مقدمة في علم أصول النحو (3)


      أقسام العلل عند الزجاجي :
ثلاثة أضرب : تعليمية وقياسية وجدلية .
شرح :
تعليمية : التي يتوصل بها إلي تعليم كلام العرب ومثاله لما سمعنا قولهم :" ركب عمرو فهو راكب " عرفنا اسم الفاعل فقلنا :" ذهب زيد فهو ذاهب ".
قياسية : لم نصب اسم "إن " أجابوا : لقياسها علي فعل متعد إلي مفعول به .
جدلية : مثل ما يقوله قائل في "إن " لم شبهتموها يالمتعدي دون اللازم وبالمتقدم مفعوله دون المتأخر مع مخالفة الأصل ؟؟ فهذا كله جدل .
مسالك العلة :
وهي ما تثبت به أو تحكم من أجله العلة.
الأول : الإجماع كإجماعهم أن تقدير الحركات في المقصور التعذر وفي المنقوص الاستثقال .
الثاني : نص العربي عليها مثاله ما رواه ابن جني عن المبرد قال : سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ :" ولا الليل سابقُ النهار " فقلت له : ما تريد ؟؟ قال : أردت سابقٌ النهار فقيل له : فهلا قلته  قال : لو قلته لكان أوزن أي أثقل .
الثالث : الإيماء  كما روي أن قوماً من العرب أتوا النبي _ صلي الله عليه وسلم _ قال : من أنتم ؟؟ قالوا : نحن بنو غيان ، فقال : أنتم بنو رشدان .
قلت : أشار إلي أن الألف والنون زائدتان فالمعني منسوب إلي الغي وليس لرجل  اسمه " غيان " ولذا عدل إلي "رشدان " وهذا إيماء .
الرابع : السبر والتقسيم
وهو ذكر الوجوه المحتملة ثم اختبار ما يصلح منها ونفي باقيها .
وهو دليل اسمية " كيف " وفعلية " نعم و بئس " .
الخامس : المناسبة  وهي معلومة .
السادس : الشبه
كإعراب المضارع لشبهه بالاسم
السابع : الطرد
وهو ضعيف في إثبات العلة كقولهم في بناء ليس لأنها غير متصرفة ولاطراد البناء في كل فعل غير متصرف فيجاب : بأن الأصل في الأفعال المتصرفة وغيرها البناء فالاطراد ضعيف .
الثامن : إلغاء الفارق :
 وهو بيان أن الأصل والفرع لا يفترقان إلا فيما لا يؤثر فيلزم اشتراكهما كقياس الفعل الماضي غير المتصرف علي الماضي المتصرف .
قوادح في العلة :  
القادح :  بالكسر هو خلل في العلة أو بعض أجزائها وذلك يثلاثة أمور :
الأول : وجود الحكم دون علته المزعومة .
الثاني : وجود العلة دون حكمها في نص .
الثالث : إبطال بعض أجزاء العلة دون بعض فيبقي حكم ما أثبته ما لم يبطل منها .
·      النقض :
 وهو مفسد العلة أو منزلها من الايجاب إلي إلي حكم نحوي دونه .
مثاله : من نصب الطويل في قولهم " يا زيد الطويل " لكونه وصفاً لمفرد مضموم فيقال : هذا منقض بقولهم : يا أيها الرجلُ وقوله تعالي " قل يا أيها الكافرون ".
·      تخلف العكس :
 وهو الحكم بالضد عند انتفاء علة الحكم بضده فهما ضدان إذا انتفت علة الحكم بالأول وجب الحكم بالآخر وهذا عند من يري أن العكس شرط في العلة .
ومثاله :
عدم رفع الفاعل  عند عدم إسناد فعل إليه لان علة الرفع الإسناد .
وقال بعضهم : تخلف العكس ليس بشرط فإن العلة يلزم من وجودها الحكم ولا يلزم من عدمها عدمه وهو الراجح .
·      عدم التأثير :
وهو أن يكون الوصف لا مناسبة له .
كتعليلهم عدم صرف " حبلي " بألف التأنيث المقصورة فذكر المقصورة حشو لا فائدة فيه ولا مناسبة له .
شروط الوصف في العلة :
 اثنان : أحدهما : أن يكون له تأثير .الثاني : أن يكون فيه احتراز .
·      القول بالموجب :
قال ابن الانباري في جدله : وهو أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجباً للعلة مع استبقاء الخلاف .
وجاء في مراقي السعود :
والقول بالموجب قدحه جلا *** وهو تسليم الدليل مسجلا
من مانع أن الدليل استلزما *** لما من الصور فيه اختصما
مثاله :
إذا استدل مستدل علي أن " أل " تدخل علي المضارع لكونه معرباً فيقال له : إذن تدخل عليه حروف الجر لكونها داخلة علي المعربات .
·      فساد الاعتبار : وهو الاستدلال بالقياس في مقابلة النص .
مثاله : أن يقول البصري : ترك صرف ما  ينصرف لا يجوز في ضرورة الشعر لأن الأصل الصرف فلا يحاد عنه , فوجب منه انه لا يجوز قياساً مد المقصور لأنه حيدة عن الأصل .
فيجاب : هذا استدلال بالقياس علي النص فقد ثبت عن العرب مد المقصور في أبيات .
·      فساد الوضع : وهو أن يعلق علي العلة ضد المقتضي , قاله ابن الأنباري .
معناه : أن يأتي المستدل بعلة غير صالحة لمعلولها أو علي هيئة لا يترتب عنها الحكم المراد التعليل له .
مثاله : أن يقول الكوفي : يجوز التعجب من السواد والبياض لأنهما أصلا الألوان.
فيقال له : إن عدم جوازه في الفرع مقتض للعدم الجواز في الأصل من باب أولي وأن جوازه في الأصل مقتض الجواز في الفرع .
·      المنع للعلة : ويكون في الأصل والفرع .
مثاله : كقول القائل : المبتدأ مرفوع لأن الابتداء بالاسم يوجب رفعه .
فيقال له : لا نسلم لك أن الابتداء باسم يوجب رفعه .
·      المطالبة بتصحيح العلة :
مثاله : أن يقال :" قبل"و" بعد" بنيتا لاقتطاعهما عن الإضافة .
فيقال : وما الدليل علي صحة العلة ؟؟
ما تصح به العلة عندئذ:
وتصح العلة عندها بشيئين : التأثير وشهادة الأصول .
التأثير : ما يلزم من وجوده وجود حكمه ومن زواله زواله , فيقال : إذا اقتطعتا عن الإضافة بنيتا حتما و إلا أعربتا .
شهادة الأصول : وهو ما وقع من أدلة علي الحكم  .
·  المعارضة : قال ابن الأنباري : وهو أن يعارض المستدل بعلة مبتدأة  و الأكثرون علي قبولها لأنها دفعت العلة .
وقيل : لا تقبل لأنها تصد لنصب الاستدلال وهو رتبة المسؤول  وليس السائل .
قلت : والأخير منتقض والعبرة بقوة المعارضة .
مثاله : قول الكوفي بالإعمال في الأسبق لسبقه فيرد عليه البصري بإعمال الأقرب لأن العبرة به .
وهي نوعان :
معارضة في الأصل : إبداء وصف غير صالح في الأصل لما وضع له .
معارضة في الفرع : إبداء وصف غير صالح في الفرع لما وضع له .
مسألة :
أذكرها تتميماً للفائدة بعيد ذكر العلة للعلاقة بينهما وهي مسألة التفريق بين الشاهد والمثال فالأول فيه علة والثاني قياس عليه .
معني الشاهد : قال عبادة في شرحه علي الشذور :الشاهد جزئي يذكر فإثبات القاعدة ولا يكون غلا من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام العرب العرباء .
معني المثال : قال :" هو جزئي لتوضيح القاعدة  فينهما من العموم والخصوص المطلق باعتبار المحل فكل ما صلح شاهداً صلح مثالاً ولا عكس ".
ترتيب الأسئلة :
قال ابن الأنباري : لا يجب ترتيب الأسئلة بل يوردها السائل كيف شاء لأنه جاء مستفهماً مستعلماً لا معترضاً .
قلت: فعليه يكون الترتيب للمعترض المجادل لا للمستفهم أو له بشرط الإيراد علي نية التثبت من إيجاب العلة لحكمها .
·  فساد الاعتبار ثم فساد الوضع ثم القول بالموجب ثم المنع ثم المطالبة ثم النقض ثم المعارضة .
حسن التعليل :  ولا يناط بنا بيانه فما هو إلا مشبه اسمه مبحثنا ولا علاقة له بالأصول وإنما هو من مباحث البلاغة ( 1) .
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) : حسن التعليل هو استنباط علة مناسبة للشيء غير حقيقية بحيث تكون علي وجه لطيف بليغ يحصل به زيادة في المقصود .
وأقسامه أربعة :
الأول : وصف ثابت غير ظاهر العلة ومنه قول المتنبي :
لم تحك نائلك السحاب وإنما *** حمت به فصبيبها  الرحضاء
ومعناه أن السحاب أصابته الحمي من شدة غيرته من كرم الممدوح فعلاها الرحضاء من شدة الحمي ونزل منها مطرها الذي هو رحضاؤها فعجز البيت حسن تعليل لصدره !!
الثاني : وصف ثابت ظاهر العلة غير التي تذكر مثل قوله :
 ما به قتل أعدائه ولكن *** يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب
أي انه ما يرجو قتل عدوه لحاجة نفسه ولكن لئلا يخلف الذئاب ما وعدها من لحومهم ومنه فالحامل علي القتل غير الوفاء للذئاب .
الثالث : وصف غير ثابت وهو ممكن مثل قول مسلم بن الوليد :
يا واشياً حسنت فينا إساءته *** نجي حذارك إنساني من الغرق
ومعناه أنه استحسن إساءة الواشي فنجي مع ذلك إنسان عينه من الغرق في الدموع لحذره من البكاء واستحسان الإساءة ممكن غير ثابت !
الرابع : وصف غير ثابت وهو غير ممكن مثل قول القزويني :
لو لم تكن همة الجوزاء خدمته *** لما رأيت عليها عقد منتطق
ومعناه : انه لولا أن الجوزاء رامت خدمة الممدوح لما رأينا عليها نطاقها الذي شدت علي وسطها تشميراً للخدمة ونطاقها كوكب بجوارها يقال له نطاق الجوزاء !! 
........................................................................

السؤال والجواب :

قال ابن الأنباري : السؤال طلب الجواب بأداته ومبناه علي سائل وسؤؤل عنه ومسؤل به .
معني السؤال: الاستفهام بأداة بقصد التفهم .
الجواب : تحقيق الإفادة المستفهم عنها بلا زيادة ولا نقصان ولا إبهام .
آداب السائل :
·      أن يقصد الاستفهام لا قطع المسؤول.
·      ألا يبهم سؤاله .
·      أن يسأل من هو أهل للإفادة .
·      أن يرتب الأسئلة بنية التثبت لا المخاصمة إن كان معترضاً .
·      أن سأل عما يلائم مذهبه .
آداب المجيب :
·      أن يكون جوابه مطابقاً للسؤال .
·      ألا ينتقل من سؤال إلي غيره بلا جواب وإلا عد منقطعاً عند الاعتراض .
مسألة الدور:
قلت : تقدم معناه في الاصطلاح , وقال ابن جني في الخصائص : وذلك أن تؤدي الصنعة إلي حكم ما , مثله يقتضي التغيير فإن أنت غيرت صرت غلي مراجعة مثل ما منه هربت فحينئذ يجب أن تقيم علي أول رتبة .
مسألة التضاد والطارئ :
قال ابن جني : إذا ترادف الضدان في شي كان الحكم للطارئ ويزول الأول .
قلت : إذ لم يمكن بقاء الجميع لأن الزائل أصل والطارئ فرع فإذا أمكن بقاؤه فلا مانع .
ومثال الأول : دخول " أل " التعريف علي المنون يلزم ذهاب التنوين وبقاء التعريف للمضادة وكذلك منه حذف التنوين للإضافة .
مسألة التسلسل :
قال الأندلسي شارح الفصل ما حاصله : من قال : إن العامل في الصفة مقدر أجاز الوقف علي "زيد " في قولك " جاءني زيد العاقل " ولابتداء بالعاقل لأن تقديره علي المقدر " جاءني العاقل " وهي جملة فيه صفة بلا موصوف فوجب تقدير الموصوف والوقف عليه والبدء بالصفة وهكذا دواليك .
قلت :  وعليه فالتسلسل ممتنع .
اجتماع الأدلة :
قد تجتمع الأدلة السماع والإجماع والقياس دليلاً علي مسألة .
قال أبو حيان : الباء في خبر " ما " التميمية خلافاً للفارسي والزمخشري , يدل عليه السماع والقياس والإجماع .
أما السماع ففي أشعار تميم .
وأم القياس : فلأن الباء دخلت علي الخبر لكونه منفياً لا لكونه منصوباً بدليل دخولها بعد " ما " المكفوفة وبعد " هل " .
وأما الإجماع فنقله أبو جعفر الصفار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق