مقدمة في علم أصول النحو (2)


متفرقات دليل السماع :
·      المتواتر :
ما كان عدد ناقليه عدداً لا يحوز علي مثلهم الاتفاق علي الكذب وهو في المسموعات الثلاثة واقع : القرءان والسنة وكلام العرب .
والمتواتر قطعي مفيد للعلم .
·      الآحاد :
وهو ما تفرد به بعض أهل اللغة ولم يتواتر وهو مأخوذ به , والأكثرون علي أنه مفيد للظن  .
·      المرسل :
وهو ما انقطع سنده نحو أن يروي ابن دريد عن أبي زيد .
·      المجهول :
هو الذي لم يعرف قائله  وهو من المردود علي الصحيح  .
الإجازة :
مختلف فيها والصحيح جوازها .
شروط الراوي :
العدالة والضبط ويجوز نقل أهل الأهواء إلا من يتدين بالكذب ويجوز نقل الرجل والمرأة  والحر والعبد .
الكتاب الثاني : الإجماع
معناه :
اتفاق أهل العراقيين : الكوفة والبصرة علي حكم نحوي .
شروط حجيته :
شرطان : أولهما : عدم مخالفة المنصوص ,
الثاني : عدم مخالفة المقيس علي المنصوص .
قال ابن جني في الخصائص <<1>>:" لأنه لم يرد في قرءان ولا سنة أنهم لا يجتمعون علي خطأ فكل من فرق له عن علة صحيحة وطريق نهجة كان " خليل " نفسه و"أبا عمرو" فكره إلا أننا لا نسمح بمخالفة الجماعة التي طال بحثها وتقدم نظرها إلا بعد إمعان وإتقان ".
قلت: ومن إجماعهم أن الكلمة : اسم وفعل وحرف , وهو إجماع استقرائي .
قال ابن الخشاب  في المرتجل :" لو قيل عن " من " في الشرط لا موضع لها من الإعراب لكان قولاً إجراء لها مجري " إن " الشرطية , وتلك لا موضع لها من الإعراب , ولكن مخالفة المتقدمين لا تجوز ". اهـ
مثاله : الإجماع علي انحصار الكلمة في الاسم والفعل والحرف .
مثال الإجماع المنخرم : ما نقله السيرافي من إجماع علي أن الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب .
الإجماع السكوتي :
معتبر ومعتد به إذا لم يخالف نصاً أو مقيساً علي نص وقد قال به أبو البقاء وغيره .
إحداث قول من قولين متقدمين :
قال أبو البقاء  في التبيين :" أهل العصر الواحد إذا اختلفوا علي قولين , جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث , هذا معلوم من أصول الشريعة وأصول اللغة محمولة علي أصول الشريعة ". اهـ
قلت : واشتهر فعل ذلك عن أبي البقاء نفسه وأبي علي وغيرهما .
الكتاب الثالث : القياس :
معناه :
قال ابن الأنباري في الجدل : هو حمل غير المنقول علي المنقول إذا كان في معناه .
قلت : ولهذا قيل في النحو : إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب .
وقال ابن الأنباري : اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق لأن النحو كله قياس ...ولا يعلم أحد من العلماء أنكره لثبوته بالدلالة القاطعة .
أركان القياس :
أصل وفرع وحكم وعلة جامعة .
شرح :
أصل : وهو المقيس عليه .
فرع: وهو المقيس .
حكم : ما ننزله علي المقيس  من المقيس عليه .
علة : مقتضي تنزيل الحكم علي الفرع من الأصل .
مثال : كتب زيد وكتب عمرو
زيد : أصل , عمرو: فرع , إسناد الكتابة : حكم , صحة الكتابة من الأصل والفرع : العلة الجامعة .
أنواع القياس النحوي :
·  حمل فرع علي أصل : من ذلك إعلال الجمع لإعلال مفرده ك" قيم " من " قيمة " .
·  حمل أصل علي فرع : من ذلك إعلال المصدر لإعلال فعله ك" قيام " من " قام " .
·  حمل نظير علي نظيره : وهو قسمان : نظير في اللفظ ونظير في المعني فالأول توكيد المضارع بالنون بعد " لا " النافية حملاً علي نظيرتها " لا " الناهية .
والثاني : منه جواز "غير قائم الزيدان " حملاً علي " ما يقوم الزيدان ".
·  حمل مقابل علي مقابل : مثل " لم يضربِ الرجل " حمل الجزم علي الجر وهما مقابلان .
والنوعان الأولان يسميان قياس التساوي والثالث قياس الاولي والرابع قياس الأدون .
أنواعه من جهة الجلاء وعدمه :
·  قياس جلي : حمل غير منقول علي منقول لعلة جلية توجب حكماً ومنه حذف نون المثني في صلة "أل" علي حذف النون من الجمع فيها .
·      قياس خفي : وهو حمل غير منقول علي منقول لعلة قاصرة وقد تقدم .
الأصل أو المقيس عليه :
شروطه :
الأول : ألا يكون شاذاً خارجاً عن سنن القياس مخالفاً الجادة .
الثاني : ألا يكون ضرورة .
الثالث : ألا يكون من المختلف في حكمه فعندها يصبح فرعاً لا أصلاً علي قول .
مسائله :
الأولي : الشاذ لا يقاس عليه نطقاً ولا تركاً .
شرح:
ترك العرب النطق ب" وذر" مع نطقهم ل" وعد " فلا تقاس الأول علي الثانية لإطباق العرب علي شذوذ الأولي وهو منهم ترك فالقياس علي الشاذ ممتنع في الفعل والترك .
الثانية :ليس من شرط الأصل الكثرة .
شرح:
فالأصل يصح أن يكون قليلاً في لغة العرب ما لم يكن شاذاً فقد قاست العرب "حلبي" من "حلوبة" علي "شنئي" من " شنوءة" مع تفرد المثال .
الفرع أو المقيس :
ويسمي المحمول وهو من كلام العرب لقول المازني : ما قيس علي كلام العرب فهو من كلام العرب .
قلت: لتعذر أن تقول العرب كل كلام ولكون الكلام أغلبه القياس ولتعذر الاكتفاء بتقليد  في المسموع دون تعديه .
الحكم :
مسائله :
الأولي : إنما يقاس علي حكم ثبت استعماله عن غير وكذلك ما ثبت بالقياس والاستنباط.
شرح:
كاسم الفاعل المتحمل للضمير متي صار حالاً لم يتحمله لكونه في الأول مقيساً علي الفعل الظاهر والثاني لا يقاس عليه والصفة المشبهة من اسم الفاعل كذلك .
 
الثانية : الأصل المختلف في حكمه .
قال ابن الأنباري : اختلف في القياس علي الأصل المختلف في حمكه فأجازه قوم لأن المختلف فيه إذا قام الدليل عليه صار بمنزلة المتفق عليه , ومنعه آخرون لأن المختلف فيه فرع لغيره فكيف يكون أصلاً ؟
فاجيب عنه : بأنه يجوز أن يكون فرع شئ أصلاً لغيره فإن اسم الفاعل فرع للفعل في العمل وهو أصل للصفة المشبهة .
العلة :
قال ابن جني : اعلم أن علل النحويين أقرب إلي علل المتكلمين منها إلي علل المتفقهين وذلك لأنهم إنما يحيلون إلي حس ويحتجون بثقل الحال أو خفتها علي النفس .
نادرة :
قال السيوطي : قال بعضهم : إذا عجز الفقيه عن تعليل الحكم قال : هذا تعبدي , وإذا عجز النحوي عنه قال : هذا مسموع .وقال في الأشباه والنظائر الفقهية : والطبيب قال : تجريبي .
أقسام العلل وتفرعها :
قال أبو عبد الله الدينوري في كتابه " ثمار الصناعة " : اعتلالات النحويين صنفان : علة تطرد في كلامهم , وعلة تظهر حكمتهم وتكشف صحة مقاصدهم في موضوعاتهم .
الأولي :
وهو واسعة الشعب ومدارها علي أربعة وعشرين نوعاً وهي :
·      علة سماع : كقولهم : " امرأة  ثدياء " ولا يقولون " رجل أثدي " .
·      علة تشبيه : كإعراب المضارع لمشابهته للاسم .
·      علة استغناء : كاستغنائهم ب" ترك " عن " ودع ".
·  علة استثقال : كحذف الواو من مضارع " وعد " لوقوعها بين الياء والكسرة في " يعد " وهي مستثقلة .
·      علة فرق : كإضافة الألف بعد واو الجماعة .
·      علة توكيد : كدخول النون علي فعل الأمر .
·      علة تعويض : كتعويضهم عن يا النداء بالميم في " اللهم " .
·      علة نظير : ككسرهم أحد الساكنين إذا التقيا في الجزم حملاً علي الجر .
·  علة نقيض : نصبهم النكرة ب" لا" حملاً علي " إن " نقيضها ف"لا " لنفي الجنس و" إن " لتوكيد إثباته .
·  علة حمل علي المعني  : كتذكير فعل الموعظة في قوله تعالي :" فمن جاءه موعظة " لدخولها في معني الوعظ .
·      علة مشاكلة : مثل قوله تعالي :" سلاسلا وأغلالاً ".
·      علة معادلة : كجرهم ما لا ينصرف بالفتح معادلة عن الجر .
·      علة قرب أو مجاورة : مثل الجر بالمجاورة في قولهم : جحر ضب خرب .
·      علة وجوب : كرفعهم الفاعل .
·      علة جواز : كتعليل الإمالة .
·      علة تغليب : مثل قوله تعالي :" وكانت من القانتين ".
·      علة اختصار : مثل باب الترخيم .
·      علة تخفيف : كالإدغام .
·      علة أصل : ك" استحوذ" .
·      علة دلالة حال : كقول المستهل " الهلال " أي " هذا الهلال ".
·  علة تحليل : كاسمية " كيف " بتحليل شبه خلاف المدعي  قاله ابن الخشاب ولم يعرفه ابن مكتوم .
·      علة إشعار : وهذا في النيابة عن محذوف إشعار به .
·  علة تضاد : مثل قولهم في الأفعال التي يجوز إلغائها متي تقدمت وأكدت بالمصدر أو بضميره : لم تلغ .
·      علة أولي : كتقديم الفاعل علي المفعول .
قلت : ثم بانت لي علة أخري غير ما ذكر الدينوري وهي علة المناسبة كقوله تعالي :" من سبأ بنبأ "قال بها السيوطي وبينها وبين علة المشاكلة خيط رفيع لا يبين لكل أحد وهذه العلة مقدمة عندهم علي القياس الصحيح ولذا قال السيوطي في همع الهوامع <<3>>: "والمختار وفاقاً للأخفش وخلافاً لأبي حيان وغيره جوازه أي ما جاز في الضرورة في النثر للتناسب والسجع نحو قوله : اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن والقياس : وما أضلوا ".اهـ
ومثل للمناسبة الفاسي بقول نكر فقال : وكترك التناسب فإنه أقبح من صرف غير المنصرف عند فقد " أل" والإضافة فلذا صرف " سلاسلا" من صرفه لمناسبة " أغلالا " عملا ً بأخف الأقبحين عنده من صرف غير المنصرف للتناسب .
قلت : ليس في كتاب الله تعالي الذي هو أحسن الحديث ضرورة تلجأ أحداً إلي استعمال قبيح احترازاً من أقبح فالله المستعان .
الثانية : المسماة علة العلة كما سماها ابن السراج كعلة رفع الفاعل أو نصب المفعول .
قلت : ومنهم من جعلها ضربين : ما لا بد للطبع منه كقلب الألف واواً للضمة قبلها ,و ما يمكن تحمله مع المشقة كقلب الواو ياء بعد الكسرة إذا يمكن أن تقول عصافور من عصافير .
ومنهم من جعلها قسمين : بسيطة ومركبة.
·      والأولي : ما يعلل بها من وجه واحد كالجوار.
·   والثانية : يعلل بها من وجهين أو أكثر كقلب ميزان بوقوع الياء ساكنة بعد كسرة فالعلة وجود السكون والكسرة معاً .
مسألة : الاختلاف في إثبات الحكم في محل النص بالعلة أم بالنص ؟؟
شرح :
فيه قولان : الجمهور علي أنه بالعلة وبعضهم قال بالنص .
وقال بعضهم : في محل النص به وفي المقيس عليه بالعلة وهو الصواب .
ومثال المسألة : تذكير الفعل في قوله تعالي :" فمن جاءه موعظة " ثابت بالنص أم بالعلة؟؟
الجواب :
 بالنص لأن العلة في حصرها يدخل الاحتمال غير النص وأن المنصوص أحج من المعلول بالعقول .
أما لو قلنا لما ثبت تذكير الفعل في قولنا " جاءني النصيحة " فليس للنص بها ولكن لعلة أنها بمعني النصح  والله أعلم .
شرط العلة في القياس :
·      أن تكون موجبة للحكم في المقيس عليه .
·      أن تكون سالمة من قادح .
·      أن تكون تامة غير قاصرة علي أحد القولين في القاصرة .
·      ألا تعارض نصاً إذ إنه الجادة والأصل  .
مسألة : العلة القاصرة :
شرح :
مختلف فيها علي قولين والراجح أنها مفيدة في التفريق بين المنصوصات ولا تفيد حكماً بذاتها علي قصورها وهو اختيار ابن الانباري .
مسألة : التعليل بعلتين .
شرح :
جوزه قوم ومنعه قوم والراجح جوازه لوقوعه كقلب الواو ياء في " سوي " إلي" سي" لعلتين هما : لوقوع الواو ساكنة بعد كسر , أو لأنها ساكنة قبل ياء .
مسألة : تعليل حكمين بعلة واحدة .
شرح :
جائزة لوقوعها سواء تضاد الحكمان أم لم يتضادا ومثال الأول : قولهم " مررت بزيد " ففيه استدلال علي أن الجار معدود من جملة الفعل لمعاقبته لهمزة الاستفهام التي هي من جملة الفعل.
توضيح :
لو قلنا : " أمررت زيداً ؟؟ فرد : مررت بزيد  وعدَّ في الأولي الهمزة من الفعل فكذلك يعادلها " مررت بزيد " وتقاس الباء علي الهمزة فتعد من جملة الفعل .
ومستفاد من العلة : ان الجار يجري مجري المجرور لعدم الفصل بينهما أيضاً .
والحكمان مختلفان لكنهما مؤتلفات لائقان .
ومثال التضاد لا يستقيم وهو اختيار ابن جني والله أعلم .
مسالة : دور العلة .
معناه : إعلال أحد المعلولين بالآخر .
مثاله : قولهم " ضَرَبتُ " بوجوب إسكان لام الفعل لتحرك ما بعده ووجوب تحرك المضمر لسكون ما قبله  وهي مسالة المبرد .
مسألة : التعليل بالعدميات .
قلت : جائز كالتعليل بالاستغناء وهو أمر عدمي .
مسألة : إيجاب علل النحو.
قال الزجاجي في كتابه " إيضاح علل النحو " : علل النحو ليست موجبة وإنما هي مستنبطة أوضاعاً ومقاييس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق