التَّذْكِرَة
بمُخْتَارَاتِ دِيَوَانِ عَنْتَرَة
اختارها
وليد بن حسني بن بدوي بن محمد الأموي
عفا
ربه عنه
****
بسمِ
اللهِ، والحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ
والاهُ، أمَّا بعدُ:
فهذه
زبدةُ ديوانِ الفارسِ الشاعرِ عنترةَ بنِ شدَّادٍ العَبْسِيِّ
الذي ألقِّبُهُ بذي المُرْهَفَيْنِ :( الحسِّ، والسيفِ)،
انتقيتها من عيونِ شعرِهِ الذي تلوحُ عليه معارفُ الحُسْنِ، وتخالِطُهُ جَرَاثِيمُ
الصِّدْقِ، ونَفَيْتُ من خِلَالِ الزُّبدةِ أوابدَ الجَهْلِ وغَسَلْتُهَا من لَطَخِ
الجَاهِلِيَّةِ، فَصَارَ المنْتَقَى كأحْسَنِ ما أنتَ سامعٌ من شِعْرِ العَرَبِ.
وعند
الله الجزاءُ والأَرَبُ
****
قَافِيةُ الهَمْزَةِ
مَا دُمْتُ مُرْتَقياً إلى العَلْيَاء
حَتَّى بَلَغْتُ إلَى ذُرَى الجَوْزَاءِ
فَهُنَاكَ لا
أَلْوِي عَلى مَنْ لاَمَنِي
خوْفَ المَمَاتِ وَفُرْقَة ِ الأَحْياءِ
فلأغضبنَّ عواذلي
وحواسدي ولأَصْبِرَنَّ عَلى قِلًى وَجَوَاءِ
ولأَجهَدَنَّ عَلى اللِّقَاءِ لِكَيْ أَرَى
ما أرتجيهِ أو يحينَ
قضائيِ
ولأَحْمِيَنَّ النَّفْسَ عَنْ شهَوَاتِهَا حَتَّى أَرَى ذَا ذِمَّة
ٍ وَوَفاءِ
فَلِئنْ بَقيتُ
لأَصْنَعَنَّ عَجَائِبا ولأُبْكمنَّ بَلاَغَة َ الفُصحَاءِ
****
لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواءِ
وَلَكِنْ تَبْعُدُ
الفَحْشاءُ عَني كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماءِ
****
قَافِيَةُ البَاءِ
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ولا ينالُ العلى
من طبعهُ الغَضَبُ
ومن يكنْ عبدَ
قومٍ لا يخالفُهُمْ
إذا جَفَوْهُ ويسترضِى
إذا عَتَبُوا
قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ واليَوْمَ أَحْمي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُوا
لله دَرُّ بَني عَبْسٍ
لَقَدْ نَسَلُوا منَ الأكارمِ ما قد تَنْسِلُ العَرَبُ
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نَسَبٌ
يَوْمَ لنِّزَالِ إذا مَا
فَاتَني النَسبُ
إن كنت تعلمُ
يا نعمانُ أيُّ فتىً يَلْقى
أخاك الَّذِي قَدْ غرَّهُ العُصَبُ
فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ
إنْ سلَّ صارِمَهُ سالتَ مضارِبُهُ
وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ
والخَيْلُ تَشْهَدُ
لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا والطّعنُ مثلُ شرارِ
النَّارِ يَلْتَهِبُ
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة ٍ
تَركْتُ جَمْعَهُمُ
المَغْرُورَ يُنْتَهَبُ
لي النفوسُ وللطّيرِ اللحومُ وللـ ـوحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ
لا أبعدَ اللهُ عن
عيني غطارِفَة ً إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا
أسودُ غابٍ ولكنْ
لا نيوبَ لهم إلاَّ الأَسِنَّة ُ والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ
تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة
مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها
القَببُ
ما زلْتُ ألقى
صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً بالطَّعن
حتى يضجَّ السَّرجُ
واللَّببُ
فالعَمْيُ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا والخُرْسُ
لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا
والنَّقْعُ يَوْمَ
طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ
****
وقد قلتُ إنِّي قد سَلَوْتُ عَن الهوى ومَنْ كان مثلي لا يقولُ ويكْذِبُ
هَجرتك فامضي حيثُ شئتِ وجرِّبي من الناس غيري فاللبيبُ يجرِّبُ
لقدْ ذلَّ منْ أمسى على رَبْعِ منْزلٍ ينوحُ على رسمِ
الدَّيارِ ويَنْدِبُ
نَدِيمي رعاكَ الله قُمْ غَنِّ لي على كؤوسِ المنايا مِن دمٍ
حينَ أشرَبُ
ولاَ تسقني كأْسَ
المدامِ فإنَّها
يَضلُّ بها عقلُ الشُّجَاع
وَيذهَبُ
****
يا عبْلَ قُومي انظُري فِعْلي وَلا تسَلي عني الحسودَ الذي ينبيكِ
بالكذبِ
إن أقبلتْ حدقُ الفرسانِ
ترمقني
وكلُّ مقدام حربٍ
مالَ
للهربِ
فَما ترَكْتُ
لهُمْ
وجْهاً لِمُنْهَزمِ ولاّ
طريقاً ينجيهم من العَطَبِ
فبادري وانظري طعناً
إذا نظرتْ عينُ الوليدِ
إليه شابَ وهو
صبيِ
خُلِقْتُ للْحَرْبِ
أحميها إذا بَردَتْ وأصطلي
نارَها في شِدَّة
اللَّهَبِ
****
قَافِيَةُ التَّاءِ
إذا قنعَ الفتى
بذميمِ عيشِ
وَكانَ وَراءَ سُجُفٍ كالبَناتِ
وَلمْ يَهْجُمْ
على
أُسْدِ المنَايا وَلمْ يَطْعَنْ صُدُورَ الصَّافِناتِ
ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ وَلَمْ يُرْوِ السُّيُوفَ
منَ الكُماةِ
ولمْ يبلغْ
بضربِ الهامِ مجداً ولمْ يكُ صابراً في النائباتِ
فَقُلْ للنَّاعياتِ إذا بكَتهُ أَلا فاقْصِرْنَ نَدْبَ
النَّادِباتِ
ولا تندبنَ
إلاَّ ليثَ غابٍ شُجاعاً في الحُروبِ الثَّائِراتِ
دَعوني في القتال
أمُت عزيزاً
فَموْتُ العِزِّ
خَيرٌ من حَياتي
لعمري ما الفخارُ بكسْب مالٍ ولا يُدْعى الغَنيُّ منَ السُّرَاة ِ
ستذكُرني المعامعُ[1]
كلَّ وقتٍ
على طُولِ الحياة ِ إلى
المَماتِ
فذاكَ الذِّكْرُ
يبْقى لَيْسَ
يَفْنى مَدى الأَيَّام
في ماضٍ وآتِ
****
سكتُّ فَغَرَّ أعْدَائي
السُّكوتُ وَظنُّوني لأَهلي قَدْ نسِيتُ
وكيفَ أنامُ عنْ
ساداتِ قومٍ أنا في فَضْلِ
نِعْمتِهمْ رُبيتُ
وإنْ دارْتْ
بِهِمْ خَيْلُ الأَعادي
ونَادوني أجَبْتُ متى دُعِيتُ
بسيفٍ حدُّهُ
يُزْجِي
المنايا وَرُمحٍ صَدْرُهُ الحَتْفُ المُميتُ
خلقتُ من الحديدِ أشدَّ
قلباً وقد بليَ الحديدُ
وما بليتُ
وَإني قَدْ شَربْتُ دَمَ الأَعادي
بأقحافِ[2] الرُّؤوس وَما رَويتُ
وفي الحَرْبِ
العَوانِ وُلِدْتُ طِفْلا
ومِنْ لبَنِ المَعامِعِ قَدْ
سُقِيت
فما للرمحِ في جسمي
نصيبٌ ولا للسيفِ
في أعضاي
قوتُ
ولي بيتٌ علا فلكَ
الثريَّا تَخِرُّ لِعُظْمِ
هَيْبَتِهِ البُيوتُ
****
قَافِيَةُ الجِيمِ
وإني لحمالٌ
لكلِّ ملمةٍ تَخِرُّ لها
شُمُّ الجبالِ وَتُزْعَجُ
وإني لأحمي الجارَ منْ
كلّ ذلةٍ ٍ وأَفرَحُ بالضَّيفِ المُقيمِ
وأَبهجُ
وأحمي حمى قومي على طول مدَّتي إلى أنْ يروني
في اللفائفِ أدرجُ
إلى الله أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد
يَعْضُدُ
خليليَّ أمسى حبُّ
عبلة قاتلي وبأْسِي
شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ
حرامٌ عليّ النومُ يا
ابنة َ مالكٍ
ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ
الغَضا كيْف يَرْقُدُ
سأندبُ حتى يعلم الطيرُ أنني حزينٌ ويرثي لي الحمامُ المغرِّدُ
وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَة
ٌ لَعَلَّ لَهيبي
مِنْ ثرى الأَرضِ يَبْرُدُ
****
قَافِيَةُ العَيْنِ
جفُونُ العذَارى منْ خِلال البرَاقع أحدُّ من البيضِ الرِّقاقِ
القواطعِ
****
إذا كشفَ الزَّمانُ لك القِناعا ومَدَّ إليْكَ صَرْفُ الدَّهر باعا
فلا تخشَ المنية َ
والتقيها ودافع
ما استطعتَ
لها دفاعا
ولا تخترْ فراشاً من حريرٍ
ولا تبكِ المنازلَ والبقاعا
وحَوْلَكَ نِسْوَة ٌ ينْدُبْنَ حزْنا
ويهتكنَ البراقعَ واللقاعا[3]
يقولُ لكَ الطبيبُ
دواك عندي إذا ما جسَّ
كفكَ والذراعا
ولو عرَفَ الطَّبيبُ
دواءَ داء
يَرُدّ المَوْتَ
ما
قَاسَى النّزَاعا
****
قَافِيَةُ اللَّامِ
بكَرتْ تخوفني
الحتوفَ كأنني أَصْبحْتُ عن غَرض الحَتوفِ بِمَعْزِل
فأَجَبْتُهَا
إنْ المَنيَّة مَنْهلٌ لا بدَّ أنْ أُسْقَى
بكأْس المنْهل
فاقني حياءك لا
أبالكِ واعلمي
أني امرؤ سأموتُ إنُ لم أقتلِ[4]
****
لا تَقْتضِ الدَّيْنَ إلاّ بالقَنا الذُّبُلِ ولا تحكمْ
سوى الأسيافِ
في القُلَلِ
ولاَ تُجاورْ لئاماً ذَلَّ جارُهُمُ وخلِّهمْ في عِرَاصِ
الدَّارِ وارْتَحلِ
وَلاَ تَفِرَّ إذا ما
خُضْتَ معركة ً فما يَزيدُ فِرارُ
المرْءِ في الأَجلِ
****
حكّمْ سيُوفَكَ
في رقابِ العُذَّلِ وإذا نزلتْ بدارِ ذلٍَّ
فارحلِ
وإذا بُليتَ
بظالمٍ كُنْ ظالما وإذا لقيت ذوي الجهالةِ فاجهلِ
وإذا الجبانُ
نهاكَ يوْمَ كريهةٍ خوفاً عليكَ من ازدحامِ الجحفلِ
فاعْصِ مقالَتهُ ولا تَحْفُلْ
بها
واقْدِمْ إذا حَقَّ
اللِّقا في الأَوَّلِ
واختَرْ لِنَفْسِكَ
منْزلاً تعْلو به
أَوْ مُتْ كريماً
تَحْتَ ظلِّ القَسْطَلِ[5]
فالموتُ لا يُنْجيكَ منْ آفاتِهِ حصنٌ
ولو شيدتهُ بالجندلِ
موتُ الفتى
في عزهِ خيرٌ له منْ أنْ يبيتَ أسيرَ
طَرْفٍ أكْحَلِ
إنْ كُنْتُ في عددِ العبيدِ فَهمَّتي فوق الثريا والسماكِ [6] الأعزلِ
أو أنكرتْ فرسانُ عبس نسبتي فسنان رمحي
والحسامُ يقرُّ لي
وبذابلي[7]
ومهندي نلتُ العلاَ لا بالقرابةِ والعديدِ
الأَجزلِ
لا تسقيني
ماءَ الحياة ِ بذلةٍ بل فاسقني
بالعزَّ كأسَ الحنظلِ
ماءُ الحياةِ بذلةٍ
كجهنم
وجهنمٌ بالعزَّ أطيبُ منزلِ[8]
****
يا سِباعَ الفَلاَ إذا اشْتعل
الحر ـبُ اتبعيني من القفار الخوالي
إتبعيني ترى دماءَ
الأعادي سائلاَتٍ بين
الرُّبى والرِّمالِ
ثم عودي منْ بعد
ذا واشكريني
واذكري ما رأيْتِهِ منْ فعالي
وخُذي منْ جَماجمِ القوْمِ
قوتا
لبنيكِ الصّغار والأشبالِ
****
يا صاحبي لا تَبْكِ
رَبعاً قد خلا ودَعِ
المنازِلَ تشْتكي طولَ البِلى
وَاشْكو إلى حَدّ
الحُسامِ فإنه
أمْضَى إذا حقّ اللّقاءُ وأفْضلاَ
منْ أين تدري الدَّارُ أنكَ عاشقٌ
أوْ
عنْدها خبرٌ
بأَنكَ مُبْتلى
****
قَافِيَةُ المِيمِ
هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّمِ
أم هلْ عرفتَ
الدارَ بعدَ توهمِ[9]
أثني عليَّ
بما
علِمْتِ فإنني سمحٌ مخالطتي إذا لم أظلمِ[10]
وإذا ظُلمْتُ
فإنَّ ظُلميَ
باسلٌ مرٌّ
مذَاقَتهُ كَطعم العَلْقمِ
ولقد شربتُ من المدامة
بعد ما رَكَدَ الهواجرُ
بالمشوفِ المُعْلمِ
فإذا شربتُ
فإنني مُسْتَهْلِكٌ مالي وعرضي وافرٌ لم
يُكلمِ
وإذا صَحَوْتُ فما أَقصِّرُ
عنْ ندىً وكما عَلمتِ شمائلي
وَتَكَرُّمي[11]
وحليل غانية ٍ تركتُ
مجدلاً تَمكو فريصتُهُ كشدْقِ الأَعْلَمِ[12]
سبقتْ يدايَ له بعاجل
طعنةٍ ورشاشِ نافذَةٍ
كلوْنِ العَنْدَمِ[13]
هلاّ سأَلتِ
الخيلَ يا ابنة َ مالكٍ إن
كنت جاهلة بما
لم تعلمي
إذ لا أزالُ على رحالة
ِ سابح نهْدٍ تعاوَرُهُ الكُماةُ
مُكَلَّمِ[14]
طَوْراً يجَرَّدُ
للطعانِ وتارةً يأوي
إلى حصدِ القسيِّ عرمرمِ[15]
يُخبرْك من شَهدَ الوقيعَةَ َ أنني
أغشى الوغى وأعفُّ
عندَ المغنمِ
ولقد ذكرْتُكِ
والرِّماحُ نواهلٌ
مني وبيْضُ الهِنْدِ تقْطرُ منْ دمي
فوددتُ تقبيلَ
السُّيُوفِ لأنها
لمعت كبارق
ثغركِ المتبسِّمِ!
ومدَّججٍ كرِهَ الكُماة
ُ نِزَالَهُ لا مُمْعنٍ هَرَباً
ولا مُسْتَسلمِ
جادتْ له كفي
بعاجلِ طعنةٍ بمثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوَّمِ[16]
بِرَحِيبَةِ
الفَرْغَينِ يهْدي جَرسُها بالليلِ
معتسَّ الذئابِ الضُرَّمِ[17]
فشككتُ بالرمحِ
الأصمِّ ثيابهُ
لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ
فتركتهُ جزرَ السباع
ينشنهُ يقضمنَ حسنَ بنانهِ
والمعصمِ[18]
وَمِشَكِّ سابغةٍ هَتكتُ فروجَها
بالسيفِ عَنْ حامي الحقيقةِ مُعْلَمِ
زبدٍ يداهُ بالقداحِ
إذا شتا
هتَّاك غاياتِ التجارِ
مُلَوَّمِ
لما رآني قَدْ
نَزَلْتُ أُرِيدُهُ أبدى
نواجذَهُ
لغيرِ تبسُّمِ
فطعنتهُ بالرُّمح ثم علوتهُ
بمهندٍ صافيِ الحديدِ
مخذَمِ
ولقد حفظتُ وصاة عمّي
بالضُّحَى إذ تقلصُ الشفتانِ عنْ وَضْحِ الفَمِ
في حومةِِ الحربِ
التى لا تشتكي غَمَرَاتِها الأَبطالُ
غيْرَ تَغَمْغُمِ
إذْ يتقُون بي الأسَّنة لم أخمْ عنها ولكني
تضايق مُقدَمي
لما رأيتُ القومَ
أقبلَ جمعهُم يتذَامرونَ كَرَرْتُ غَيْرَ
مذَمّمِ
يدعون عنترَ
والرِّماحُ كأنها أشطانُ بئرٍ في لبانِ
الأدهمِ
ما زلتُ أرميهمْ بثغرة ِ نحره ولِبانِهِ حتى
تَسَرْبلَ بالدّمِ
فازورّ من وقع القنا
بلبانهِ وشكا إليّ بعَبْرةٍ وَتَحَمْحُمِ
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيلُ الفوارس: ويكَ عنتر أقدمِ
والخيلُ تقْتَحِمُ الخَبَارَ عوابسا ما بين شيْظمةٍ وآخر شيْظمِ[19]
ذللٌ ركابي حيثُ شئتُ
مشايعي لُبِّي وأجْفزُهُ بِأَمْرٍ مُبْرَمِ
إنّي عَدَاني
أنْ
أزوَركِ فاعْلمي ما قد علمتِ
وبعضُ ما لم تعلمي
ولقد خشيتُ
بأنْ أموتَ ولم تدرْ للحربِ دائرةٌ على ابْنَي
ضَمْضَمِ[20]
الشَّاتِمِيْ عِرْضِي ولم
أشْتِمْهُما والنَّاذِرَيْنِ إذا لم ألقهما
دَمي
إن يفعلاَ فلقد
تركتُ أباهما جزرَ السباعِ
وكلِّ نسرٍ قعشمِ
****
قَافِيَةُ الهَاءِ
يا عَبلُ أينَ من المَنيَّةِ مَهْربي
إن كانَ ربي في
السَّماءِ قَضاها
ما اسْتَمْتُ
أُنثى نفسَها
في موْطنٍ حتى
أُوَفّي مَهرها مَوْلاها
ولما رزأْتُ أخا حِفاظٍ
سِلْعَةً إلاّ له عندي بها
مِثْلاها
وأَغُضُّ طرفي ما
بدَتْ لي جارَتي حتى يُواري جارتي
مأْواها[21]
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقةِ ماجدٌ
لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها
****
يا عَبْلَ إني في الكريهة ِ
ضَيْغَمٌ شَرسٌ إذا ما الطَّعْنُ
شقَّ جباها
وسلي الفوارس
يخبروكِ بهمتي
ومواقفي في الحربِ
حين أطاها
وأزيدها من نار حربي شعلةً
وأثيرها حتى تدورَ رحاها
وأكرُّ فيهم في لهيب شعاعها
وأكون أوَّل وافدٍ يصلاها
وأكون أول ضاربٍ بمهندٍ
يفري الجماجمَ لا يريدُ سواها
وأكون أولَّ فارسٍ يغشى الوغى فأقود
أوَّل فارسِ يغْشاها
والخيلُ تعْلم
ُ والفوارسُ أنني
شيخُ الحروبِ وكهلُهَا وفتَاهَا
****
قَافِيَةُ اليَاءِ
ألاّ قاتل الله الطلولَ
البواليا وقاتل ذِكراكَ السنين الخَواليا
وقولَكَ للشيءِ الذي لا تنالُهُ
إذا ما حَلاَ في العينِ:
يا لَيتَ ذا ليَا
تعالوا إلى ما تعلمون فإنني
أرى الدَّهْرَ لا يُنْجِي مِنَ المَوْتِ ناجِيَا
(تَمَّتْ)
بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى
****
[1] - صوت الشجعان في الحرب يسمى معمعة .
[3] - ضرب
من الثياب ، وهناك اللقاع الذباب الأخضر الذي يلسع الناس، والملقاع هي المرأة
الفاحشة الكلام.
[4] - اقني
أي الزمي.
[6] - السماك الأعز نجم منير في الجنوب ويقابله
السماك الرامح في الشمال.
[7] -
الذابل هو الرمح الدقيق.
[8] - هذه
من أعرابيات عنترة، ومنه أخذ المتنبي قوله:
عش
عزيزًا، أو مت وأنت كريم *** بين طعن القنا وخفق البنود
فاطلب
العز في لظى، ودع الذل *** ولو كان في جنان الخلود
[9] - قوله(
هل غادر الشعراء من متردم) معناه: هل ترك الشعراء شيئاً يرقع، وهذا مثلٌ، وإنما يريد: هل تركوا مقالاً
لقائل، كذا قال أبو علي القالي في أماليه.
وقال الخالديان في مقدمة (الأشباه
والنظائر):" أمَا سمعتَ، زاد الله قدرك علوًا ورفعةً وسموّاً، قول الشاعر:
فلو
قبل مبكاها بكيتُ صبابةً ... إليها شفيتُ النَّفس قبلَ التندُّمِ
ولكن
بكتْ قبلي فهيَّج لي البكا ... بُكاها فقلتُ الفضلُ للمتقدِّمِ
ومن أمثالهم السائرة: ما ترك الأوَّل للآخر
شيئاً، إلاَّ أنَّ أبا تمام لم يرض بهذا المثل حتَّى قال يصف قصيدةً له:
لا
زلت من شكريَ في حلة ... لابسُها ذو سلب فاخرِ
يقول
من تقرعُ أسماعَه ... كم ترك الأوَّلُ للآخرِ
ومن المعنى الأول قول عنترة: " هل غادر
الشعراء من متردّم؟ " أي ما تركوا كلاماً لمتكلّم. فإذا كان عنترة - وهو في الجاهلية
الجهلاء، وإمام الفصاحة الفصحاء - يقول مثل هذا القول فما ظنك بهذا العصر وقبله بمائتي
سنة؟ فلسنا بقولنا هذا، أيدك الله، نطعن على المحدثين ولا نبخسهم تجويدهم ولطف تدقيقهم
وطريف معانيهم وإصابة تشبيههم وصحة استعاراتهم. إلاَّ أنَّا نعلم أن الأوائل من الشعراء
رسموا رسوماً تبعها من بعدهم، وعوَّل عليها مَن قفا أثرهم، وقلَّ شعرٌ من أشعارهم يخلو
من معانٍ صحيحة، وألفاظ فصيحة، وتشبيهات مصيبة، واستعارات عجيبة"اهـ
قلت: هذه حال عنترة الجاهلي فكيف يقال
في شعرائنا الذين أولعوا بإخراج الدواوين وتسطير الأشعار المبتذلة التي هم فيها
بين أمرين:
الأول : الإجادة، وفيها الطعن على
الأوائل بالتقصير وذلك بسلان الحال لا المقال.
الآخر: عدمها، وفيه ابتذال اللغة التي
طوعت لكل أحد لكي يصوغها شعرًا.
[10] - يروى
بدلها ( سهل مخالطتي ) .
[11] - ذلك
لأنهم كانوا إذا سكروا أتلفوا أموالهم في العطايا، وإذا صحوا كانوا دون ذلك .
وعنترة لا يقصر في العطية ساكرًا ولا صاحيًا. ويصدق ذلك قول بعضهم:
أسدُ
غيلِ فإِذا ما شربوا ... وَهبوا كلَّ أمون وطمرّ
ثمّ
راحوا عَبَقُ المسكِ بهمْ ... يُلْحفونَ الأرضَ أهدابَ الأزُرْ
وقال
زهير:
أخو ثقةٍ لا يُتْلِفُ الخمرُ مالَهُ ...
ولكنهْ قدْ يُتلفُ المالَ نائلهْ
وقال آخر:
إذا
ما شربت أربعاً خط مئزري ... وأتبعت دلوي في السماح رشاءها
[12] -
المكاء هو الصفير بالفم .
[14] -
الرحالة شيء من أدم، لأأنهم لم يكونوا يستعملون السرج.
[15] - القسى
جمع قوس.
[16] - الثقاف خشبة تسوى بها الرماح ، والمعنى أنه
طعنه برمح مقوم متقن الصنع.
[17] - أي
هذه الطعنة الذي طعنها لمحاربه لشدتها له صوت يهدي بالليل الذئاب التي تجوس
الأمكنة وهي جائعة.
[20] - هما حصين وهرِمٌ ابنا ضمضم توعدا عنترة لانه
قتل أباهما.
[21] - الله
أكبر! ، هكذا كانوا في الجاهلية ، قال ابن عبد ربه:" قال بعضُهم: وددتُ أنّ لنا مع إسلامنا كرمَ
أخلاق آبائنا في الجاهليَّة، ألا ترى أنّ عَنترة الفوارس جاهليّ لا دينَ له، والحسنَ
بن هانئ إسلاميّ له دين، فمنع عنترةَ كرمُه ما لم يَمنع الحسنَ بن هانئ دينُه؟ فقال
عنترة في ذلك:
وأغُضّ
طَرْفي إن بَدت ليَ جارتي ... حتى يُوارِي جارتي مَأواها
وقال الحسنُ بن هانئ مع إسلامه:
كان
الشبابُ مطيَّةَ الجَهل ... ومُحسِّنَ الضَّحكات والهَزْل
والباعِثي والناسُ قد رَقدوا ... حتى أتيتُ
حليلةَ البَعْل"اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق