين اصطفينا)، قال([7]): هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وَرَّثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يُغْفَر له،ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
ولعل المصنف استنبط مذهبه الآنف الذكر من قوله تعالى:{ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً* فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}(الواقعة7-10).

فجعل الله تعالى الناس في الآخرة ثلاثة أزواج: السابقون وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. فتعين أن المؤمنين صنفان فحسب. وهذا غلط.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية([8]):" وهكذا جاء القرآن فجعل الأمة على هذه الأصناف الثلاثة قال تعالى{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فالمسلم الذى لم يقم بواجب الايمان هو الظالم لنفسه والمقتصد هو المؤمن المطلق الذى أدى الواجب وترك المحرم والسابق بالخيرات هو المحسن الذى عبد الله كأنه يراه وقد ذكر الله سبحانه تقسيم الناس فى المعاد الى هذه الثلاثة فى سورة الواقعة والمطففين و هل أتى وذكر الكفار ايضا وأما هنا فجعل التقسيم للمصطفين من عباده"انتهى.

والمؤلف عفا الله عنه حصر المؤمنين في من يصح أن يقال فيهم أولياء الله تعالى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية([9]):" وهذا الحديث قد بين فيه أولياء الله المقتصدين أصحاب اليمين والمقربين السابقين"انتهى.

وقال([10]):" فقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أولياء الله نوعان: المقرَّبون السابقون، والأبرار أصحاب اليمين، هم الذين تقرَّبوا إليه بالنوافل بعد الفرائض"انتهى.


التَّعَقُّبُ السَّادِسُ
ص : 76 قوله ( اعلم أخي المسلم ثبتني الله وإياك علي الحق أن التوحيد ينقسم إلي أربعة أقسام وهي :1 – توحيد الربوبية . 2 – توحيد الألوهية . 3 – توحيد الأسماء والصفات . 4 – توحيد المتابعة . ) اهـ مع قوله ص : 72 (وشرعاً هو : إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وحكمه...انظر مجموع فتاوى ابن باز 1/34 ) انتهى.



قلت: هذا تخليط فإن إدخاله توحيد المتابعة في أقسام التوحيد في نفسه غير منكر بل هو حق، قرر ذلك غير واحد من الأكابر.

ولكن يتعقب من جهة أنه عرف التوحيد الخاص بجناب الله تعالى بقوله(وشرعًا: إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وحكمه) وهذا حق، ثم قسم التوحيد إلى هذه الأربعة...فهذا يعني أن ذلك التوحيد المقسم هو عين التوحيد المعرف من قبل. وهذا غير صحيح. فإن التوحيد المعرف هو الخاص بالله تعالى أما التوحيد المقسم فمنه ما هو خاص بالله تعالى وهو الثلاثة الأولى، أما الرابع الذي هو توحيد المتابعة فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ثم إن عزوه حفظه الله إلى مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 1/34 خطأ، فالتعريف في 1/35، وقد نقل الشيخ بالمعنى من كلام ابن باز ولم يشر إلى ذلك.

أما كلام الشيخ في تذلك الصفحة فهو:" وهذه الكلمة التي أقولها لكم الآن تتعلق بأنواع التوحيد وأنواع الشرك. والتوحيد : مصدر وحد يوحد توحيدا, يعني: وحد الله أي اعتقده واحدا لا شريك له في ربوبيته, ولا في أسمائه وصفاته, ولا في ألوهيته وعبادته, سبحانه وتعالى. فهو واحد جل وعلا وإن لم يوحده الناس، وإنما سمي إفراد الله بالعبادة توحيدًا؛ لأن العبد باعتقاده ذلك قد وحد الله عز وجل"انتهى

وزاد الشيخ بلا تعليل كملة(حكمه) وعزاها للإمام ابن باز، وابن باز لم يتفوه بها كما نقلنا.



التَّعَقُّبُ السَّابِعُ
ص : 96 قوله ( شرك أصغر : وهوكثير مثل الحلف.....ومنه الرياء والسمعة...)انتهى.



قلت: الأضبط أن يقول كيسير الرياء، لأنه يكون من الرياء ما هو شرك أكبر وذلك إذا قصد بأصل عبادته رياء غير الله تعالى.
قال صاحب تيسير العزيز الحميد([11]):" الثاني الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة...."اهـ

وبذا قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في منهاج التأسيس والتقديس في الرد على ابن جرجيس في غير موضع. وكذا شاعر الدعوة سليمان بن سحمان في الضياء الشارق. وهو جادة عبارات أهل العلم وأئمة الدعوة.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشية كتاب التوحيد([12]):" وأما الشرك الأصغر كيسير الرياء، وقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ومالي إلا الله وأنت، ونحو ذلك فيطلق عليه الشرك كما في حديث...."انتهى

وقال ابن عثيمين([13]):" الثانية: أن الرياء من الشرك. لحديث: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، فسئل عنه فقال "الرياء"، وقد سبق بيان أحكامه بالنسبة إلى إبطال العبادة.

الثالثة: أنه من الشرك الأصغر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عنه فقال: "الرياء"، فسماه شركاً أصغر، وهل يمكن أن يصل إلى الأكبر؟
ظاهر الحديث لا يمكن، لأنه قال: "الشرك الأصغر"، فسئل عنه، فقال: "الرياء".
لكن في عبارات ابن القيم رحمه الله أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء، فهذا يدل على أن كثيره ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكمية، فنعم، لأنه لو كان يرائي في كل عمل لكان مشركاً شركاً أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقاً"انتهى

ويغلب على ظني أن الشيخ الوصابي نقل ذلك من محاضرة  ابن باز([14]) وهي التي نقل عنها تعريف التوحيد السابق.
وقوله بأن الرياء مثال للشرك الأصغر مذكور فيها في 1/45.



التَّعَقُّبُ الثَّامِنُ
ص : 168 قوله ( أقسام السنة خمسة : .......1 – فما اعتقده الرسول صلي الله عليه وسلم اعتقدناه . 2 – وما قاله صلي الله عليه وسلم قلناه . 3 – وما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم وآله فعلناه . 4 – وما أقره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أقررناه . 5– ما تركه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تركناه انظر الرسالة للشافعي رحمه الله ص : 194)انتهى



قلت: قوله(ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فعلناه) غير دقيق، فمن أفعاله صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز لنا فعله البتة.
وفي كتب الأصول يعقدون بابًا في أفعاله ويفصلون أنواع تلك الأفعال ولهم في ذلك كلام معروف.
فمن الأفعال ما يكون خاصّا به، فلا يشرع لأمته. قال أبو المظفر السمعاني[15]:" ما لم يخرج من أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخرج الشرع لم يثبت به الشرع".
وقال أبو حامد الغزالي([16]):" فإذا نقل فعل عن رسول الله عليه السلام فهل يتلقى منه حكم؟
أما الواقفية فقد توقفوا فيه، وعزي إلى أبي حنيفة وابن سريج وأبي علي بن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه يتلقى منه الوجوب مطلقًا. 
والمختار عندنا وهو مذهب الشافعي -رضي الله عنه- أنه إن اقترن به قرينة الوجوب كقوله:{صلوا كما رأيتموني أصلي} فهو الوجوب.
وإن لم يقترن نظر فإن وقع من جملة الأفعال المعتادة من أكل وشرب وقيام وقعود واتكاء واضطجاع فلا حكم له أصلًا.
وظن بعض المحدثين أن التشبه به في كل أفعاله سنة، وهو غلط. 
وإن تردد بين الوجوب والندب فإن اقترنت به قرينة القربة فهو محمول على الندب؛ لأنه الأقل والوجوب متوقف فيه.
وإن تردد بين القربة والإباحة فيتلقى منه رفع الحرج وليس هذا متلقى من صيغة الفعل إذ الفعل لا صيغة له ومستنده مسلك الصحابة([17])...."انتهى
وقال ابن القيم([18]):" لأصل مشاركة أمته له في الأحكام إلا ما خصه الدليل".
وللمبحث مواضع في كتب الأصول.
فالأولى بالشيخ الوصابي أن يقول:" ونتأسى به فيما فعله" بدلًا من قوله" وما فعله فعلناه" هكذا مطلقًا بلا تخصيص عامًا بلا تقييد.


التَّعَقُّبُ التَّاسِعُ
ص:183، قال:" البدعة قسمان: 1- كبرى. 2 – صغرى."انتهى.



قلت: في عبارته عفا الله عنه لحنٌ يعيبه أهلُ العربية؛ قال ابن هشام الأنصاري رحمه الله تعالى([19]):" والقاعدة أن كل فُعْلَى مؤنثة (أفعل) لا تستعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو بالإضافة كالكبرى والصغرى والكبر والصغر؛ قال الله تعالى:{ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ}(المدثر:35) ولا يجوز أن تقول صغرى ولا كبرى ولا كبر ولا صغر ولهذا لحنوا العروضيين في قولهم فاصلة كبرى وفاصلة صغرى"انتهى.



التَّعَقُّبُ العَاشِرُ
ص :203 قال معنوناً ( أهل السنة لا يكفرون أحداً من المسلمين) اهـ
ونقل في ص205 قول الطحاوي:" ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب....."إلخ.
ونقل عن الموفق ابن قدامة من لمعة الاعتقاد قوله:" ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل".



قلت: أما العنوان ففيه غموض وإبهام وتعمية، وظاهره أن أهل السنة يمتنعون من الحكم بالتكفير على من كان مسلمًا مهما اقترف من موبقات وأتى بمهلكات توجب تكفيره. وهذا غلط. فالحكم بالتكفير على مستحقه لا يتحرج منه أهل السنة أن يطلقوه.
والأولى أن يعنون فيقول:(أهل السنة لا يكفرون أحدًا من المسلمين ما لم يأت بمكف).
وقول الطحاوي المنقول فيه نظر معروف عند أهل العلم.
قال الشيخ الفوزان في شرحه الطحاوية:" (ولا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) هذا كما سبق أن الذنب إذا لم يكن كفراً أو شركاً مخرجاً من الملة، فإننا لا نُكَفّر به المسلم، بل نعتقد أنه مؤمن ناقص الإيمان، معرض للوعيد وتحت المشيئة. هذه عقيدة المسلم، ما لم يستحله، فإذا استحل ما حرم الله فإنه يكفر، كما لو استحل الربا أو الخمر أو الميتة أولحم الخنزير أو الزنا، إذا استحل ما حرم الله كفر بالله، وكذلك العكس: لو حرم ما أحل الله كفر: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم) [التوبة:31] وجاء تفسير الآية بأنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.

أما لو فعل الذنب وهو لم يستحله بل يعترف أنه حرام فهذا لا يكفر ولو كان الذنب كبيرة دون الشرك والكفر لكنه يكون مؤمناً ناقص الإيمان أو فاسقاً بكبيرته مؤمن بإيمانه.

وقوله: (لا نكفر بذنب) ليس على إطلاقه، فتارك الصلاة متعمداً يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة. كما تقوله المرجئة، يقولون: ما دام مصدقاً بقلبه فهو مؤمن كامل الإيمان، أما الأعمال فأمرها هيّن، فالذي لا يصلي ولا يصوم ولا يحج ولا يزكي ولا يعمل شيئاً من أعمال الطاعة، يقولون: هو مؤمن بمجرد ما في قلبه! وهذا من أعظم الضلال.

فالرد عليهم أن الذنوب تضر على كل حال، منها ما يزيل الإيمان بالكلية، ومنها ما لا يزيله بالكلية بل ينقصه وصاحبها معرض للوعيد المرتب عليها"انتهى

وأما قول الموفق(ولا نخرجه عن الإسلام بعمل) فخلاف معتقد السلف في أن بعض الأعمال كفرية بذاتها لا لدلالتها على كفر القلب ونحوه كما تقول المرجئة وبعض فرق الضلال.

فالسجود لصنم وإلقاء المصحف في الحش والذبح لغير الله كلها أعمال كفرية يخرج بها المرء عن الإسلام.
قال إسحاق([20]) :" أجمع العلماء أنَّ من سبَّ الله عزَّ وجلَّ ، أو رسولَه صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئاً أنزله الله ، أو قتل نبيَّاً من أنبياء الله ، وهو مع ذلك مقرٌّ بما أنزل الله ، أنَّه كافرٌ"انتهى

قال الإمام البربهاري([21]):" ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يردَّ آيةً من كتاب الله عزَّ وجلَّ ، أو يردَّ شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يصلّي لغير الله أو يذبح لغير الله ، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرِجَه من الإسلام فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمنٌ ومسلمٌ بالاسم لا بالحقيقة"انتهى
وأهل السنة مجمعون على أن الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد كما يكون الإيمان بذلك.
وفي اللمعة كلمات فيها نظر للعلماء كما قرر ذلك غير واحد.
قال الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه([22]):"... وأما كلام صاحب اللمعة فهذه الكلمة مما لوحظ في هذه العقيدة، وقد لوحظ فيها عدة كلمات أخذت على المصنف"انتهى
والله أعلم.
تم التعقب بحمد الله تعالى، وقد تركت جملة من المسائل المحتملة([23]).
والله الموفق.
ـــ
[1] - من ص7 إلى ص20.
[2] - الدرر السنية(3/301).
[3] - فتح الباري(11/528).
[4]- تيسير العزيز الحميد(ص:415).
[5] - تيسير العزيز الحميد: (ص:418).
[6] - مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب(1/212-214).
[7] - تفسير ابن كثير(6/546).
[8] - مجموع الفتاوى(7/358).
[9] - مجموع الفتاوى(11/23). وانظر للاستزاده(مجموع الفتاوى7/485، 11/182، 13/337، 13/383-384، 18/185).
[10] - جامع المسائل لابن تيمية، لعزيز شمس(1/86)، الأولى ، 1422 هـ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع.
[11] - تيسير العزيز الحميد(ص:29، 95).
[12] - حاشية ابن قاسم:ص53.
[13] - القول المفيد: 1/88.
[14] - قال الشيخ صالح الفوزان في تحذيره من كتاب(هزيمة الفكر التكفيري):".... والأشرطة لا تكفي مرجعًا يُعتمد عليه في نقل كلام أهل العلم ، لأنها غير محررة ، وكم من كلام في شريط لو عُرِضَ على قائله لتراجع عنه، فيجب التثبت فيما ينسب إلى أهل العلم"انتهى.
[15] - قواطع الأدلة(2/12).
[16] - المنخول:ص225-226.
[17] - المأخذ من النقل وجه الشاهد على التفصيل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أما التفصيلات الأصولية فلا يتابع الغزالي على بعضها....حسبنا موضع الشاهد.
[18] - زاد المعاد(3/ 267).
[19] - شرح قطر الندى : ص 316 بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
[20] - التمهيد لابن عبد البر(4/226).
[21] - شرح السنة :ص31، طبعة ابن القيم.
[22] - فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ : رقم 128.
[23] - ومن ذلك قوله في ص30 بعد سوقه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به" ، قال:" ....وصححه الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول"انتهى
ومما لا يخفى أن الشيخ الجليل حافظ بن أحمد الحكمي ليس من أهل صناعة التصحيح والتضعيف، ولا يعرف بطول باع فيها، لا سيما وقد ألف كتابه (معارح القبول) وهو في حداثة سنه(عقده الثالث).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق