حديث العماء رواية ودراية

حَدِيثُ
العَـمَاءِ رِوَايَـةً وَدِرَايَـةً
حَقَّقَهُ
وَلِيـدُ بنُ حُسْـنِي بنِ بَـدَوِي بنِ مُحَمَّـدٍ الأُمَـوِيُّ
عَفَا اللهُ عَنْهُ


مُقَدِّمَةٌ

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا جزءٌ جَمَعْتُهُ من كلامِ أهلِ العلمِ في حديثِ أبي رُزَينٍ العُقَيلِيِّ المشهورِ والذي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى إنه كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، أسميته (حديث العماء رواية ودراية) وجعلت الكلام فيه في فصلين:
الفصل الأول: طرق الحديث، وذكر من صححه أو ضعفه من العلماء، ثم ذكر الترجيح.
الفصل الثاني: ذكر معنى الحديث عند أهل السنة، وذكر كلام بعض الفرق فيه.

والله أسأل أن يجعل عملي هذا مقبولًا وفي سبل الخير مصروفًا، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.




الفصل الأول: طرق الحديث، وذكر من صححه وضعفه من العلماء، ثم ذكر الترجيح.



طرقه


رواه أحمد بن حنبل في مسنده ( 26 / 108 ) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِـي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ:" كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ".

وأيضًا رواه ( 26 / 117 ) من طريق بهز قال: حدثنا حماد به.

ورواه كذلك من طريق يزيد بن هارون : ابن بطة في الإبانة الكبرى(2536). وكذلك ابن ماجه ( 1 / 64 ) ، والترمذي (5/288)، وابن أبي شيبة في العرش(ص 313 برقم 7).
ورواه ابن الجوزي في تاريخه المسمى "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"(1/122) وهو إسناد أحمد في المسند.

ورواه الطبراني ( الكبير 19 / 207 ) من طريق أسد بن موسى ، وحجاج بن منهال قالا: حدثنا حماد بن سلمة به.

وابن حبان( 14 / 8) من طريق حجاج وحده قال حدثنا حماد به. وكذلك ابن جرير في تفسيره (15/246 ، 246-247) من طريق حجاج ، ويزيد بن هارون قال حدثنا حماد به.

ورواه كذلك ابن أبي عاصم في السنة(331 ) من طريق حجاج بن منهال.

ورواه أبو الشيخ في العظمة(1 / 363 ) من طريق أبي داود الطيالسي قال حدثنا حماد به. وأصل تلك الرواية في مسند الطيالسي(ص 147 ). وكذلك رواه البيهقي في الأسماء والصفات(2/235).ورواه أيضًا في الأسماء والصفات(2/303) من طريق ابن أبي إياس عن حماد به.

ورواه ابن عبد البر في التمهيد(7/137) من طريق محمد بن عبد الله الخزاعي قال حدثنا حماد بن سلمة به.
ورواه ابن الجوزي في تاريخه المسمى "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"(1/122).

فلم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد غير أبي رزين، ولم يروه عن أبي رزين أحد غير وكيع بن عُدُس، ولم يروه عن وكيع أحد غير يعلى بن عطاء- ووكيع لا يرو عنه غير يعلى-، ولم يروه عن يعلى غير حماد بن سلمة، ورواه عن حماد نفر منهم : يزيد بن هارون، وأبوداود الطيالسي، وأسد بن موسى ، وحجاج بن منهال، وبهز بن أسد العمي، وابن أبي إياس.



ذكرُ من صحَّحهُ من العُلماءِ



(1)الإمام إسحاق بن راهويه : قال فيما رواه ابن بطة في الإبانة عنه بسنده الصحيح([1]) :" قوله في عماء قبل أن يخلق السموات والأرض تفسيره عند أهل العلم أنه كان في عماء يعني سحابة"اهـ
وحكاية إسحاق ذلك التفسير عن العلماء ورضاه به يدل على اقتناعه بصحة الحديث وإلا صار كلامه من القول في الله بغير علم .

(2)الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: قال بعد تفسيره غريب ذلك الحديث([2]):" وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ولا ندري كيف كان ذلك العماء وما مبلغه والله أعلم وأما العمى في البصر فإنه مقصور وليس هو من معنى هذا الحديث في شئ"اهـ
وما كان لأبي عبيد أن يقول ذلك وقد ضعف الحديث، أو حتى توقف فيه، لأنه عند ذلك يكون متجرئًا على القول في الصفات بلا مستند([3]).

(3)الإمام أبو عيسى الترمذي: حسنه في سننه([4]) .
وقال ابن القيم([5]):"... هذا الإسناد صححه الترمذي في موضع، وحسنه في موضع فصححه[ أي الإسناد] في الرؤيا : أخبرنا الحسن بن علي الخلال، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين العقيلي، قال: قال رسول الله:" رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءًا من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت" ،قال: وأحسبه قال: لا تحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قال ابن القطان: فيلزمه تصحيح الحديث الأول أو الاقتصار على تحسين الثاني يعني لأن الإسناد واحد .قال: فإن قيل لعله حسن الأول لأنه من رواية حماد بن سلمة ،وصحح الثاني لأنه من رواية شعبة وفضل ما بينهما في الحفظ بين قلنا، قد صحح من أحاديث حماد بن سلمة مالا يحصى وهو موضع لا نظر فيه عنده ولا عند أحد من أهل العلم فإنه إمام وكان عند شعبة من تعظيمه وإجلاله ما هو معلوم"اهـ

(4)ابن جرير الطبري : صححه في تاريخه قال([6]):" وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش لصحة الخبر الذي ذكرت قبل عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال حين سئل أين كان ربنا عز و جل قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء"اهـ
(5)ابن تيمية النمري الحراني : ذكره في كثير من كتبه([7]) محتجًا به ، ولم يذكر في سنده مطعنًا.
(6)الحافظ الذهبي: قال في كتابه العلو([8]) :"إسناده حسن".
(7)ابن قيم الجوزية: صححه في إعلام الموقعين([9]) ، وفي فتاوى إمام المفتين([10])، وفي حاشيته على أبي داود([11]).
(8)ابن كثير : نقله في تفسيره([12]) ، وأردف بعده قول الترمذي:"هذا حديث حسن"، ولم يعقب.


ذكرُ من ضعَّفوهُ من العلماءِ



(1)ابن الجوزي: في دفع شبه التشبيه([13]).
(2)ابن قتيبة : قال في تأويل مختلف الحديث([14]):"ونحن نقول: إن حديث أبي رزين هذا مختلف فيه، وقد جاء من غير هذا الوجه بألفاظ تستشنع أيضًا!، والنقلة له أعراب !!،ووكيع بن حدس الذي روى عنه حديث حماد بن سلمة أيضًا لا يعرف غير أنه قد تكلم في تفسير هذا الحديث أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عنه أحمد بن سعيد اللحياني أنه قال: العماء السحاب. وهو كما ذكر في كلام العرب إن كان الحرف ممدودًا وإن كان مقصورا كأنه كان في عمى، فإنه أراد كان في عمى عن معرفة الناس كما تقول: عميت عن هذا الأمر فأنا أعمى عنه عمى إذا أشكل عليك فلم تعرفه ولم تعرف جهته ،وكل شيء خفي عليك فهو في عمى عنك .
وأما قوله:" فوقه هواء وتحته هواء" فإن قومًا زادوا فيه (ما) فقالوا "ما فوقه هواء وما تحته هواء استيحاشًا من أن يكون فوقه هواء وتحته هواء !! ويكون بينهما والرواية هي الأولى والوحشة لا تزول بزيادة ما لأن فوق وتحت باقيان والله أعلم"اهـ

(3)بدر الدين بن جماعة : قال([15]):" وأما حديث أبي رزين العقيلي أين كان ربنا قال كان في عماء فهو حديث ضعيف تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس ويقال حدس"اهـ
(4)العلامة الألباني: في المشكاة(3/244)، وظلال الجنة(331)، والضعيفة(11/321)، ومختصر العلو ( 193 و 250)،وضعيف ابن ماجه(182)......،وكذلك ضعفه بعض العلماء طلاب العلم المعاصرين.

وقال الشيخ الألباني في تعليقه على كتاب التنكيل:" حديث أبي رزين مع شهرته وتحمس بعض السلفيين له لا يصح من قبل إسناده ، فيه وكيع بن حدس، قال الذهبي : ( لا يعرف)، وفيما صح في الباب ما يغني عنه"اهـ

وعلته عند الشيخ -رحمه الله- هي وكيع بن عدس أبو مصعب العقيلي: بضم الدال وقيل بفتحها. قال ذلك شعبة وهشيم .وقال أحمد([16]):" وهم فيه هشيم ، أخذه من شعبة".
وقيل: ابن حُدُس ، قاله سفيان وأبو عوانة،وحماد.واختاره أحمد بن حنبل- رحمه الله-([17]).

وقال الألباني في ظلال الجنة (1 / 228):" يقال حدس بالحاء المهملة وهكذا وقع في الرواية المتقدمة وهو الصواب كما قال الإمام أحمد في المسند وهذا من الفوائد التي خلت منها كتب الرجال فإنهم لم يحكوه عنه بينما نقلوا عن ابن حبان أنه قال في الثقات: أرجو أن يكون الصواب حدس بالحاء سمعت عبدان الجولقى يقول ذلك"اهـ

وعلة التضعيف جهالة وكيع بن عدس؛ قال الذهبي([18]):" عن عمه.
لا يعرف.تفرد عنه يعلى ابن عطاء"اهـ
وقال في الكاشف([19]):" وكيع بن عدس أو حدس العقيلي عن أبي رزين وعنه يعلى بن عطاء وثق"اهـ
قوله(وثق): حكاية عن توثيق ابن حبان له([20]).
قال في (مشاهير علماء الأمصار!)([21]):"وكيع بن عدس بن عامر بن أخى أبى رزين العقيلي لقيط بن عامر ويقال حدس من الأثبات!".

وكلام ابن حبان عنه بضميمة تخريجه له في صحيحه([22]) كما مرَّ يدل على معرفته به فيصير توثيقه له في المرتبة الرابعة التي ذكرها العلامة المعلمي لما قال([23]):"وَالتَّحْقِيقُ فِي تَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ عَلَى دَرَجَاتٍ :
الأُولَى : أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ: كَانَ مُتْقِنَاً، أَوْ مُسْتَقِيمُ الْحَدِيثِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
الثَّانِيةُ : أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ جَالَسَهُمْ وَخَبَرَهُمْ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِكَثْرِةِ الْحَدِيثِ ، بِحَيْثُ يُعْلَمَ أََنَّ ابْنَ حِبَّانَ وَقَفَ لَهُ عَلَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ .
الرَّابِعَةُ : أَنْ يَظْهَرَ مِنْ سِيَاقِ كَلامِهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ ذَاكَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً جَيِّدَةً .
الْخَامِسَةُ : مَا دُونَ ذَلِكَ .
فَالأُولَى لا تَقِلُ عَنْ تَوْثِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ ، بَلْ لَعَلَّهَا أَثْبَتُ مِنْ تَوْثِيقِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ، وَالثَّانِيَةُ قَرِيبٌ مِنْهَا ، وَالثَّالِثَةُ مَقْبُولَةٌ ، وَالرَّابِعَةُ صَالِحَةٌ ، وَالْخَامِسَةُ لا يُؤْمَنُ فِيهَا الْخَلَلُ . وَاللهُ أَعْلَمُ"اهـ
وقال ابن قتيبة :" غير معروف". وقال ابن القطان:"مجهول الحال". نقلهما ابن حجر في التهذيب([24]).

ولكنه قال في التقريب([25]):" وكيع بن عدس بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه ويقال بالحاء بدل العين أبو مصعب العقيلي بالفتح الطائفي مقبول من الرابعة"اهـ
وقال الألباني(السنة لابن أبي عاصم:459):" وقال الحافظ : مقبول، يعني: عند المتابعة"اهـ
وقال في اللسان([26]):" وكيع بن عدس أو حدس على وزنه الا انه بحاء مهملة أبو مصعب العقيلي الطائفي عن عمه أبي رزين وعنه يعلى بن عطاء فقط وثقه ابن حبان "اهـ
وقال الجورقاني([27]):" صدوق صالح الحديث".

وذكره مسلم في الوحدان([28]) ولم يذكره النسائي فيمن لم يرو عنه إلا واحد . وذكره ابن أبي حاتم في(الجرح والتعديل) ولم يذكر فيه شيئًا([29]).وكذلك فعل البخاري في تاريخه الكبير([30]).

وقد اختلف أهل العلم في مجهول العين وهو الذي يروي عنه راو واحد فقط ولم يوثقه معتبر:
فقالت طائفة من المحققين : مجهول العين ترتفع جهالته برواية عدل مشهور عنه ، ذهب إلى ذلك الحنفية، وابن خزيمة ، وعزاه النووي في مقدمة شرح مسلم لكثير من المحققين.

وقالت طائفة: كذلك ، إذا عرف الراوي عنه بأنه لا يروي إلا عن عدل،كابن مهدي رحمه الله.
وقيل: بل ترتفع إذا كان معروفًا في قبيلته ، أو مشهورًا بفضل ، أو روى عنه آخر([31]).
وقيل: ترتفع جهالته مع رواية واحد عنه بتزكية أحد أئمة الجرح والتعديل له.
وقيل: يستأنس بحديث من كان في عصر التابعين ولم يرو عنه إلا واحد لخيرية القرن.
والأكثرون على عدم قبول رواية مجهول العين([32]).

وبعضهم يعلل الضعف باختلاط حماد بن سلمة أو إن شئت فقل : لصحة عقيدة حماد بن سلمة ولموافته للسلف في إمرار آيات الصفات وأحاديثها على طريقة السلف الصالحين، ومن اولئك المغرورين محمد زاهد الكوثري في تعليقه على(السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل)، قال([33]):" وأما حديث أبي رزين ففي سنده حماد بن سلمة مختلط، وكان يدخل في حديثه ربيباه ما شاءا؛ وليس في استطاعة ابن عدي ولا غيره إبعاد هذه الوصمة عنه، ويعلى بن عطاء تفرد به عن وكيع بن حدس أو عدس، وهو مجهول الصفة، وهو تفرد عن أبي رزين، ولا شأن للمنفردات والوحدان في إثبات الصفات فضلا عن المجاهيل وعمن به اختلاط، فليتق الله من يحاول أن يثبت به صفة لله.

وقد سئم أهل العلم من كثرة ما يرد بطريق حماد بن سلمة من الروايات الساقطة في صفات الله سبحانه. وقد روى أبو بشر الدولابي الحافظ عن ابن شجاع عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: " كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبدان فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانا خرج إليه في البحر فألقاها إليه"اهـ

(قلت): أما قوله بأن ربيبيه يدخلان في كتبه ما شاءا فتكرار لما قال في (تأنيب الخطيب) ينقله عن ابن الجوزي الذي لم يذكر في دفع شبه التشبيه علة للحديث غير وكيع بن حدس وتفرد يعلى عنه، فلو كان حماد كذلك عنده لضعف الحديث بحماد ولكنه لم يفعل!، هذه واحدة.

وأما حكاية أن شيطانًا خرج إليه من البحر...إلخ : فهي من رواية محمد بن شجاع ابن الثلجي ، قال فيه الذهبي:" ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقد اتهم. نسأل الله السلامة "اهـ
وأما أن يكون إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال ذلك ففيه نظر، ولذا قال المعلمي :" وإبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدي ولد أبوه سنة 135 فمتى ترى ولد إبراهيم ؟ ومولد ابن الثلجي كما ذكر عن نفسه سنة 181 فمتى تراه سمع من إبراهيم ؟ وفي ترجمة قيس بن الربيع من ( التهذيب ) شيء من رواية ابن المديني عن إبراهيم وهذا يشعر بأنه عاش بعد أبيه ، وأبوه مات سنة 198 فإذا كان إبراهيم مات سنة 200 فمتى صحب حماد بن سلمة حتى عرف حديثه وعرف أنه لم يكن يروي تلك الأحاديث حتى خرج إلى (( عبادان )) وكيف عرف هذا الأمر العظيم ولم يعرفه أوه وكبار الأئمة من أقران حماد وأصحابه ؟ وكلهم ابلغوا في الثناء على حماد كما يأتي"اهـ

وأما دعوى الاختلاط فمردودة ، ولا نطول بردها البحث فردها مبسوط في (التنكيل) للمعلمي: ترجمة حماد بن سلمة.
ويكفينا أن علي بن المديني وهو من هو في معرفة الحديث وعلله والإمامة في الجرح والتعديل قد قال:" من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين".
وغريب من الكوثري أنه لم يعله لروايته في المسند!!، لأنه القائل في المسند([34]):"والمسند مع انفراد ابن المذهب والقطيعي بروايته لا يكون موضع تعويل في شيء! "اهـ

والحاصل أن تعليل ضعف الحديث باختلاط حماد بن سلمة ونحوه لا يقوم به مسموع كلمة في هذه الصناعة وإنما يتحمس له متعصبة الجهمية ونحوهم الذين يبغضون أهل الحق وأئمة السلف ولا يألون جهدًا في غمزهم ولمزهم،

وكما قال ابن قيم الجوزية- قدس الله روحه-:


إنَّ الكلامَ مع الكبارِ وليسَ مَعْ
تلك الأراذلِ سِفْلةِ الحيوانِ
أوساخِ هذا الخلقِ بل أنتانِه
جيفِ الوجودِوأخبثِ الإنسانِ
الطالبين دماءَ أهلِ العِلمِ بالـ
كفرانِ والعُدوانِ والبُهتانِ
الشاتمي أهلِ الحديثِ عداوةً
للسُّنةِ العليا مع القرآنِِ
جعلوا مسبتهَم طعامَ حُلُوقِهم
فاللهُ يقطعُها من الأذقانِ





التَّرجيحُ


·ويترجح لي قبول الحديث لعدة أمور:

الأول: أني لم أقف على أحد ضعفه من أئمة السلف الذين هم أعلم من غيرهم بهذا الشأن لا سيما أئمة الجرح والتعديل منهم كأحمد وإسحاق وأبي عبيد . قال المعلمي- رحمه الله تعالى-([35]):" أئمة الحديث قد يتبين لهم في حديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنه ضعيف، وفي حديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنه صحيح، والواجب على من دونهم التسليم لهم"انتهى

الثاني: أن العلة المذكورة في تضعيف الحديث وهي الجهالة العينية لوكيع بن حدس تزول عند طائفة بقرائن متعينة في وكيع منها أنه من التابعين ومن خير القرون بعد قرن الصحابة وأن عمه أبو رزين صاحب رسول الله وهو الراوي عنه.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي([36]) في ترجمة أصقع بن أسلع عن سمرة بن جندب:" ما علمت روى عند سوى سويد بن حجير الباهلي، وثقه مع هذا يحيى بن معين ، فما كل من لا يعرف ليس بحجة لكن هذا الأصل"انتهى

الثالث: قبول كثير من أئمة السلف لهذا الحديث دون طعن على وكيع، مع علمهم بأن موضوعه أخطر موضوعات الدين موردًا.

الرابع: توثيق ابن حبان لوكيع بن حدس على النحو والشرح المذكورَينِ.

الخامس: عناية العلماء المتقدمين بوكيع بن حدس واختلافهم في ضبط اسمه، وتصحيحهم لحديثه في غير ذلك الموضع، هذه العناية لم نر مثلها لمثله.

السادس: قول الحافظ في التقريب إنه مقبول.

السابع: كون وكيع من مجاهيل التابعين فهو مظنة التوثيق.
قال الحافظ الذهبي([37]):" وأما المجهولون من الرواة , فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن , إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ , وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره , ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه وعدم ذلك"انتهى

قال المعلمي([38]):" فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له وتمكنت معرفتهم به بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلساً واحداً أو حديثًا واحدًا وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه ومنهم من يجاوز ذلك فابن حبان قد يذكر في الثقات من يجد البخاري سماه في تاريخه من القدماء وإن لم يعرف ما روى وعمن روى ومن روى عنه ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره وإن كان الرجل معروفاً مكثرا والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء وكذلك ابن سعد، وابن معين والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة ، بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد"انتهى



الفصلُ الثَّاني: ذكرُ معنى الحديثِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ، وذكرُ كلامِ الفرقِ فيهِ.


اختلف الناس في العماء صورة ومعنى، فقال بعضهم إنها بالمد، وهو الأشهر والأصوب. وقال بعضهم: إنها بالقصر (العمى). وحكى ابن الجوزي وغيره أنها رويت(غمام) بالغين المعجمة وقال: إنه ليس محفوظًا([39]).

أما الأولى، فقال فيها أبو عبيد في غريبه([40]):" قوله: في عماء، في كلام العرب السحاب الأبيض، قال الأصمعي([41]) وغيره: هو ممدود .
وقال الحارث بن حِلِّزة اليشكري:

وكأن المنون تردي بنا *** أعصم ينجاب عنه العماء
يقول: هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب ينشق عنه، يقول: نحن في عزنا مثل الأعصم، فالمنون إذا أرادتنا فكأنما تريد أعصم.
قال زهير يذكر ظباء وبقرًا:

يشمن بروقه ويرش أري الجنوب على حواجبها العماء"اهـ
وقال يزيد بن هارون:" العماء أي ليس معه شيء".
وقال الأصمعي([42]):" ويجوز أن يكون معنى الحديث في عمى أنه عمى على العلماء كيف كان".

وقال إسحاق بن راهويه([43]):" في عماء يعني في سحابة". وقال الخليل بن أحمد([44]):"العماء: السحاب الكثيف المطبق".
وقيل:"العماء : الغيم الرقيق".وقيل: السحاب الممطر.
وقيل:السحاب الأسود.
وأما بالقصر(العمى): هو عبارة عن الحالة المضادة للبصر([45]).



أولًا: معنى الحديثِ على ذلك عندَ أهلِ السُّنَّةِ.


قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية:"وأما قوله (في عماء) فعلى ما ذكره يزيد بن هارون ورواه عنه أحمد بن منيع وقرره الترمذي في أن معناه ليس معه شيء فيكون فيه دلالة على أن الله تعالى كان وليس معه شيء"اهـ

وقال أيضًا([46]):" ...قوله (كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء) لا سيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر والتدبير"اهـ

وقال([47]):" وذكر بعضهم أن هذا هو السحاب المذكور فى قوله (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام)"اهـ

وقال مرعي الكرمي([48]):" هذا الحديث من المشكلات حيث قال عليه السلام كان في عماء وهو سبحانه منزه عن الظرفية ولم أر من كشف عن حقيقته بما يرفع إشكاله إلا أن يقال إن في بمعنى على كما قالوا في قوله أأمنتم من في السماء الملك"اهـ

قلت: وليس كما ذكر، بل قد رفع إشكاله البيهقي في الأسماء والصفات([49])، فقال:" وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ فِي عَمَاءٍ أَيْ : فَوْقَ سَحَابٍ مُدْبِرًا لَهُ وَعَالِيًا عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، يَعْنِي : مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ وَقَالَ : وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يَعْنِي : عَلَى جُذُوعِهَا"اهـ

وأما قوله ( ما فوقه هواء وما تحته هواء) فما فيه محتملة لأن تكون نافية أو موصولة، والضمير عائد اتفاقًا على (العماء).

ومن فوائد الحديث:
·جواز السؤال: أين الله؟
·العلو الذاتي لله تعالى.
·الإشارة إلى سبق خلق الماء على العرش، كما قال ابن جرير.

وليس في الحديث إدنى إشارة إلى ما ذهب إليه الدهرية والفلاسفة من قدم العالم الذاتي أو الطبعي، قال ابن تيمية([50]):" ثم لو دل على وجود موجود على قول من يفسر العماء بالسحاب الرقيق لم يكن في ذلك دليل على قول الدهرية بقدم ما ادعوا قدمه ولا بأن مادة السموات والأرض ليستا مبتدعتين وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده كما قال وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة"اهـ

ونقل ابن القيم([51]) في تفسير رواية(العمى):" قال أبو القاسم: العماء ممدود، وهو السحاب والعمى مقصور: الظلمة، وقد روي الحديث بالمد والقصر، فمن رواه بالمد فمعناه عنده كان في عماء سحاب ما تحته هواء وما فوقه هواء. والهاء راجعة على العماء، ومن رواه بالقصر فمعناه عنده كان في عمى عن خلقه لأنه من عمي عن شيء فقد أظلم عنه"اهـ
وذلك لأن (العمى) هو(الظلمة).




ثانيًا: معنى الحديثِ عندَ الأشاعرةِ.


ذهب كثير من أئمة الأشاعرة إلى تضعيف الحديث منهم: الفخر الرازي في تفسيره لما قال([52]):" السؤال الثاني : هل يصح ما يروى أنه قيل يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل خلق السموات والأرض؟ فقال كان في عماء فوقه هواء وتحته هواء . والجواب : أن هذه الرواية ضعيفة، والأولى أن يكون الخبر المشهور أولى بالقبول وهو قوله صلى الله عليه وسلم كان الله وما كان معه شيء، ثم كان عرشه على الماء "اهـ

وبدر الدين بن جماعة في إيضاح الدليللما قال:" وأما حديث أبي رزين العقيلي أين كان ربنا ؟ قال كان في عماء فهو حديث ضعيف تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس"اهـ
ورد على ظاهره بقوله([53]):" قد بينا ضعف الحديث وعدم الاحتجاج به، وبتقدير ثبوته فالجواب: أن النبي لم ينفر الداخلين في الإسلام أولًا من الأعراب والجاهلية لأنهم كانوا أهل جفاء وغلظة طباع غير فاهمين لدقائق النظر فكان لاينفرهم ويعيرهم بمبادرة الأفكار عليهم.

وقيل: معناه أين كان عرش ربنا؟ بحذف المضاف ويدل عليه قوله: (وكان عرشه على الماء).
وأما قوله: في عماء، روي بالمد والقصر فأما المد فهو الغيم الرقيق والمراد به جهة العلو أي فوق العماء بالقهر والتدبير لا بالمكان.

وأما بالقصر قال الترمذي عن يزيد بن هارون أنه قال: العمى أي ليس معه شيء. فالمراد أنه كان وحده ولا شيء معه، ويدل عليه حديث عمران بن حصين الثابت في الصحيح كان الله ولم يكن شيء غيره وروي ولا شيء معه فشبه عدم الأشياء بالعمى لأن الأعمى لا يرى شيئًا وكذلك المعدوم لا يرى، ونفي التحتية والفوقية في العمى بقوله ما تحته هواء يعني ليس تحت المعدوم المعبر عنه بالعمى هواء ولا فوقه هواء لأن ذلك المعدوم لا شيء فلم يكن له تحت ولا فوق بوجه"اهـ

وذهب إلى تقدير محذوف مضاف إلى لفظ الجلالة كما تقدم من قولهم (عرش الله)، ذهب إلى ذلك غير واحد مهم ابن الأثير الجزري صاحب النهاية([54])، وحكاه ابن الجوزي عن بعضهم في غريبه([55])، وأبو عبيد الهروي صاحب الغريبين([56])، وغير واحد.

وهو مردود لما تقدم من كلام ابن جرير، ولما "روى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء "([57])، ولمناسبة عود الضمير على لفظ الجلالة في قوله (ثم خلق عرشه على الماء)، ومعناه على هذا التأويل أيضًا فاسد لأنه يكون: أين كان عرش الله ؟ فيجاب: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه !! على الماء. هذا لا يستقيم.

وقال القاضي ناصر الدين بن المنير([58]):" وجه الإشكال في الحديث الظرفية والفوقية والتحتية قال: والجواب: أن في بمعنى على، وعلى بمعنى الاستيلاء أي كان مستوليًا على هذا السحاب الذي خلق منه المخلوقات كلها.

والضمير في فوقه يعود إلى السحاب وكذلك تحته أي كان مستوليًا على هذا السحاب الذي فوقه الهواء وتحته الهواء وروى بلفظ القصر في عمى والمعنى عدم ما سواه كأنه قال كان لم يكن معه شيء بل كل شيء كان عدمًا عمي لا موجودًا ولا مدركًا والهواء الفراغ أيضا العدم كأنه قال كان ولا شيء معه ولا فوق ولا تحت".



ثالثًا: معنى الحديثِ عندَ الصُّوفيَّةِ.


صنف([59]) في ذلك الحديث أبو البركات الجامي الصوفي([60]) رسالة ، ونقل الكشميري عن الصوفية في معنى الحديث أنهم قالوا([61]):" إن عماء صفته تعالى وجلّ شأنه هو الصادر الأول ويسمى وجوداً منبسطاً ، ويقولون: إن الصفات زائدة لا عين الذات كما نسب إليهم من لا يدري مذهبهم ، وقالوا: إن الصادر الأول صدر بالإيجاب وهو قديم ، وحاصل الحديث عندهم : كان الله ولم يكن شيء ، لأن العماء وغيره من الصفات ليست بغير الله ، وقال الشيخ محب الله أبادي الصوفي : إن الوجود المنبسط هو مستقر كل شيء ويتصور عليه الأشياء وتستقر وإنه غير متناهٍ"اهـ

وقال ابن عربي([62]):" ولا يقال الأشياء المذكورة ليس شيء منها على صورة الرحمن إلا الإنسان لأنا نقول معنى هذا على زعمك أن أول ظهور الحق من العماء ظهوره في صورة الإنسان ثم ظهر في الصور الأخر"اهـ

والصوفية عليهم غضب الله يعتقدون أن لله صورة تجلت في محمد صلى الله عليه وسلم كما تتجلى صورة المواجه المرآة في المرآة ! صرح بذلك الكفر غير واحد منهم([63]): الكشخانلي، ومحمد الدمرداش ، والجيلي، والبيطار، والقاشاني، والفوتي، وعلي حرازم، والشعراني.

ويقولون في تفسير ذلك فيخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه([64]):" الخاتم لما سبق من صور التجليات الإلهية التي تجلى الحق سبحانه بصورها في عالم الظهور لأنه - صلى الله عليه وسلم - أول موجود أوجده الله في العالم من حجاب البطون وصورة العماء الرباني ثم ما زال يبسط صورة العالم بعدها في ظهور أجناسها بالترتيب القائم على المشيئة الربانية جنسا بعد جنس إلى أن كان آخر ما تجلى به في عالم الظهور الصورة الآدمية على صورته - صلى الله عليه وسلم - وهو المراد بالصورة الآدمية "اهـ

وعندهم أن أول منفصل من عالم الغيب هو الدرة البيضاء التي هي مركز العماء! والدرة البيضاء([65]) هي العقل الأول المذكور في الحديث الموضوع([66]) :" أول ما خلق الله العقل".

وقد يعبرون عن الدرة البيضاء بمصطلح الياقوتة البيضاء ،و"الياقوتة البيضاء : حقيقة الحقائق ، وتفسيرها عندهم أن اللَّه تعالى قبل أن يخلق الخلق ، كانت الموجودات مستهلكة فيه ، ولم يكن له ظهور فى شئ من الوجود ، وتلك هى الكنزية المخفية ، وحقيقة الحقائق التى فى وجودها ليس لها اختصاص بنسبة من النسب ، لا إلى ما هو أعلى ولا إلى ما هو أدنى ، وهى الياقوتة البيضاء ، فلما أراد الحق سبحانه وتعالى إيجاد هذا العالم ، نظر إلى حقيقة الحقائق ، وإن شئت قل إلى الياقوتة البيضاء ، التى هى أصل الوجود ، فذابت وصارت ماء ، ثم نظر إليها بنظر العظمة ، فتموجت لذلك ، كما تموج الأرياح بالبحر فانفهقت كثائفها بعضها فى بعض ، كما ينفهق الزبد من البحر، فخلق اللَّه من ذلك المنفهق سبع طباق الأرض ، ثم خلق سكان كل طبقة من جنس أرضها ، ثم صعدت لطائف ذلك الماء ، كما يصعد البخار من البحار ، ففتقها اللَّه تعالى سبع سموات ، وخلق ملائكة كل سماء من جنسها ، ثم صير اللَّه ذلك الماء سبعة أبحر محيطة بالعالم ، فهذا أصل الوجود جميعه ، ثم إن الحق تعالى ، كما كان فى القدم موجودًا فى العماء التى عبر عنها بحقيقة الحقائق ، والكنز المخفى ، والياقوتة البيضاء كذلك هو الآن موجود فيما خلق من تلك الياقوتة ، بغير حلول ولا مزج ، فهو متجل فى جميعها ، لأنه سبحانه وتعالى على ما عليه كان وقد كان فى العماء ، وقد كان فى الياقوتة البيضاء"([67]).

واليواقيت عندهم كثيرة وتفسيرها متغير بتغير لونها: فاليواقيت منها يواقيت بيضاء، وزرقاء، وصفراء، وحمراء ..ولكل معنى!!



أَهَمُّ المَرَاجِعُ

1.أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات، مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى.
2.إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت.
3.إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، تحقيق وهبي سليمان غاوجي الألباني، دار السلام، الطبعة الأولى.
4.اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
5.الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري، تحقيق عثمان عبد الله آدم الأثيوبي، دار الراية، الرياض، الطبعة الثانية.
6.الإشفاق على الطلاق، محمد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث 1415 هـ / 1994 م.
7.الأسماء والصفات، أحمد بن الحسين أبو بكر البيهقي، تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي، جدة، الطبعة الأولى.
8.الاستقامة، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، المدينة النبوية، الطبعة الأولى1403هـ.
9.التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، تحقيق السيد هاشم الندوي، دار الفكر.
10.التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري أبو عمر، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، طبعة وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.
11.الثقات، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي، تحقيق السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، الطبعة الأولى1395هـ.
12.الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، دار إحياء التراث، بيروت، الطبعة الأولى.
13.السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل، علي بن عبد الكافي السبكي الخزرجي، تحقيق محمد زاهد الكوثري، نسخة شبكية من موقع الكوثري!.
14.الصفدية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، المدينة النبوية، الطبعة الثانية1406هـ.
15.العرش وما روي فيه، محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، تحقيق محمد بن خليفة بن علي التميمي، مكتبة الرشد، السعودية، الطبعة الأولى 1418.
16.العرف الشذي شرح سنن الترمذي، محمد أنور شاه بن معطم شاه الكشميري، تحقيق محمود محمد شاكر، مؤسسة ضحى للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.
17.العظمة، عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني، تحقيق رضاء الله بن محمد بن إدريس المباركفوري، دار العاصمة، الطبعة الأولى.
18.العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق وصي الله بن محمد عباس، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى1408هـ.
19.العلو للعلي الغفار، محمد بن أحمد بن عثمان قايماز أبو عبد الله الذهبي، تحقيق أشرف بن عبد المقصود، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى.
20.الفتاوى الكبرى، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، حسنين محمد مخلوف، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى.
21.الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علو، جدة، الطبعة الأولى1413هـ.
22.الكفاية في علم الرواية، أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي، تحقيق أبي عبد الله السورقي وإبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة النبوية.
23.المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة الثانية.
24.المعجم الصوفي، محمود عبد الرزاق الرضواني، نسخة شبكية من موقع المؤلف.
25.المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، دار صادر، بيروت.
26.المنفردات والوحدان، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، تحقيق سليمان عبد الغفار البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى1408هـ.
27.النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك بن محمد أبو السعادات ابن الأثير الجزري، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
28.بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، الطبعة الثانية.
29.تأويل مختلف الحديث، عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الدينوري، تحقيق محمد زهري النجار، دار الجيل، بيروت 1393هـ.
30.تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى.
31.تاريخ الأمم والملوك، محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت.
32.تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع.
33.تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، الطبعة الأولى1406هـ.
34.تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت.
35.جامع البيان في تأويل آي القرآن، محمد ين جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري، تحقيق تحقيق أحمد محمد شاكر وأخيه محمود، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى.
36.جهالة الراوي، عبد الله السعد، موقعه الإلكتروني على الشبكة المسماة بالإنترنت.
37.حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية1415هـ.
38.درء تعارض العقل والنقل، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، تحقيق محمد رشاد سالم، دار الكنوز الأدبية، الرياض.
39.دفع شبه التشبيه، مطبوع ضمن مجموعة مسماة بالعقيدة وعلم الكلام من أعمال الإمام محمد زاهد الكوثري!، ص229 إلى ص 276، دار الكتب العلمية، بيروت.
40.رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم، عمر بن سعيد الفوتي السينغالي.
41.سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض.
42.سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.
43.سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرين، دار إحياء التراث، بيروت.
44.سؤالات أبي عبيد الآجري، سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق محمد علي قاسم العمري، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، الطبعة الأولى1399هـ.
45.شرح سنن ابن ماجه، السيوطي وعبد الغني وفخر الحسن الدهلوي، طبعة قديمي كتب خانة، كراتشي.
46.صحيح ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية.
47.ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة.
48.غريب الحديث، القاسم بن سلام أبو عبيد، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن، الطبعة الأولى.
49.غريب الحديث، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
50.فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت.
51.فتح المغيث شرح ألفية الحديث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى1403هـ.
52.فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، الجزء الثالث، غالب بن علي عواجي.
53.لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق دائرة المعارف النظامية، مؤسسة الأعلمي، بيروت.
54.مجموع فتاوى ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي الحنبلي وابنه محمد.
55.مختصر العلو، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية1412هـ.
56.مسند أبي داود الطيالسي، سليمان بن داود أبو داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت.
57.مسند أحمد، أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية.
58.مشاهير علماء الأمصار، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي، تحقيق م.فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت.
59.مفردات غريب القرآن، الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق محمد علي الصابوني، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى.
60.من لم يرو عنه غير واحد، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى1369هـ.
61.ميزان الاعتدال، محمد بن أحمد بن قايماز الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.
62.نعمة الذريعة في نصرة الشريعة، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي القسطنطيني، تحقيق علي رضا بن عبد الله علي رضا، دار المسير، الطبعة الأولى.

[1] - الإبانة ( 3/170) ، وقال محققه الشيخ الأثيوبي:" أثر إسحاق بن راهويه صحيح".

[2] - غريب الحديث (2/9).

[3] - قال الأستاذ محمود محمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري (15/246) معلقًا على لكام أبي عبيد:" وهذه كلمة عالم يعقل عن ربه ، ولا يتنكر لخبر رسوله المبلغ عنه ، العارف بصفاته ، ويقاس عليه مثله مما ورد في أحاديث بدء الخلق وأشباهها ، ما صح إسناد الخبر عن نبي الله ، بأبي هو وأمي".

[4] - سنن الترمذي ( 5 / 288 ).

[5] - حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (13/16-17).

[6] - تاريخ الأمم والملوك ( 1 / 32 ).

[7] - الاستقامة ( 1/126) ، والصفدية(2/79)، ومجموع الفتاوى(2/275 ، 5/ 55، 315) ، ومواضع من بيان تلبيس الجهمية، ودرء التعارض.

[8] - العلو للعلي الغفار : ص 18 .

[9] - إعلام الموقعين(4 / 267 ).

[10] - فتاوى إمام المفتين ( ص 13 ).

[11] - حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (13/16-17).

[12] - تفسير ابن كثير ( 4 / 307).

[13] - دفع شبه التشبيه( مطبوع ضمن مجموعة): ص 253- 254 .

[14] - تأويل مختلف الحديث: ص222.

[15] - إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل: ص 199 .

[16] - سؤالات الآجري (2/120).

[17] - (( العلل ومعرفة الرجال ))(2/189).

[18] - ميزان الاعتدال (4/335).

[19] - الكاشف(2/350).

[20] - الثقات ( 5/496).

[21] - مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان : ص 124.

[22] - أخرج له ابن حبان في (صحيحه) عدة أحاديث ، هي:
الأول: 247 - أخبرنا عبد الله بن قحطبة قال : حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا ) قال أبو حاتم : شعبة واهم قي قوله ( عدس ) إنما هو ( حدس ) كما قاله حماد بن سلمة.وبرقم(5230) كذلك.
الثاني: 5891 - أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بعسكر مكرم قال : حدثنا أبو كامل الجحدري قال : حدثنا ابو عوانة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس : عن عمه أبي رزين أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنا كنا نذبح ذبائح فنأكل منها ونطعم من جاءنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا بأس بذلك ) .
الثالث: 6050 - أخبرنا محمد بن عبد الله الجنيد قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا هشيم حدثنا يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس : عن عمه أبي رزين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا على رجل طائر ما لم يعبر عليه فإذا عبرت وقعت ) قال : وأحسبه قال : ( لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي)وبرقم(6055)أيضًا بنحوه.
الرابع: 6141 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال : قلت : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : ( هل ترون ليلة البدر القمر أو الشمس بغير سحاب ) ؟ قالوا : نعم قال : ( فالله أعظم ) قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ) .
قال أبو حاتم رضي الله عنه : وهم في هذه اللفظة حماد بن سلمة من حيث ( في غمام ) إنما هو ( في عماء ) يريد به أن الخلق لا يعرفون خالقهم من حيث هم إذ كان ولا زمان ولا مكان ومن لم يعرف له زمان ولا مكان ولا شيء معه لأنه خالقها كان معرفة الخلق إياه كأنه في عماء عن علم الخلق لا أن الله كان في عماء إذ هذا الوصف شبيه بأوصاف المخلوقين .

[23] - التنكيل (2/151-152 ) ، وقال الشيخ الألباني معلقًا:" قلت : هذا تفصيل دقيق ، يدل على معرفة المؤلف رحمه الله تعالى ، وتمكنه من علم الجرح والتعديل ، وهو مما لم اره لغيره ن فجزاء الله خيرًا". قلت: وقد تعقب بعض الباحثين الشيخ الألباني والعلامة المعلمي في ذلك وهو عداب الحمش ، وجاء بأشياء لا يتسع لها البحث .
ولعلك تعجب من تعليق الألباني على المعلمي بذلك إذا وجدته ضعف الحديث بسبب وكيع بن حدس هذا والذي لا يخفى على الشيخ الألباني أنه من المرتبة الرابعة من تقسيم المعلمي لتوثيقات ابن حبان ، ويزول ذلك العجب إذا علمت أن الألباني قال بعد كلامه آنف الذكر:" ولقد أجريت لطلاب الجامعة افسلامية في المدينة المنورة يوم كنت أستاذ الحديث فيها سنة (1382 ) تجربة عملية في هذا الشأن في بعض دروس ( الأسانيد ) ، فقلت لهم : لنفتح على أي راو في كتاب (( خلاصة تذهيب الكمال )) تفرد بتوثيقه ابن حبان ، ثم لنفتح عليه في ((الميزان )) للذهبي ، و (( التقريب )) للعسقلاني ، فسنجدهمت يقولان فيه (( مجهول )) أو (( لا يعرف )) ، وقد يقول العسقلاني فيه (( مقبول )) يعني لين الحديث ، ففتحنا على بضعة من الرواة تفرد بتوثيقهم ابن حبان فوجدناهم عندهما كما قلت : أما مجهول ، أو لا يعرف ، أو مقبول "اهـ
قلت: الشيخ الالباني يعتقد أن اصطلاح ابن حجر بأن فلانًا مقبول يعني أنه لين الحديث وذلك إذا لم يوثقه أحد غير ابن حبان! ولذا فإن مسلك الشيخ الألباني غير متناقض وإن كنا لا نوافقه في أصل الحكم على الحديث.

[24] - تهذيب التهذيب(11/115).

[25] - تقريب التهذيب : ص 581.

[26] - لسان الميزان ( 7/425).

[27] - الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (1/232).

[28] - المنفردات والوحدان:ص166.

[29] - الجرح والتعديل (9/63).

[30] - التاريخ الكبير(8/178).

[31] - قال الخطيب في(الكفاية) : ص 88 :" وأقل ما ترتفع به الجهالة: أن يروى عن الرجل اثنان فصاعدًا من المشهورين بالعلم".

[32] - الأقوال منثورة في " فتح المغيث " للسخاوي ( 1/ 314- 321 ).

[33] - تبديد الظلام المخيم في نونية ابن القيم : ص 145.

[34] - الإشفاق على أحكام الطلاق : ص 27 .

[35] - التنكيل (2/32).

[36] - ميزان الاعتدال(1/211).

[37] - ديوان الضعفاء :ص 478 عن " جهالة الراوي" للشيخ عبد الله السعد، وهو بحث نافع.

[38] - التنكيل(1/66).

[39] - غريب الحديث (2/128).

[40] - غريب الحديث(2/8).

[41] - العرش : ص 54 .

[42] - الإبانة(3/170). وكذا قال الراغب في المفردات(ص:349).

[43] - الإبانة(3/170).

[44] - الفتوى الحموية.

[45] - بيان تلبيس الجهمية(1/561).

[46] - بيان تلبيس الجهمية(2/184).

[47] - مجموع الفتاوى(2/275).

[48] - أقاويل الثقات :ص89 .

[49] - الأسماء والصفات(2/236).

[50] - بيان تلبيس الجهمية(1/144).

[51] - اجتماع الجيوش الإسلامية.

[52] - تفسير الرازي( هود/7).

[53] - إيضاح الدليل : ص 202 – ص 203 .

[54] - النهاية في غريب الحديث(3/576).

[55] - غريب الحديث (2/128).

[56] - الأسماء والصفات(2/236).

[57] - هذه عبارة الحافظ بعينها في الفتح (6/289).

[58] - شرح سنن ابن ماجه ، للسيوطي.

[59] - العرف الشذي شرح سنن الترمذي للكشميري (3/439).

[60] - للتوسع في ترجمته ، انظر شذرات الذهب (7 / 360 )، و البدر الطالع (1 / 327 )، و الجامي عصره وحياته للأستاذ عبد العزيز مصطفي محمد . قال الشوكاني عنه في بدره :" اشتغل بالعلوم أكمل اشتغال حتى برع فى جميع المعارف ثم صحب مشايخ الصوفية فنال من ذلك حظاً وافراً"اهـ
قلت: وهو صاحب كتاب نفحات الأنس في حضرات القدس، وله شرح على الألفية مشهور تخرج عليه رجال.

[61] - العرف الشذي شرح سنن الترمذي للكشميري (3/439).

[62] - نعمة الذريعة في نصرة الشريعة: ص 215 – 216 .

[63] - انظر "فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام :( 3/103) ، لغالب بن علي عواجي.

[64] - رماح حزب الرحيم (2/458 )، بلوغ الأماني في الرد على النبهاني.

[65] - معجم اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشاني ، والمعجم الصوفي للرضواني.

[66] - قال شيخ الإسلام ابن تيمة(الفتاوى الكبرى3/503):" الحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث". وقال في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:" كذب موضوع عند أهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك أبو حاتم البستي و الدارقطني و ابن الجوزي وغيرهم وليس في شيء من دواوين الحديث التي يعتمد عليها".

[67] - "المعجم الصوفي"، عن "الإنسان الكامل" للجيلي.

أذكياء ولكن ! أرسطو مثالا

قال  ابن تيمية النمري(ت:728) في وصف أهل الفلسفة والكلام المذموم:" أنهم أوتوا فهوماً ولم يؤتوا علوماً, وأوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاء".

وقال محمد بن عبد الوهاب في وصفهم:"هذا، وأهل الكلام وأتباعهم من أحذق الناس وأفطنهم، حتى إن لهم من الذكاء والحفظ والفهم ما يحير اللبيب، وهم وأتباعهم مقرون أنهم مخالفون للسلف"(تاريخ ابن غنام:ص222).

ولندلل على ذلك بمثال واحد: ألا وهو أرسطو طاليس (الإلهي!!) الملقب بالمعلم الأول:

ذكاؤه الخارق:

ابن رشد(الشارح الكبير!):
قال فيه:" إنه أعقل اليونان ويستحق ان يدعى إلهيًا أكثر من أن يدعى بشريًا وهذا جعل الأوائل يسمونه إلهيًا"(كما في مقدمة شرحه الطبيعيات: نقلًا عن ظهر الإسلام 2/249 لأحمد أمين).

أبو نصر الفارابي الموسيقار المفتن(المعلم الثاني!):
قال فيه لما سئل أنت اعلم بهذا الشأن أم أرسطاليس، قال: "لو أدركته لكنت أكبر تلامذته"(وفيات الأعيان2/153).

ابن سينا (الشيخ الرئيس!):
أخبر أنه قرأ كتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو أربعين مرة فلم يفهمه حتى قرأ أغراض ما بعد الطبيعة للفارابي.(طبقات الأمم:77).

أبو الفرج ابن الطيب(أحد شراح الفلسفة وهو شارح السماع الطبيعي لأرسطو):
قال ابن بطلان:"بقي شيخنا أبو الفرج عبد الله بن الطيب عشرين سنة في تفسير ما بعد الطبيعة ومرض من الفكر فيه مرضة كاد يلفظ نفسه فيها"(إخبار العلماء:233).

اعتقاده ومعرفته بالله ورسله:

قال ابن تيمية:"فما الظن بالإلهيات إذا نظر فيها كلام معلمهم الأول (أرسطو) أو تدبره العاقل لم يفده إلا العلم بأنهم كانوا من أجهل الخلق برب العالمين ؟ وصار يتعجب تعجباً لاينقضي ممن يقرن علم هؤلاء بالالهيات الى ماجاءت به الأنبياء , ويرى أن هذا من جنس من يقرن الحدادين ! بالملائكة "(الرد على المنطقيين:394).

وقال:"وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة أولم تكن ائمتكم اليونان -كأرسطو وأمثاله -مشركين يعبدون الأوثان ويشركون بالرحمن ويقربون أنواع القرابين لذرية الشيطان أوليس من أعظم علومهم السحر , الذي غايته أن يعبد الإنسان شيطاناً من الشياطين , ويصوم له ويصلي , ويقرب له القرابين ,حتلى ينال بذلك عرضاً من الدنيا ,فساده أعظم من صلاحه وإثمه أكبر من نفعه"(درء التعارض:5/65).
وقال:"وذلك القول بحدوث هذا العالم هو قول أساطين الفلسفة الذين كانوا قبل أرسطو , بل هم يذكرون أرسطو أول من صرح بقدم الأفلاك , وأن المتقدمين قبله من الأساطين كانوا يقولون إن هذا العالم محدث"(منهاج السنة1/360)...وقد بينا خطأ ذلك في هذا الموضوع.
.........
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا منك رحمة إنك أنت الوهاب.

هل كتاب الحيدة ثابت؟


هل كتاب الحيدة ثابت ؟
قلت في كتابي(نظرات في سيرة الإمام عبد العزيز الكناني وكتابه الحيدة):
الفصل الثاني : دراسة الكتابالمطلب الأول : من ذكره بصيغة الجزم .
ذكره جازماً بنسبته إلي الكناني غير واحد من أهل التحقيق والتأريخ والتراجم ومنهم:· ابن النديم ( ت : 438 هـ ) في الفهرست ( ص : 261 ) .·
الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/449) .
· ابن الجوزي في " المنتظم " (8/ 41و 81) .·
الحافظ المزي ( ت : 749 هـ ) في تهذيب الكمال ( 18 / 220 ) .·
وشيخ الإسلام ابن تيمية ( ت : 728 هـ ) في بيان تلبيس الجهمية(2/245) و (6/115) وفي مجموع فتاواه في غير موضع (الفتوي الحموية ضمن المجلد الخامس , و رسالته في المباينة بين الله وخلقه ضمن المجلد الخامس , وقاعدة في الصفات والأفعال ضمن المجلد السادس , وفي قاعدة في أن جميع ما يحتج به المبطل إنما يدل علي الحق ضمن المجلد السادس ) .
· الحافظ ابن القيم ( ت : 751 هـ ) : في شفاء العليل ( ص : 155 )·
والحافظ ابن حجر ( ت : 852 هـ ) في تهذيب التهذيب ( 6 / 324) وفي التقريب (2/513) .· المسعودي في مروج الذهب .·
صاحب العبر ( حوادث سنة 240 هـ )·
ابن العماد في شذرات الذهب (2/95) .
· الفاسي في "العقد الثمين " (5/466-467) .
· اليافعي في مرآة الجنان ( أحداث سنة 420 هـ ) .
· والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد .
· وصاحب كشف الظنون .· وصاحب هداية العارفين .
· وصاحب معجم المطبوعات ( 2 / 1571 ).· وصاحب كتاب الأعلام ( 4 / 29 ) .
· وصاحب معجم المؤلفين ( 5 / 263 ) .
المطلب الثاني : من لم يصحح نسبته إلي الكناني :
الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2 / 639 ) وقال : قلت: لم يصح إسناد كتاب الحيدة إليه، فكأنه وضع عليه. والله أعلم رواه عنه أبو عمرو بن السماك، ورأيت له حديثا أسناده ثقات سواه، وهو كذب: في فضل عائشة. ويغلب على ظنى أنه هو الذي وضع كتاب الحيدة، فإنى لاستبعد وقوعها جداً " انتهى·
وتابعه السبكي في طبقات الشافعية الكبري (2/145)ناقلاً كلامه مزيداً كما سيأتي .
المطلب الثالث : تعليل من لم يصحح نسبة الكتاب :
قال الحافظ الذهبي : " لم يصح إسناد كتاب الحيدة إليه، فكأنه وضع عليه. والله أعلم " انتهىولم يتابعه ابن حجر في اللسان ولا ذكر عبد العزيز أصلاً .وقال السبكي :" قلت وعلى أنه كان ناصراً للسنة فى نفى خلق القرآن كما دلت عليه مناظرته مع بشر وكتاب الحيدة المنسوب إليه فيه أمور مستشنعة لكنه كما قال شيخنا الذهبى لم يصح إسناده إليه ولا ثبت أنه من كلامه فلعله وضع عليه"انتهى
المطلب الرابع : الرد علي كلام الذهبي ومن تابعه :أما كلام الذهبي رحمه الله فلا ضير فيه ولا تكلف يعتريه فقد ذكر أنه لم يصح إسناد الكتاب ومفهوم عبارته أمور :الأول : أنه ليس للكتاب إلا إسناد واحد وإلا لقال : لم يصح له إسناد وسيأتي تفصيل ذلك فانتظره !الثاني : أنه لم يسق إسناد الكتاب ولا بين ضعفه فلو حصل لنا الإسناد وخالفنا الذهبي في حكمه لكان لكلامنا الفضيلة علي كلامه من وجهين أحدهما : التبيين والتفصيل .
والآخر : دراسة الإسناد والحكم عليه وتذليل ذينك لغيرنا .الثالث : أن الذهبي يخبر عن نفسه أنه لم يصح إسناد الكتاب عنده .وأما استبعاده وقوع ذلك ظاهره امران :الأول : استبعاد وقوع ذلك الكتاب المخصوص الذي وقع له من نسخ الحيدة وهذا لعل له فيه عذراً فقد كثرت الكتب عن الكناني وكتب الناس كثيراً مما وقع بعباراتهم وبتصرف في الحكايات ممن لا يعلم ولا يفهم قال الكناني في الحيدة :" فلما ألحوا علي قلت أنا أذكر لكم بعض ما جرى مما لا يجوز علي فيه شيء ولا حجر في ذكره فرضوا بذلك مني فامليت عليهم أوراقاً مقدار عشر أوراق ونحوها مختصرة لأقطعهم بها عن نفسي ومن ملازمة بابي ولم يتهيأ لي ان أشرح ذلك كله مما تخوفت علي نفسي مما قد يلحقني بعد هذا المجلس وما جري بسبب الأوراق علي الناس وكتبوها عني في كتاب غير هذا " انتهى
فأثبت الكناني بذلك ثلاثة كتب لحيدته([1]) : كتابه هذا، والكتاب المختصر الذي يقع في عشر أوراق، والكتاب الذي كتبه عنه الناس .وقد كتبت الحيدة بعده ونشرت علي الملأ ؛ قال اليافعي في حوادث سنة 420هـ " وفيها وقع برد عظيم إلى الغاية في الواحدة أربعة أرطال بالبغدادي، حتى قيل إن بردة وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحواً من ذراع، وذلك بأرض النعمانية من العراق، وهبت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول الغائبة من الزيتون والنخيل.وفيها جمع القادر بالله كتاباً، فيه وعظ ووفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقصة ما جرى لعبد العزيز صاحب الحيدة بفتح الحاء والدال المهملتين وسكون المثناة من تحت بينهما وفي آخره هاء مع بشر المريسي، والرد على من يقول بخلق القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة، وغير ذلك " انتهىوبسبب هذا انتشرت بين الناس وتصرف كل فيما وقع له من كتاب وتنوعت النسخ وتفرقت الكتب وهذا شأنه شأن غيره من الكتب وعلي الجهابذة اهل التحقيق تمييز الغث من الثمين كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية فيما سنبينه بعد ونلمحه إليه هاهنا إلماحاًقال شيخ الإسلام ابن تيمية ([2]):" قال عبد العزيز : فقلت لبشر: ألست تقول : إن الله كان ولا شيء وكان ولما يفعل شيئا ولما يخلق شيئا ؟ قال : بلى فقلت : فبأي شيء حدثت الأشياء بعد أن لم تكن شيئا ؟ أهي أحدثت نفسها أم الله أحدثها ؟ فقال : الله أحدثها فقلت له : فبأي شيء حدثت الأشياء إذ أحدثها الله ؟ قال : أحدثها بقدرته التي لم تزل قلت له : إنه أحدثها بقدرته كما ذكرت أفليس تقول : إنه لم يزل قادرا ؟ قال : بلى قلت له : فتقول: إنه لم يزل يفعل ؟ قال : لا أقول هذا قلت له : فلا بد أن يلزمك أن تقول : أنه خلق بالفعل الذي كان عن القدرة وليس الفعل هو القدرة لأن القدرة صفة لله ولا يقال لصفة الله هي الله ولا هي غير الله فقال بشر : ويلزمك أنت أيضا أن تقول : إن الله لم يزل يفعل ويخلق وإذا قلت ذلك فقد ثبت أن المخلوق لم يزل مع الله قال عبد العزيز : فقلت لبشر : ليس لك أن تحكم على وتلزمني مالا يلزمني وتحكي عني ما لم أقل إني لم أقل : ( إنه لم يزل الخالق يخلق ولم يزل الفاعل يفعل ) ليلزمني ما قلت وفي نسخة أخرى : ( وإنما قلت إنه لم يزل الفاعل سيفعل ولم يزل الخالق سيخلق لأن الفعل صفة الله والله يقدر عليه ولا يمنعه منه مانع ) " انتهى فأثبت من نسخة ما ليس في أخري .وقال أيضاً([3]) :" قال له عبد العزيز : ( إنما قلت : الفعل صف لله والله يقدر عليه ولا يمنعه منه مانع ) وفي نسخة أخرى زيادة على ذلك : ( إنما قلت : إنه لم يزل الفاعل سيفعل ولم يزل الخالق سيخلق لأن الفعل صفة لله ) وهذه الزيادة لم تتقدم في كلام عبد العزيز فإما أن تكون ملحقة من بعض الناس في بعض النسخ أو يكون معنى الكلام : إنما قولي هذا وإنما قلت إني إنما اعتقدت والتزمت هذا أو يكون المعنى : إنما أقول وأعتقد هذا والأشبه أن هذه الزيادة ليست من كلام عبد العزيز فإنها لا تناسب ما ذكره من مناظرته المستقيمة ولم يتقدم من عبد العزيز ذكر هذا الكلام ولا ما يدل عليه بخلاف قوله : ( إنما الفعل صفة لله والله يقدر عليه ولا يمنعه منه مانع ) فإن هذا كلام حسن صحيح وهو لم يكن قد قاله ولهذا لم يقل: إني قلت ذلك ولكن قال : هذا هو الذي يجب أن يقال وهو الذي يلزمني أن أقوله لأني بينت أن المخلوق لا يكون إلا بفعل عن قدرة الله والفعل قائم بالله ليس هو مخلوقا منفصلا وهذا مراده بقوله : ( إنه صفة ) لم يرد بذلك أن الفعل المعين لازم لذات الله تعالى لأنه قد قال : ( والله يقدر عليه ولا يمنعه منه مانع ) " انتهىوهذا دليل علي تصرف النساخ في الكتاب والذي لم يراعه من حققه ولذا تحتم تبيين ذلك كما سيأتي في موضعه وهذا من أوسع العذر للكناني فيما لعله أخطأ فيه .الثاني : أن المناظرة لم تقع أصلاً وهذا مدفوع عن قوة لإجماعهم علي وقوعها . و قال الألباني – رحمه الله - :" ووجه استبعاد المصنف كتاب "الحيدة" : أنه يشتمل على مناظرات أقيمت فيها الحجة لتصحيح مذهب أهل السنة عند المأمون ، والحجة [في] قول صاحبها ، فلو كان الأمر كذلك ؛ ما كان المأمون يرجع إلى مذهب الجهمية ، ويحمل الناس عليه ، ويعاقب على تركه ، ويهدد بالقتل وغيره ، كما هو معروف في أخباره في كتب المحنة" انتهىقلت : وهذا تعليل ابن حجر وغيره، و ليس بشيء وإن كان ظاهره أنه ذو بال فكم خصم المعتزلة أمام المأمون وغيره ولم يَحُلْ ذلك عن ما ابتدره من إذكاء الفتنة يدري ذلك من طالع تلك الأخبار وتتبعها تتبعاً حثيثاً .بل إن المأمون نفسه بعد تلك المناظرة عارض الكناني وهدده وتوعده وقام وقعد وضجر وزعر ليقول الكناني بمقالته الفاسدة فلم يجد ذلك شيئاً ؛ قال ابن بطة في الإبانة :" قال أبو أيوب عبد الوهاب بن عمرو : وأخبرني العطاف بن مسلم ، عن هؤلاء المسلمين ، في صدر هذا الكتاب ، وعن غيرهم ، من أصحاب المكي : أن عبد العزيز ، قال : « اجتمعت مع أمير المؤمنين بعد هذا المجلس فجرت بيني وبينه مناظرات كثيرة ، فقال لي بعدما جرى بيننا : ويحك يا عبد العزيز ، قل : القرآن مخلوق ، فوالله لأوطأن الرجال عقبك ، ولا نوهن باسمك ، فإن لم تقل ، فانظر ما ينزل بك مني » ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن القلوب لا ترد بالرغبة ولا بالرهبة ، ترغبني فتقول : قل حتى أفعل بك ، وإن لم تفعل ، انظر ماذا ينزل بك مني ، فيميل إليك لساني ولا ينطق لك قلبي ، فأكون قد نافقتك يا أمير المؤمنين . فقال : ويحك ، فبماذا ترد القلوب ؟ قال : قلت : بالبصائر يا أمير المؤمنين ، بصرني من أين القرآن مخلوق ؟ . فقال لي : صدقت " انتهىوكم خصم المأمون وزبانيته وقضاته وغلبوا وانقلبوا بالندامة والخزي ولم يخمد ذلك من الفتنة ولم يرفع من المحنة وخبر الكناني علي روعته الظاهرة لا يستبعد حصول مثله وزيادة من غيره من متكلمة أهل السنة في زمنه الذين أقضوا مضاجع المعتزلة وتابعيهم ؛ قال الجاحظ في ( خلق القرآن ) :" .... وأن متكلمي الحشوية والنابتة قد صار لهم بمناظرة أصحابنا، وبقراءة كتبنا بعض الفطنة " اهـوأما اعتراض السبكي فبأمور :أحدها : أن الكتاب لا يصح إسناده وحكاه عن الذهبي وقد مر وسيأتي تفصيله .الثاني : أن فيه أموراً مستشنعة .الثالث : أن الكتاب ربما وضع علي الكناني دون علمه .والجواب عن الإسناد يساق هذا المساق :· إسناد الكتاب([4]) : قرأت على أبي عمر أحمد بن خالد في ربيع الآخر عام اثنين وخمسين وثلاثمائة، حدثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد بن عبد الله السماك([5]) قال فنا أبو بكر محمد بن الحسن بن أزهر بن حسين القطايعي([6])، قال: حدثني أبو عبد الله العباس بن محمد بن فرقد، قال: حدثني أبي محمد بن فرقد بهذا الكتاب من أوله إلى آخره، قال: قال عبد العزيز بن مسلم الكناني.....إلخ· إسناد آخر : قال الإمام ابن بطة العكبري في الإبانة الكبري له : باب ذكر مناظرات الممتحنين بين أيدي الملوك الجبارين الذين دعوا الناس إلى هذه الضلالة * مناظرة عبد العزيز بن يحيى المكي لبشر بن غياث المريسي بحضرة المأمون * أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسين علي بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني ، قال : أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن علي بن البسري([7]) ، قال : أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بنمحمد بن محمد بن حمدان بن بطة رضي الله عنه إجازة ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء([8]) قال : حدثنا أبو أيوب عبد الوهاب بن عمرو النـزلي، قال : حدثني أبو القاسم العطاف بن مسلم ، قال : حدثني الحسين بن بشر([9]) ، ودبيس الصائغ ، ومحمد بن فرقد ، قالوا : قال لنا عبد العزيز بن يحيى المكي الكناني .....ثم ذكر أكثر الكتاب .· وأما الأمور المستشنعة فلا أظن أن ما يستشنعه مثل السبكي غير ما يرجوه كل سلفي من اعتقاد لمثل الإمام الكناني فإنه في تلك المناظرة حز غلصمة المريسي حزاً وهز حصون الجهمية هزاً وكان في ذلك كله رابط الجأش ثابت الجنان بعزيمة لا شية فيها ولا كلال يعتريها وأما ما استظهرناه من خطإ فيما وقع لنا من نسخ فلعله مما يحمده عليه السبكي لمجانيته العقيدة الصحيحة والملة المعظمة الرجيحة .· وأما مسألة وضع الكتاب عليه فقد بينا ما يمكن للعاقل قبوله منها إلي حد ما وسنعالج ما نظن أنه وضع عليه من كلام شيخ الإسلام وغيره فانظره فيما تستقبله من الكتاب.[1] - قال الدكتور الفقيهي في تحقيقه ( ص : 11 ) :" فيؤخذ من كلام هذا أنه قد بدأ في كتابة هذه المناظرة بنفسه فقد كتب مقدار عشر أوراق ويظهر من ذلك أنه أكمل الباقي بعد ذلك لأن الكتاب كله يتكون من سبع وثلاثين ورقة " اهـقلت : ليس كذلك والصواب ما أثبتناه من تعدد الكتب .[2] - درء التعارض ( 1 / 440 ) .[3] - درء التعارض ( 1 / 455 – 456 ) .[4] - عن المطبوعة تحقيق الشيخ الدكتور علي بن ناصر الفقيهي حفظه الله ونفع به .[5] - قال الذهبي عنه : " صدوق في نفسه " [ ميزان الاعتدال 3 / 31 ] .[6] - قال عنه الذهبي في الميزان :" محمد بن الحسن بن أزهر الدعاء.عن عباس الدوري. اتهمه أبو بكر الخطيب بأنه يضع الحديث.قلت: هو الذي انفرد برواية كتاب الحيدة.رواه عنه أبو عمرو بن السماك، ورأيت له حديثًا أسناده ثقات سواه، وهو كذب: في فضل عائشة.ويغلب على ظنى أنه هو الذي وضع كتاب الحيدة، فإنى لاستبعد وقوعها جدًّا. قال أبو بكر الخطيب : هو أبو بكر القطائعى الأصم الدعاء.حدث عن قعنب بن المحرر، وعمر بن شبة، والعباس بن يزيد البحراني .روى عنه ابن السماك، ومحمد بن عبدالله بن بخيت الدقاق، وأبو حفص بن شاهين، وأبو حفص الكتاني - قال: وكان غير ثقة " انتهى .
ولأجله قال الذهبي مقالته لأنه لم يقف علي غير ذلك الإسناد.[7] - قال الخطيب في تاريخ بغداد : " علي بن أحمد بن محمد بن علي أبو القاسم البندار المعروف بابن البسري سمع أبا طاهر المخلص ومحمد بن عبد الرحمن بن خشنام كتبت عنه وكان صدوقا يسكن بدرب الزعفراني ثم انتقل إلى حريم دار الخلافة أخبرنا بن البسري حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا محمود بن غيلان حدثنا الفضل بن موسى الشيباني حدثنا الجعيد عن عائشة بنت سعد قالت سمعت سعدا يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء سألته عن مولده فقال في صفر سنة ست وثمانين وثلاثمائة "[ 11 / 335 ] .
وقال الذهبي :" آخر من روى عنه بالاجازة علي بن أحمد بن البسري " انتهى من السير[8] - قال الخطيب : " عمر بن محمد بن رجاء أبو حفص العكبري حدث عن عبد الله بن احمد بن حنبل وقيس بن إبراهيم الطوابيقي وموسى بن حمدون العكبري روى عنه بن بطة العكبري وكان عبدا صالحا دينا صدوقا أخبرنا الأزهري قال قال لنا أبو عبد الله بن بطة إذا رأيت العكبري يحب أبا حفص بن رجاء فاعلم أنه صاحب سنة قلت مات في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة " [ 11 / 239 ] .[9] - قال المزي في تهذيب الكمال : " الحسين بن بشر بن عبد الحميد الحمصي الثغري الطرسوسي روى عن حجاج بن محمد المصيصي ومحمد بن حمير السليحي سي روى عنه النسائي وقال لا باس به وقال في موضع آخر ثقة وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمع منه أبي بطرسوس وسئل عنه فقال شيخ " [ 6 / 334 – 335 ] .

المناظرة الصغرى في إثبات صفة اليدين لله تعالى بين سلفي وأشعري

المناظرة الصغرى في إثبات صفة اليدين لله تعالى بين سلفي وأشعري
السلفي: أتثبت لله تعالى اليدين كما أثبت ذلك لنفسه في قوله (بل يداه مبسوطتان) وفي قوله رسوله صلى الله عليه وسلم (كلتا يديه يمين)؟
الأشعري: نعم، أثبت له يدين ، وأقول: إن اليد بمعنى القدرة.

السلفي: إذن لله قدرتان لأنك تثبت بنص القرآن له يدين !
الأشعري: بل له قدرة واحدة فتوحيد صفاته يقتضي أنه ليس له صفتان من نوع واحد كما قرر ذلك أئمتنا([1]).

السلفي: وأي شيء أفادت التثنية لليد التي بمعنى القدرة عندك!
الأشعري: أفاد ذلك توكيد المعنى .

السلفي: هذا مما لا نظير له في استعمال العرب اللغوي، وينفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم(كلتا يديه يمين) فإنه أثبت له يدين وأن كلتيهما يمين ويتعذر مع هذا البيان أن يكون له قدرتان كلتاهما يمين، أو له قدرة كما زعمت ثم يكون مناسبًا الاستطراد النبوي(كلتا يديه يمين!)، وكذلك قوله تعالى في خلق آدم:( لما خلقت بيدي) فلو كانت اليد هي القدرة لما خص آدم بأنه مخلوق بها إذ كل مخلوق فهو بقدرته سبحانه وتعالى.
الأشعري: إن كان آدم قد خلق بيد الله فإن سائر الخلق قد خلقوا بكلامه ولا تشريف لمخلوق بصفة على مخلوق بصفة آخرى.

السلفي: بل التشريف حاصل لآدم لأنه دون غير مخلوق بيدي الله تبارك اسمه، وغيره خلق بكلامه سبحانه وهذا تخصيص تشريفي ووجهه واضح وجلي .
ثم إن آدم كذلك مخلوق بكلامه تبارك وتعالى كما قال تعالى:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
الأشعري: أقلني من القول بأن اليد بمعنى القدرة.

السلفي: أقلتك، وأخبرني بأي معنى هي!
الأشعري: هي بمعنى النعمة.

السلفي: واليدان هما النعمتان، ولكنهما أي نعمتين؟
الأشعري: نعمتا الدنيا والآخرة، أو نعمتا الدنيا الظاهرة والباطنة، أو نعمتا المطر والنبات التان بهما سائر النعم.

السلفي: هذا المعنى حصلته بضرورة أم بنظر؟
الأشعري: بنظر.

السلفي: فأنت على يقين بصحته أم على ظن.
الأشعري: على يقين بعدم خروج الصحة من أحد تلك المعاني، وكل بمعنى بمفرده فأنا على ظن من صحته.

السلفي: فمن اعتقد معنى من تلك المعاني يكون على يقين من صحته في نفسه، وتبرأ بذلك ذمته من تعظيم النص وإثبات الصفة أم لا؟
الأشعري: يكون على ظن، وتبرأ ذمته إن شاء الله.

السلفي: ولكن طريق العلميات هو طريق اليقين دون الظن، وتشوف الشارع إلى الاجتماع فيه دون التفرق ولا مرجح للاجتماع على معنى دون آخر. فلا مرجح للقدرة على النعمة ولا للنعمة على القوة ولا للقوة على القدرة، وتفسير اليد بالقدرة أو بالقوة أو بنحوهما من الصفات متعذر لتعذر اجتماع صفتين لله من نوع واحد، وتفسيره بالنعمة غير منضبط كما تقدم فيداخله الظن والاحتمال فيباين جادة اليقين التي هي مسلك الكلام في العلميات بل وأعظم العلميات صفات الرب تبارك وتعالى.
قال الفخر الرازي:" صرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لا بد فيه من دليل منفصل.
وهو إما لفظي أو عقلي:
والأول: لا يمكن إعتباره في المسائل الأصولية لأنه لا يكون قاطعا لأنه موقوف على انتفاء الاحتمالات العشرة المعروفة وانتفاؤها مظنون، والموقوف على المظنون مظنون والظني لا يكتفي به في الأصول.
وأما العقلي: فإنما يفيد صرف اللفظ من ظاهره لكونه الظاهر محالا وأما إثبات المعنى المراد فلا يمكن بالعقل لأن طريق ذلك ترجيح مجاز على مجاز وتأويل على تأويل وذلك الترجيح لا يمكن إلا بالدليل اللفظي والدليل اللفظي في الترجيح ضعيف لا يفيد إلا الظن والظن لا يعول عليه في المسائل الأصولية القطعية فلهذا اختار الأئمة المحققون من السلف والخلف بعد إقامة الدليل القاطع على أن حمل اللفظ على ظاهره محال ترك الخوض في تعيين التأويل" انتهى.
الأشعري: فماذا تقول أنت ؟

السلفي: أقول إنهما يدان حقيقيتان تلقيان بالله تبارك وتعالى. والقرآن نزل بلغة العرب واليد المطلقة في لغة العرب وفي معارفهم وعاداتهم المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف لها خصائص فيما يقصد به وهي حقيقة في ذلك. ولا يثبت في معنى اليد معنى خلاف هذا إلا بقرينة.
الأشعري: القول بأنهما حقيقيتان يستلزم أنهما جارحتان كجارحتي المخلوق.

السلفي: القول بأنهما جارحتان أو ليستا بجارحتين مما لم يأت به آية محكمة ولا سنة صحيحة مبينة ولا أعرف فيه قولا لصاحب ولا تقريرًا لتابع. والقول بالتشبيه أبرأ إلى الله منه.
الأشعري: أتقول إن الله خاطبنا في كتابه بما نعرف أم بما لا نعرف؟

السلفي: بما نعرف.
الأشعري: فإني لا أعرف من معنى اليد إلا الجارحة ذات الأصابع والأعصاب والدم والعروق.

السلفي: بل تعرف غير هذا، يد السكين والسيف ونحوهما ليست بذات عروق ولا دماء ولا أعصاب.
الأشعري: إذن بين لي معنى اليد التي تثبتها لله تعالى.

السلفي: اليد معروفة من اللغة وهي كما صح الخبر يبسطها كيف يشاء ويمسك به السموات والأرض يوم القيامة ويهزهن ...إلخ لا نعدو ما جاءت به الأخبار.
الأشعري: هذا ليس بمعنى لليد.

السلفي: أما المعنى الذي هو حد نتج عن تصور فلا مجال للعقل في تصور صفاته سبحانه وتعالى كما لا نتصور ذاته والقول في الصفات كالقول في الذات، وأما اليد فمعروفة على وجه مخصوص أنها يد حقيقة لائقة بربنا تبارك وتعالى يبسطها ويقبضها ويمسك بها السموات والأرض ويهزهن ....إلى آخر ما جاءت به الأخبار.
لا نعدو بذلك الكتاب والسنة الصحيحة ولا نشبه يد ربنا بيد المخلوقين، ولا نجحد أن تكون له يد فنكذب بكتاب رب العالمين.
الأشعري: فهلا قلت: له يد ذات عروق ودماء وأعصاب ليست تشابه يد المخلوقين!

السلفي: إنما قلت له يدان لأنه أخبر عن نفسه فقال:(بل يداه مبسوطتان)، وأكد ذلك رسوله في غير ما حديث بأن له يدين كلتاهما يمين فأثبت ما أثبت الله ورسوله ولم يأتني عن الله ولا عن رسوله أن هاتين اليدين ذواتا أعصاب ولا عروق ولا دماء ،،، فتوقفت وما أتكلم في هذا بنفي ولا إثبات ولا تقرير ولا إنكار ولم أعد النص ولا تسورت الوارد ولا رجمت بغيب.
الأشعري: فهلا أثبت له أيدي لقوله تعالى(مما خلقت أيدينا أنعامًا) !

السلفي: لفظ الأيدي مجموع ومضاف إلى جمع فلا يدل على إثبات أيد كثيرة فهو كقوله تعالى(بما كسبت أيدي الناس)، وكقول الملائكة:( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا) فلا يفهم منه أن لكل ملك أيدي. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:( ويضع الأرض في الأخرى) فجعلهما اثنتين ولو كن أيدي كثيرة لقال:(في أخرى).
وكذلك فإن العرب يستعملون الجمع في موضع المثنى أحيانًا ولا إشكال على هذا.
الأشعري: ولكن على هذا لا فرق بين آدم والأنعام فهذا آدم خلق بيديه وهذه الأنعام عملت بيديه كذلك لأن الجمع كما زعمت وضع موضع المثنى.
السلفي: بل ثمت فرقان:
أحدهما: انه هنا أضاف الفعل إليه وبين أنه خلقه بيديه وهناك أضاف الفعل إلى الأيدى.
الثانى: أن من لغة العرب أنهم يضعون اسم الجمع موضع التثنية إذا أمن اللبس كقوله تعالى: (والسارق والسارق فاقطعوا أيديهما) أى يديهما وقوله: (فقد صغت قلوبكما) أى قلباكما.
الأشعري: فبم تدفع قول من قال: إن التثنية في (اليدين) من قبيل تثنية اللفظ دون تثنية الصفة؟

السلفي: القائل بهذا لجأ إلى ذلك فارًّا من إثبات يدين حقيقيتين لله تبارك وتعالى فذهب هذا المذهب إلى تسعفه دلالة نقلية ولا أمارة عقلية، وقد بينت أن طريقة التأويل لليدين عند من ارتضاها ظنية في تعيين المعنى، فلم يبق إلا سبيلان: سبيل التفويض مع الإثبات وهذا غير مرتضى لأمور ليس هذا موضعها.
الثاني: إثبات يدين حقيقيتين لائقتين بالله تبارك وتعالى.
ويوصف الله تعالى بعد ذلك بأن له يدين، فوصفك إياه بأن له يدين واحد مفرد أي أن له صفة واحدة هي اليدان ، والموصوف به ربنا يدان اثنتان.




تقرير في إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى
من كلام  أبي الحسن الأشعري
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه ( الإبانة عن أصول الديانة ) : " قد سئلنا أتقولون إن لله يدين؟
قيل : نقول ذلك بلا كيف وقد دل عليه قوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته ) فثبتت اليد بلا كيف وجاء في الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم ( أن الله تعالى خلق آدم بيده وخلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده وغرس شجرة طوبى بيده )... وقال تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) وجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (كلتا يديه يمين ) وقال تعالى : ( لأخذنا منه باليمين ) وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل : عملت كذا بيدي ويعني به النعمة وإذا كان الله عز و جل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوماً في كلامها ومعقولاً في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل : فعلت بيدي ويعني النعمة بطل أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) النعمة وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل : لي عليه يدي بمعنى لي عليه نعمتي ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل : بيدي يعني نعمتي وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلاً.. ويقال لأهل البدع : ولم زعمتم أن معنى قوله : ( بيدي ) نعمتي أزعمتم ذلك إجماعاً أو لغة ؟ فلا يجدون ذلك إجماعا ولا في اللغة . وإن قالوا : قلنا ذلك من القياس . قيل لهم : ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى : ( بيدي ) لا يكون معناه إلا نعمتي ؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز و جل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) وقال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) وقال تعالى : ( إنا جعلناه قرآناً عربياً ) وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله ) ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه . وقد اعتل معتل بقول الله تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد ) قالوا : الأيد القوة فوجب أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) بقدرتي قيل لهم : هذا التأويل فاسد من وجوه :
أحدها : أن الأيد ليس جمع لليد لأن جمع يد أيدي وجمع اليد التي هي نعمة أيادي وإنما قال تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فبطل بذلك أن يكون معنى قوله : (بيدي ) معنى قوله : ( بنيناها بأيد ) . وأيضاً فلو كان أراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفنا وكاسر لمذهبهم لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فكيف يثبتون قدرتين . وأيضاً فلو كان الله تعالى عنى بقوله : ( لما خلقت بيدي ) القدرة لم يكن لآدم صلى الله عليه و سلم على إبليس مزية في ذلك والله تعالى أراد أن يرى فضل آدم صلى الله عليه و سلم عليه إذ خلقه بيديه دونه ولو كان خالقا لإبليس بيده كما خلق آدم صلى الله عليه و سلم بيده لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه وكان إبليس يقول محتجا على ربه : فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم صلى الله عليه و سلم بهما فلما أراد الله تعالى تفضيله عليه بذلك وقال الله تعالى موبخا له على استكباره على آدم صلى الله عليه و سلم أن يسجد له : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ؟ ) دل على أنه ليس معنى الآية القدرة إذ كان الله تعالى خلق الأشياء جميعاً بقدرته وإنما أراد إثبات يدين ولم يشارك إبليس آدم صلى الله عليه و سلم في أن خلق بهما.وليس يخلو قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) أن يكون معنى ذلك إثبات يدين نعمتين أو يكون معنى ذلك إثبات يدين جارحتين [ أي كيدي المخلوقين ] . تعالى الله عن ذلك أو يكون معنى ذلك إثبات يدين قدرتين أو يكون معنى ذلك إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا قدرتين لا توصفان إلا كما وصف الله تعالى فلا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين لأنه لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول القائل : عملت بيدي وهو نعمتي . ولا يجوز عندنا ولا عند خصومنا أن نعني جارحتين ولا يجوز عند خصومنا أن يعني قدرتين .
وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله تعالى : ( بيدي ) إثبات يدين ليستا جارحتين ولا قدرتين ولا نعمتين لا يوصفان إلا بأن يقال : إنهما يدان ليستا كالأيدي خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت . وأيضاً فلو كان معنى قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي لكان لا فضيلة لآدم صلى الله عليه و سلم على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفينا لأن الله تعالى قد ابتدأ إبليس على قولهم كما ابتدأ آدم صلى الله عليه و سلم وليس تخلو النعمتان أن يكونا هما بدن آدم صلى الله عليه و سلم أو يكونا عرضين خلقا في بدن آدم عليه الصلاة و السلام فلو كان عنى بدن آدم عليه السلام فلأبدان عند مخالفينا من المعتزلة جنس واحد وإذا كانت الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذاهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم صلى الله عليه و سلم وكذلك إن عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم صلى الله عليه و سلم من لون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس وهذا يوجب أنه لا فضيلة لآدم صلى الله عليه و سلم على إبليس في ذلك والله تعالى إنما احتج على إبليس بذلك ليريه أن لآدم صلى الله عليه و سلم في ذلك الفضيلة فدل ما قلناه على أن الله عز و جل لما قال : ( خلقت بيدي ) لم يعن نعمتي . ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله : ( بيدي ) يدين ليستا نعمتين ؟
فإن قالوا : لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة . قيل لهم : ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة ؟ وإن رجعونا إلى شاهدنا أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق فقالوا : اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة . قيل لهم : إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى فكذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك - وإلا كنتم لقولكم تاركين و لاعتلالكم ناقضين وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالأيدي ؟
وكذلك يقال لهم : لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا ثم أثبتم أن للدنيا مدبرا حكيما ليس كالإنسان وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد فإن قالوا إذا أثبتم لله عز و جل يدين لقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) ؟
قيل لهم : قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك وجب أن يكون الله تعالى ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين لأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة . فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟ قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر .
فإن قال قائل : ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي على المجاز ؟ قيل له : حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم : فعلت بيدي وهو يعني النعمتين" انتهى

[1] - قال البيجوري : (( ومعنى الوحدانية في الصفات أنه ليس له صفتان أو أكثر من جنس واحد كقدرتين وهكذا ...)) انتهى من (( رسالة في التوحيد : ص 40 )) .

فائدة في تصحيح اسم ملا علي القاري

قال الشيخ عبد الله مرداد أبو الخير في نشر النور والزهر([1]):" فوائد: علي بتخفيف الياء والعوام يقرؤونه بتشديدها وهو غلط.(القاري) لقب نفسه لأنه كان حاذقًا في علم القراءة ولهذا قال في بعض مؤلفاته المقرئ بل القاري.ابن سلطان محمد: الظاهر أن مجموعه علم مركب من لفظين على عادة الأعاجم فإن دأبهم جعل أكثر الأسماء مركبة نحو محمد صادق ومحمد أسعد، وأما كون أبيه من الملوك فلم ينقل عن أحد ممن تصدى لبيان ترجمته " انتهى.
[1] - (المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر) تأليف الشيخ عبد الله مرداد أبو الخير، اختصار وترتيب محمد سعيد العامودي وأحمد علي، مطبوعات نادي الطائف الأدبي. ج2، ص321.