إبطال الديوان المنسوب إلى الإمام الشافعي: قافية التاء

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فقد رأيت في ديوان الشافعي رحمه الله أربعة أبيات رسمها :

لماّ عَفَوْتُ ولَمْ أَحْقِدْ عَلَى أحدٍ ** أَرَحْتُ نَفْسِيْ مِنْ هَمِّ العَدَاوَاتِ


إنِّيْ أُحَيِّيْ عَدُوِّيْ عندَ رُؤْيَتِهِ *** لأدفَعَ الشرَّ عَنّي بالتَّحِيّاتِ


وأُظْهِرُ البِشْرَ للإنسانِ أُبْغِضُهُ *** كأَنَّمَا قد حشا قَلِْبْي تحيّاتِ


ولَسْتُ أَسْلَمُ ممن ليس يَعْرِفُنِيْ *** وكيفَ أَسْلَمُ من أهلِ العَدَاواتِ



وبعد إنعام النظر تبين لي أنها لهلال بن العلاء الباهلي المتوفى سنة 280 هـ وذلك لأمور :
الأول : أنها منسوبة إليه في ( الصداقة والصديق ) لأبي حيان التوحيدي وعدتها ثمت سبعة أبيات ورسمها هنالك :


لما عفوت ولم أحقد على أحد *** أرحت نفسي من غم العداوات



إني أحيي عدوي عند رؤيته *** لأدفع الشر عني بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه *** كأنه قد ملا قلبي محبات


والناس داء، وداء الناس قربهم *** وفي الجفاء لهم قطع الأخوات


فلست أسلم ممن لست أعرفه *** فكيف أسلم من أهل المودات


ألقى العدو بوجه لاقطوب به *** يكاد يقطر من ماء البشاشات


وأحزم الناس من يلقى أعاديه *** في جسم حقد وثوب من مودات



والناظر المتأمل في البيت الأخير يجدها مشكلة وبعيدة كل البعد عن طبع الشافعي رحمه الله تعالى .
الثاني : أنها منسوبة إليه أي هلال في الطيوريات ( 3 / 11 ) صيغة الجزم ، قال : أنشدنا أحمد، أنشدنا محمد بن محمد بن عمر بن خُشَيش، أنشدني أبو علي الحسن بن مهدي الرَّقِّيّ، أنشدنا هلال بن العلاء  لنفسه...ثم ذكر الأبيات الأربعة .


وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي علي الرقي فقد قال فيه الداراقطني : مجهول([1]) .
ومثل هذا الإسناد على علته مقبول لنسبة الأبيات إلى هلال على قواعد الأدباء والرواة .ويؤيد مذهبنا أن ذلكم المجهول الرواي عن العلاء رقي مثله ، ولعل بذلك تنجبر الجهالة .


الثالث : أنها منسوبة إليه في روضة العقلاء([2]) لأبي حاتم البتستي : سمعت محمد بن عثمان العقبي قال : سمعت هلال بن العلاء الباهلي يقول : جعلت على نفسي منذ أكثر من عشرين سنة أن لا أكافيء أحداً بسوء وذهبت إلى هذه الأبيات . وذكر الأبيات .
وقوله : ( ذهبت ) مشكلة فهي تحتمل أنها له و أنها تمثل بها . ولكن هذا منجبر بالجزم في رواية الطيوريات .
هذا والله تعالى أعلم





[1]  -  تاريخ بغداد (7/434) .
[2]  - روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ، أبو حاتم البتستي ، دار الكتب العلمية ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، ص : 169 . وفيه: "غم" بدل "هم"، و"حشا" بدل "ملا"، و"محبّات" بدل "تحيات".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق